هل تصبح إيطاليا مركزًا لتوزيع الطاقة الجزائرية في أوروبا؟
أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الإثنين، رغبتهما في تعزيز التعاون في مجال الطاقة.
وقد أعلنا رغبتهما في أن تصبح إيطاليا "مركزًا" لتوزيع الطاقة الجزائرية في أوروبا.
مشروعات لإنشاء خطوط أنابيب
وقالت ميلوني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع تبّون إنّه "في مواجهة أزمة الطاقة الكبيرة التي تشهدها أوروبا، يمكن للجزائر أن تصبح رائدة في الإنتاج، بشكل أكيد في أفريقيا، ولكن ربّما في العالم. إيطاليا هي حتماً بوابة الوصول إلى هذه الطاقة والإمدادات نحو أوروبا".
من جهته، قال الرئيس الجزائري "وقّعنا اتّفاقاً اليوم من أجل بداية الدراسة ثم إنجاز خط أنابيب، لا يشبه الأنبوب الموجود حاليًا، سيضمّ أولًا الغاز، ثانيًا الهيدروجين والأمونياك وحتى الكهرباء".
وتابع في ردّه على سؤال حول مشروع أنبوب ثان لنقل الغاز بين البلدين لم يتم إنجازه، إنّ "المشروع هام جدّاً وسيجعل من إيطاليا مركزاً لتوزيع هذه الطاقات في أوروبا".
وذكر تبّون أنّ "المبادلات التجارية (بين البلدين) حقّقت في السنتين الأخيرتين نتائج معتبرة؛ حيث بلغ حجمها 16 مليار دولار سنة 2022 مقابل 8 مليارات دولار في 2021، وهو ما يجسّد المقاربات التي اعتمدناها لبلوغ مستويات متصاعدة في التعاون المتعدّد المجالات".
الجزائر مزود الغاز الرئيسي الحالي لأوروبا
وقبل الحرب الروسية في أوكرانيا كانت إيطاليا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، لكن مع مرور شهور الحرب تحوّلت نحو الجزائر التي أصبحت المزوّد الرئيسي لها بمصدر الطاقة هذا.
وخلال زيارة رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي إلى الجزائر، وقّع البلدان في يوليو/تمّوز الماضي عقودًا تسمح بزيادة كميات الغاز الجزائري نحو إيطاليا.
ومن بين ما تمّ توقيعه عقد ضخم بقيمة أربعة مليارات دولار ينصّ على "تقاسم" إنتاج النفط والغاز في حقل بجنوب شرق الجزائر.
ومجموعة إيني الإيطالية موجودة في الجزائر منذ 1981 وتدير مع الشركة الجزائرية العملاقة "سوناطراك" خط أنابيب "ترانسميد" الذي يربط الجزائر بإيطاليا، عبر تونس.
وأضاف تبّون "جدّدت للسيدة ميلوني حرص الجزائر على أن تكون شريكا استراتيجيا لإيطاليا في المجال الطاقوي والتزامها بدورها كمموّن موثوق به على الصعيدين الإقليمي والدولي وكذلك الأمر بالنسبة للاستثمار الصناعي لإيطاليا في الجزائر".
والجزائر هي أول مصدّر للغاز الطبيعي في أفريقيا والسابع في العالم، وكانت تزوّد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها مقابل 47% من روسيا.
أزمة الطاقة في أوروبا مستمرة حتى 2026
منذ اندلاع الاضطراب الجيوسياسي بين روسيا وأوكرانيا، كان الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررًا؛ إذ يستورد 90% من احتياجاته من الغاز الطبيعي، 41% منها مصدرها روسيا. كما يستورد الاتحاد الأوروبي 46% من فحمه و27% من نفطه من روسيا.
ومع اقتراب مرور عام على هذا الاضطراب، ورغم تراجع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا لأقل من مستويات ما قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بفضل الطقس المعتدل نسبياً والذي أدى إلى تراجع الطلب على الطاقة، يرى المحلل الاقتصادي ستيفن ستابزينسكي، أن أزمة الطاقة التي ضربت أوروبا العام الماضي لم تنتهِ حتى الآن.
وقال ستبازينسكي، وهو كبير محرري أسواق السلع لدى وكالة بلومبرغ للأنباء، إن أوروبا نجحت في تجنب أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي خلال موسم الشتاء الحالي، وتراجعت المخاوف من اللجوء إلى قطع الكهرباء بشكل دوري بسبب نقص الإمدادات، لكن هذا النجاح سببه الأساسي تراجع الطلب الصناعي على الطاقة نتيجة ارتفاع أسعارها لمستويات قياسية مع اعتدال الطقس منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن الوقت لم يحن بعد للاحتفال بانتهاء أزمة الطاقة، حيث سيظل العالم يعاني من نقص إمدادات الغاز الطبيعي حتى عام 2026 في ظل استمرار توقف ضخ الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا، في حين لا توجد مشروعات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تدخل الخدمة قريباً.
وكانت أزمة الطاقة قد وصلت إلى ذروتها في فصل الصيف الماضي وسط مخاوف من معاناة دول أوروبا نقصاً كبيرًا في إمدادات الغاز الطبيعي خلال فصل الشتاء. وشهدت الأسعار في أوروبا ارتفاعًا صاروخيًا؛ حيث قفز سعر الميغاوات في الساعة من 25 يورو (27 دولاراً) إلى 340 يورو (369 دولاراً)، أي زادت أسعار الغاز بأكثر من 11 ضعفًا.
وبحسب تحليل -آنذاك- لبنك "بيرنبرغ" فإن الأزمة كشفت عن مدى اعتماد أوروبا على استيراد الطاقة، حتى إنه في مقابل ارتفاع أسعار الغاز بنحو 100 يورو (108 دولارات) للميغاوات في الساعة تضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى دفع 380 مليار يورو (412 مليار دولار) إضافية لمصدري الغاز إلى القارة، وهو مبلغ يساوي نسبة 2.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي.
مع بداية العام الجاري 2023 كانت المخزونات الأوروبية من الغاز عند نسبة 85%، وهي نسبة عالية مقارنة بمتوسط امتلائها في هذا الوقت من العام على مدى السنوات الخمس الماضية عند نسبة 70%.
وانخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني الجاري بأكثر من 75% عن أعلى معدل وصلت إليه العام الماضي. ومع أنها تظل أعلى بثلاثة أضعاف من أسعار الغاز العادية في أوروبا ومن سعر الغاز الحالي في الولايات المتحدة، إلا أنها أصبحت عند مستويات يمكن للأوروبيين تحملها.
لكن الخطر لم ينته تمامًا، كما يقول تقرير "فايننشال تايمز"، فما زال المحللون يتوقعون ارتفاع الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال مع انتعاش الاقتصاد. ويحذر مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول من أن "كثيراً من العوامل التي ساعدت دول الاتحاد الأوروبي على إعادة ملء مخزوناتها من الغاز الطبيعي قبل فصل الشتاء الحالي قد لا تتكرر هذا العام 2023". بالتالي تظل احتمالات تذبذب أسعار الغاز الطبيعي في السوق العالمية، وبطبيعة الحال هذا سيقودها إلى الارتفاع في أوروبا.