قائد الوحدة 8200 الإسرائيلية لا يجد تعاطفا حتى بعد استقالته
من بين جميع أجهزة الأمن الإسرائيلية فإن الوحدة 8200 هي الأكثر انتقادا وتحميلا للمسؤولية عن الإخفاق في منع هجوم "7 أكتوبر" على غلاف غزة.
فالمهمة الرئيسية لهذه الوحدة هي التنصت على مكالمات الفلسطينيين والتجسس على نشاطاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وجمع المعلومات عن تحركاتهم وأوضاعهم.
وإذا كانت إسرائيل قد فوجئت بالهجوم صباح يوم السبت من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على 22 بلدة و11 قاعدة عسكرية، بما فيها مقر للوحدة 8200، في غلاف قطاع غزة، فإن هذه الوحدة هي من يتحمل مسؤولية عدم رصد وجود حراك باتجاه تنفيذ هجوم.
وتشاركها في المسؤولية شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي "أمان" التي عليها أيضا تحليل الأوضاع في قطاع غزة ورسم صورة ترفعها إلى المستوى السياسي من أجل اتخاذ القرار.
وعلى ذلك فإن المستوى السياسي في إسرائيل يلقي بمسؤولية الإخفاق على أجهزة الاستخبارات بما فيها أيضا جهاز الأمن العام "الشاباك" الذي يحقق مع المعتقلين الفلسطينيين ويحدد من يمكنه دخول قطاع غزة ومن يمكنه الخروج منه، وفق نظام التصاريح فضلا عن التجسس على الفلسطينيين.
كما يوجه المستوى السياسي الانتقاد إلى الجيش، الذي لم يكن مستعدا لمنع الهجوم، وإن كانت أطراف بالجيش تدعي أنها لم تتلق إنذارات من المستوى الاستخباري عن تحركات أو استعدادات للهجوم.
وعلى ذلك فإنه لم يكن مستغربا إن أول من استقال على إثر هجوم 7 أكتوبر هو رئيس شعبة الاستخبارات أهارون هاليفا في شهر أبريل/نيسان الماضي، والثاني هو رئيس الوحدة 8200 يوسي سارئيل.
ويتوقع مصير مماثل لرئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، وقائد القيادة الجنوبية بالجيش يارون فينكلمان، وعوديد باسيوك رئيس قسم العمليات بالجيش، وإليعازر توليدانو رئيس قسم الاستراتيجية في الجيش.
وكان قائد فرقة غزة بالجيش الإسرائيلي آفي روزنفيلد أعلن في يونيو/حزيران الماضي استقالته من منصبه، بعد أن قال "فشلت في مهمة حياتي" وتم تعيين باراك حيرام بديلا له.
وقال الجيش الإسرائيلي إن من المقرر استبدال سارئيل "في الفترة المقبلة".
من هو؟
ولا يعرف عامة الناس عادة هوية قائد وحدة الاستخبارات 8200، لكن تم تسريب هوية سارئيل في تقرير لصحيفة الغارديان في أبريل/نيسان، كشف عن اسمه بعد أن نشر كتابا تحت اسم مستعار مع مسار رقمي يقود إليه.
تولى سارئيل قيادة الوحدة 8200 في عام 2021 بعد أن انضم إلى مديرية الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي في عام 1997، وخدم في شبابه كضابط استخبارات وإنترنت في 8200، وشغل لاحقا منصب ضابط مخابرات في الفرقة 91، ورئيس المسرح الشمالي في قسم الأبحاث، وضابط استخبارات في القيادة المركزية ورئيس قسم العمليات في المخابرات العسكرية.
وساريئيل، الذي نشأ في حيفا، حاصل على درجة البكالوريوس في علم النفس وعلم الاجتماع ودرجة بكالوريوس أخرى في الشرق الأوسط من جامعة بار إيلان.
وهو حاصل أيضا على درجة الماجستير في الاستراتيجية والأمن والاقتصاد من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة، ومجالات خبرته هي علوم الإنترنت والبيانات.
وفي عام 2018 حصل على جائزة الأمن الإسرائيلية لمشروع ذكاء اصطناعي جديد، وكتب أيضا كتبا باللغة العبرية، حول الاستخبارات والاستراتيجية وحزب الله.
انتقادات إلى سارئيل
ولم تتوقف الانتقادات للوحدة 8200 خلال الأشهر الماضية منذ بداية الحرب ولم يجد تعاطفا حتى بعد استقالته.
والجمعة قال موقع "تايمز أوف إسرائيل": "أشارت العديد من التقارير على مدى الأشهر الـ11 الماضية إلى أن عددا كبيرا من التحذيرات من مثل هذا الهجوم لم يتم الالتفات إليها، بما في ذلك تلك التي شاهدها بعض كبار المسؤولين العسكريين".
وأضاف "ذكر تقرير لقناة 12 في أغسطس/آب أن الوحدة 8200 حصلت على وثيقة مفصلة في أبريل/نيسان 2022 تحدد خطط حماس لمثل هذا الهجوم لكنها لم تمررها أبدا إلى رئيس أركان الجيش (هرتسي هاليفي)".
وتابع "ذكرت القناة 12 في يوليو/تموز أن نظام التنبيه الذي تم إنشاؤه للتحذير من الهجمات القادمة "أهمله" سارئيل أثناء فترة ولايته".
وأردف "كما جمعت الوحدة 8200 ملفا في 19 سبتمبر/أيلول، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من 7 أكتوبر/تشرين الأول، حذر من أن حماس تتدرب على غزو واسع النطاق لإسرائيل لكن كبار مسؤولي الاستخبارات رفضوا المخاوف إلى حد كبير".
وقائد وحدة الاستخبارات 8200 غير معروف علنا بشكل عام، لكن هوية سارئيل تسربت في تقرير لصحيفة الغارديان في أبريل/نيسان، الذي كشف عن اسمه بعد أن نشر كتابا تحت اسم مستعار مع مسار رقمي يقود إليه.
كما أعادت صحيفة "إسرائيل اليوم"، الجمعة، نشر مقال كانت قد نشرته في 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 يوجه انتقادات حادة إلى الوحدة 8200، ويعتبر أن مسؤوليتها عن إخفاق 7 أكتوبر "قد تكون بلا حدود".
وقالت: "كشفنا في صحيفة إسرائيل اليوم عن الفشل الاستخباراتي المدوي الذي تعرضت له الوحدة 8200، كجزء من الانهيار الشامل لمؤسسة الاستخبارات بأكملها، ومنذ ذلك النشر ظهرت تفاصيل إضافية عديدة كشفت عن صورة أكثر إثارة للقلق للأحداث مما كنا نعرفه حتى الآن، وإلى حد كبير هذه قصة مأساة يمكن التنبؤ بها ولدت من خطيئة الغطرسة: من قِبَل القيادة السياسية للدولة، ورؤساء المؤسسة الأمنية، وأجهزة الاستخبارات، وقادة وحدات الجيش الإسرائيلي في الميدان".
وأضافت: "من المهم أن نوضح منذ البداية أننا حتى اليوم لا نستطيع أن نروي إلا جزءاً صغيراً من القصة، فما ينشر هنا تمت الموافقة عليه من قبل الرقيب العسكري بعد حذف القضايا ذات الأهمية الحاسمة للأمن القومي، والقرار بنشر هذا الآن في خضم الحرب، لا يهدف إلى توزيع اللوم بل إلى ضمان معالجة هذه القضايا بشكل مناسب، حتى بأثر رجعي، وفي المقام الأول بالنظر إلى المستقبل، لضمان عدم وقوع إسرائيل على حين غرة مرة أخرى في حملة معقدة اضطرت إلى خوضها الآن".
ولفتت إلى أنه "في عام 2022 تلقت إسرائيل تقريراً استخباراتياً جوهرياً، وهو وثيقة كتبتها حماس بعنوان "خطة هزيمة فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي"، كان هذا التقرير الاستخباراتي -الذي جلبته الوحدة 8200- منجماً ذهبياً حقيقياً، فقد احتوى على كل شيء: انتشار الجيش الإسرائيلي بمستوى مرعب من التفاصيل وطرق التعامل معه، وكيفية اختراق العائق الحدودي وتنفيذ الهجوم، فضلاً عن الأهداف والغايات أثناء الهجوم وبعده".
واستدركت "لم تفعل الوحدة 8200 ما كان ينبغي عليها أن تفعله، فقد اكتفى قائدها بحقيقة أنه أحضر تقرير الاستخبارات الذهبي، لكنه فشل في بذل أي جهد، سواء في الداخل أو الخارج، لضمان الاستفادة من التقارير الاستخباراتية، ولم يبن نموذجاً كاملاً لجمع المعلومات الاستخباراتية لمراقبة خطة حماس، أو تعطيلها، أو توفير تحذير كاف لتمكين الجيش الإسرائيلي من الاستعداد لها".
وأضافت: "لم يضغط قائد الوحدة 8200 من أجل أي استعدادات من هذا القبيل داخل وحدته، ولم يغير من أولوية جمع المعلومات الحساسة، ولم ينخرط في مناقشات مع كبار قادة الجيش الإسرائيلي بشأن هذه القضية، وفوق كل ذلك فشل في استعادة عدد من الوحدات الفرعية التي تم إغلاقها أثناء فترة ولايته".
وتابعت "هذه هي الأقسام الموجودة داخل الوحدة 8200 التي كان من الممكن أن تقدم مدخلات مهمة في الجهود المبذولة لتوفير ما يشير إليه مجتمع الاستخبارات باسم المؤشرات والتحذيرات، مثل قسم الاتصالات التكتيكية، أجهزة الراديو المحمولة باليد، وقسم الاستخبارات مفتوحة المصدر".
ولفتت إلى أنه "ليس قائد الوحدة 8200 وحده، فلم يكلف رئيس القسم العملياتي في مديرية الاستخبارات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي، العميد ج، نفسه عناء المبادرة بأي عمل أساسي لمحاولة فهم ما كان يحدث في غزة".
وقالت "كان رئيس قسم الأبحاث في مديرية الاستخبارات العسكرية العميد عميت ساعر، الذي يعد ضابط استخبارات مخضرماً يتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع غزة والفلسطينيين، مخطئاً أيضاً، لأنه لم يطالب بوضع كل وسائل جمع المعلومات الاستخباراتية المتاحة موضع التنفيذ لضمان عدم مفاجأة غزة لنا".
وأضافت: "وإذا ما تعمقنا بعد ذلك إلى المستوى التالي في سلسلة الاستخبارات فإن ضباط الاستخبارات في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي وفرقة غزة -هؤلاء الضباط أنفسهم الذين ينبغي لهم أن يستيقظوا كل صباح وينظروا ببرود في وجه تهديد الحرب- كانوا أيضاً مفتونين بنفس المفهوم، ورفضوا التطرق إلى أي محاولة لتحدي تفكيرهم".
يذكر أن عميت ساعر، رئيس قسم الأبحاث في المديرية، استقال في مارس/آذار بعد تشخيص إصابته بالسرطان.