"الهروب إلى الأمام" يبدو أنها السياسة التي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتبعها للخروج من أزماته الداخلية.
فنتنياهو الذي يواجه أزمة داخلية مستمرة منذ أكثر من 3 أشهر، وباتت تهدد بقاءه في منصبه، عمد إلى التصعيد على أكثر من جبهة في وقت واحد في محاولة لافتعال معارك لعلها تكون النافذة التي يقفز منها تاركا وراءه أزماته.
الأزمة الأولى
منذ أكثر من 12 أسبوعا، يتظاهر عشرات الآلاف في إسرائيل احتجاجا ضد خطة نتنياهو للإصلاح القضائي التي يرون فيها تقليصا لسلطة المحكمة العليا، وهي المظاهرات التي تزايدت أعداد المشاركين فيها أسبوعا بعد آخر.
وأجبرت تلك المظاهرات نتنياهو على الرضوخ، ولو مؤقتا، بتأجيل خطته إلى الصيف المقبل.
واتسع نطاق المظاهرات، وشارك فيها قادة ووزراء سابقون، بل إن حتى وزير دفاعه يوآف غالانت أعرب علانية عن رفضه لخطة نتنياهو للإصلاحات القضائية.
أزمة ثانية
لم تكن الإصلاحات القضائية هي الأزمة الوحيدة التي تواجه نتنياهو، بل تزامنت معها تصريحات عنصرية وتحريضية لوزراء يمينيين بحكومته.
فوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اليميني المتطرف تسبب في 3 أزمات خلال شهر مارس/آذار الماضي، الأولى كانت بسبب تصريحاته بشأن محو قرية حوارة بنابلس شمالي الضفة الغربية، بعد هجوم مسلح بها أدى إلى مقتل اثنين من المستوطنين الإسرائيليين.
ثاني أزمات سموتريتش كانت ادعاءه الكاذب في خطاب ألقاه بالعاصمة الفرنسية باريس، بعدم وجود "شيء اسمه الشعب الفلسطيني".
سموتريتش كان يلقي الخطاب على منصة أمام خريطة تضم الأردن إلى حدود إسرائيل، وهو ما فجر الأزمة الثالثة.
ولحقت وزيرة المستوطنات، أوريت ستروك، بسموتريتش، حين زعمت أن "إسرائيل ستعود إلى غزة ولو بعد حين باعتبارها جزءا من أرض إسرائيل".
وقالت إن "دولة إسرائيل في طور التوبة عن خطيئة فك الارتباط"، أي الانفصال عن غزة وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية التي كانت على أرضها.
وأضافت: "المرحلة الثانية الهامة هي اليوم، مرحلة العودة إلى شمال السامرة (الضفة الغربية)، وأعتقد أن خطيئة فك الارتباط ككل سيتم تصحيحها في نهاية المطاف".
وتابعت: "لسوء الحظ، فإن العودة إلى قطاع غزة ستشمل أيضا العديد من الضحايا، تماما كما أن مغادرة قطاع غزة شمل أيضا العديد من الضحايا، ولكن ليس هناك شك في أنها في نهاية المطاف هو جزء من أرض إسرائيل، وسيأتي اليوم الذي سنعود فيه إليها".
وتنتمي ستروك (62 عاما) إلى حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، وهي معروفة بمواقفها العنصرية والتحريضية ضد العرب والفلسطينيين، وسبق لها أن طالبت بهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية.
الهروب إلى الأمام
بعد تلك الأزمات، يبدو أن نتنياهو قرر الهروب إلى الأمام، بافتعال أزمات على عدة جبهات بلا طائل أو هدف سوى محاولة التغطية على الأزمات التي تواجهه.
فدأب نتنياهو خلال الشهر الماضي، على إصدار الأوامر بشن غارت متكررة على سوريا مستهدفا ما يقول إنه أهداف إيرانية في سوريا.
التصعيد الإسرائيلي مع سوريا تزامن مع الممارسات الوحشية للقوات الإسرائيلية ضد المصلين في المسجد الأقصى بالقدس، بدون مراعاة لحرمة المكان، أو لشهر رمضان المبارك.
واقتحمت القوات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية المسجد الأقصى عدة مرات واشتبكت مع المصلين الذين وقع عدد منهم جرحى، فيما اعتقل آخرون.
الممارسات الإسرائيلية في الأقصى تسببت في تعرض إسرائيل لرشقات صاروخية من غزة، ولبنان، وهي الهجمات التي اتهمت إسرائيل حركة حماس بالوقوف خلفها، فشنت فجر الجمعة غارات على قطاع غزة وجنوب لبنان لضرب عدة أهداف لحركة حماس.
حرب أم ضربة محدودة ؟
ما زال لم يتضح بعد أبعاد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ولكن نتنياهو نفسه، قال في بيان عقب اجتماع المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" مساء الخميس إن "رد إسرائيل الليلة وفي المستقبل سيكلف ثمنا باهظا"، وهو ما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
لكن مراسلين عسكريين إسرائيليين قالوا إن الحديث لا يدور عن عملية طويلة وإنما "رد" على إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان.
من جانبها، أكدت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) في بيان فجر الجمعة عقب القصف الإسرائيلي، إن الجانبين "لا يريدان الحرب"، داعية إياهما إلى التهدئة.
وأعلنت القوة الدولية التي تنتشر في جنوب لبنان للفصل بينه وبين إسرائيل، أنّ الجيش الإسرائيلي أبلغها باعتزامه الرد على الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان، قبل دوي انفجارات في محيط مدينة صور، مؤكدة أن "الطرفين قالا إنهما لا يريدان الحرب".