إسرائيل تضع في أولوياتها عنصرَ «الأمن أولاً» مقابل تأخيرها عنصرَ السلام.
وقد أصبح جل تفكيرها ومعظم هواجسها ترتكز على تأمين الأمن، وذلك على حساب عنصر «السلام»، ما جعل الأمنَ متقدماً في سلم تعاملها اليومي، وذلك ما غيّب مفاعيلَ السلام من أولوياتها. ورغم أنها تتعامل مع بعض دول المنطقة بمفهوم «السلام»، فإنها تتعامل مع الفلسطينيين بالقوة الخشنة، أي وفق مفهوم «الأمن» المجرد، مستبعدةً عنصرَ السلام كلياً، وهو العنصر الجوهري الذي يمثل «الحاضنة والمولّد» للأمن المستدام.
نسبةٌ ليست بسيطةً مِن المجتمع الإسرائيلي تميل إلى السلام والتعايش مع الجانب الفلسطيني، لكن إسرائيل لا تقوم بأي خطوة في هذا الاتجاه.. أي نحو «استبدال الأمن بالسلام» بغية بناء استراتيجية سلام مستدام وشراكة مع الجيران والفلسطينيين بدلاً من الاعتماد الأساسي على القوة العسكرية، والاكتفاء بدلاً من ذلك بالأمن وسيلة لحماية الدولة الإسرائيلية دون تحقيق استقرار طويل الأمد. العوامل التي قد تدفع إسرائيلَ نحو مثل هذا التحول هي: الضغوط الداخلية، التكاليف البشرية والمادية، أعباء الحروب الطويلة، النزاعات المتكررة، الكلفة الشعبية للحروب وتأثيرها على الحياة اليومية، تضعضع الأمن الاقتصادي، اهتزاز الاستقرار السياسي داخل إسرائيل نفسها.
وهناك عامل جديد دخل في علاقات إسرائيل مع دول العالم العربي، وفق ما تدعو له الاتفاقات الإبراهيمية للسلام، التي تلبي فرصَ التسامح والتصالح، لاسيما إن أقدمت إسرائيلُ على فتح باب الحوار والسلام مع الجانب الفلسطيني، مما يحقق السلامَ المنشودَ في الشرق الأوسط.
نشهد الآن تزايدَ الدعوات الدولية لإقامة «حل الدولتين»، وهناك اعترافات متتالية بالدولة الفلسطينية.. كما أن بعض التغيرات الإقليمية أيضاً ليست في صالح إسرائيل. إنها تَخسر يومياً بتفويتها فرصاً إقليميةً ودوليةً، بينما تحظى دولة فلسطين بتجاوب الشارع الأوروبي والعالمي، ما يضفي مزيداً من الشرعية الدولية على مطالب الشعب الفلسطيني، ويعزز عزيمتَه على التمسك بحقوقه الوطنية المشروعة. وكل هذا يَنقص من رصيد إسرائيل إقليمياً ودولياً!
إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو لم تُحسِن إدارتَها للحرب في المنطقة، حيث أغرتْها قوتُها بتجاهل العوامل الحيوية للتضاريس السياسية المحيطة في المنطقة، فأضاعتْ بوصلتَها الدوليةَ، كما اتضح بصفة خاصة من هجومها المتهور على دولة قطر، وهي وسيط أساسي في عملية التفاوض، حيث مثّل الاعتداءُ على سيادة دولة التفاوض وفريق التفاوض ضربةَ غباء استراتيجي لا تغتفر.
درجة الحرارة في أجواء منطقة الخليج تغيرت بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة، وصورة التحالفات أصابها غبشٌ وضباب معتمان، ما يحتم النظرَ بشكل أوضح في الأولويات الأمنية والتحالفات الخارجية.
على إسرائيل ألا تبقى أسيرةً للوهم والإعجاب بنفسها، وللنظرة النرجسية، وعليها تلمُّسُ منطقة جوارها الجغرافي، لكنها لا تستطيع نزولَ النهر مرتين كما يقول «هير قليطس».
مواصلةُ إسرائيل تعاملَها غير الإنساني مع الشعب الفلسطيني الأبي، الأصيلُ في أرضه ووجوده، وإصرارُها على تهجيره قسراً، بالقمع والقتل والتعذيب والقصف اليومي والإبادة الجماعية والإذلال المنظم.. نهجٌ لا أخلاقي ولا إنساني، وخطورتُه أنه قد يدفع الشعبَ الفلسطيني باختلاف فئاته العمرية إلى التطرف، وهو ما ستدفع إسرائيلُ ثمنَه لاحقاً.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة