عندما أعلن جمال خاشقجي أنه يعارض وطنه فعليه أن يسمح لنا أن نعارضه، فهو غير مقدس ولا حزبه ولا وطنه الجديد.
يظن جمال خاشقجي أنه قادر على خداع الجميع، فهو يقاتل وطنه نيابة عن نظام الحمدين، وينتقم لمرسي ويوسف ندا وجبهة النصرة وحزب الإصلاح اليمني، ويبكي على المرشد محمد بديع، جمال الذي انتظم منذ كان مراهقاً في جبال الأفغان في محاربة كل فكر يخالفه، بدءاً من السلفية مروراً بالشيوعية وانتهاءً بالوطنية، يطالب اليوم بقبول فكره المعادي للسعوديين.
الشاب المراهق الذي هرب من داره في المدينة المنورة إلى قندهار؛ لينضم إلى المحاربين للفكر الشيوعي بالرصاص والمدافع، لم يكن وقتها صحفياً ولا مراسلاً لأحد، كل ما في الأمر أنه التحق خلال المرحلة الثانوية بجماعة الإخوان، كما قال في اعترافه عبر تغريدة كتبها قبل أيام، ليدفع به التنظيم كما الكثير لأتون تلك الحرب.
عندما أعلن جمال خاشقجي أنه يعارض وطنه فعليه أن يسمح لنا أن نعارضه، فهو غير مقدس ولا حزبه ولا وطنه الجديد، وعندما أطلق عبارته المليئة بالاستهزاء وسمح لنفسه أن يصف الوطنيين بالوطنجية فليسمح لنا أن نصفه بـ «القطرجي» نسبة إلى دويلة قطر
عاد جمال إلى البلاد بداية التسعينات مع شبكة من التحالفات والعلاقات مع الجهاديين، وما تفرّع عنهم من تشكيلات وحركات قادت إلى كل ما شهده العالم العربي من مآسٍ طوال أكثر من عقدين ونصف، إنه الجهاد الأفغاني الذي وصفه الخاشقجي ذات يوم هو بأنه «جهاد الأفيون».
كان مُحمّلاً بإرث القطبيين فكرياً، المنتشرين بكثافة في جبال قندهار، وهم الذين كفَّروا المجتمعات ونشروا نظرية الولاء والبراء، فحارب المكتبات وأعلن أن أي شركة تعمل في صناعة محتوى الفيديوهات الغنائية والمسرحية هي شركة حرام العمل بها أو بقاؤها.
بقي جمال متنقلاً من بلاط الصحافة إلى بلاط الجماعة، في تحايلات ومراوغات مستمرة، لعلها انطلت على الكثير نتيجة حسن النوايا «السعودي» السائد بيننا، حتى استطاع أن يخترق السلك الدبلوماسي مستشاراً في سفارة المملكة في واشنطن، وهي وظيفة رفيعة تمكِّن من يشغلها من الاطّلاع على كل أسرار الدولة وتحالفاتها، وهي إن تسربت فيجب أن يحاكم عليها جمال بتهمة الخيانة العظمى.
هناك بنى شبكة من الاتصالات المهمة مع الإعلام الأمريكي، مستفيداً من إمكانات السفارة ومن الإرث الهائل والانطباعات الرائعة التي خلّفها الأمير بندر بن سلطان؛ وفريقه لدى السياسيين والنخب الأمريكية، اليوم يقوم باستثمار تلك العلاقات لخدمة القطريين وإيذاء السعوديين.
لم يستمر جمال طويلاً في واشنطن ليعود إلى بلاط الصحافة رئيساً لتحرير صحيفة الوطن مرتين، ليمارس كما يقول كتاب تلك الصحيفة نوعاً «إخوانياً» من القمع، فالكاتب محمد الهرفي، رحمه الله، كتب مقالاً مطوّلاً اشتكى فيه من تعالي وغرور وقمع رئيس التحرير، كذلك الكاتب سعود البلوي الذي غرّد عبر تويتر مخاطباً جمال خاشقجي قائلاً: حين كنت رئيساً لتحرير الوطن، منعت مقالاتي من النشر، كيف تطالب الآن بوقف ما كنت تفعله ؟!.
عندما أعلن جمال خاشقجي أنه يعارض وطنه فعليه أن يسمح لنا أن نعارضه، فهو غير مقدس ولا حزبه ولا وطنه الجديد، وعندما أطلق عبارته المليئة بالاستهزاء وسمح لنفسه أن يصف الوطنيين بالوطنجية فليسمح لنا أن نصفه بـ «القطرجي» نسبة إلى دويلة قطر.
لعل الكثير لا يعلمون أن جمال هو من أطلق لقب «وطنجي» على السعوديين خلال فترة الملك عبدالله، في أعقاب سقوط حكم الإخوان الإرهابي في مصر، كانت بلا شك استهزاء ونكاية وشتيمة - كما ظن - للوطنيين الذين اصطفّوا مع وطنهم تأييداً للمصريين ولقرار تجريم حركة الإخوان الإرهابية.
عندما أعلن جمال أنه يعارض وطنه فعليه أن يسمح لنا أن نعارضه، فهو غير مقدس ولا حزبه ولا وطنه الجديد، وعندما أطلق عبارته المليئة بالاستهزاء وسمح لنفسه أن يصف الوطنيين بالوطنجية فليسمح لنا أن نصفه بـ «القطرجي» نسبة إلى دويلة قطر التي اتهمنا بإغضابها، وهو غاضب الآن في واشنطن لأجل كحل «جيوبها».
ولمن لا يعرف.. تتم إضافة الجيم والياء «للنسبة» في اللهجة، وعندما تقول قومجي أو إخونجي أو قطرجي، فأنت تنسبه لفكر أو ولاء أو وظيفة، وقتها كان يلمِّح إلى أن الوطنية في المملكة هي وظيفة يتم الاسترزاق منها، هكذا يسيء جمال لكل السعوديين معتبراً ولاءهم لدولتهم ووطنهم هو من أجل الوظائف والرواتب، وهو ما ينطبق عليه في عمله كمحلل «مع قناة الجزيرة»، هي وظيفة يسترزق منها، وعليه أن يقبل الانتساب لها.
يظن جمال المنتقل من التحالف مع قندهار إلى التحالف مع إسطنبول والدوحة، أنه قادر على صناعة معارضة خمسة نجوم في شوارع واشنطن، وهو يشرب السيجار الكوبي ومستلقياً في كراسي وثيرة في الفنادق ومراكز الأبحاث، معارضة أو منفى كما وصفها تسمح له بالهجوم على الحكم وتقاليد السعوديين بمقالات نارية في واشنطن بوست وغيرها، ثم يتملّق الحكام بتغريدة عن الوطن باللغة العربية التي لا يعرفها المواطن الأمريكي، إنها إحدى حيل الإخوان يحرّضون عليك في المحافل الدولية، ثم يعتذرون ويرسلون لك الرسائل خفية.
فكرة السعي لتقاعد مريح تموّله الدوحة ليست سيئة جداً لكثير من مطلقات الإخوان والحركيين والحكوكيين، فالقطريون يبحثون عن أي ساقط ولاقط ليكون في صفهم، كما قال حمد بن جاسم خلال الشريط المسرب له ولحمد بن خليفة والقذافي، وللحقيقة هم يدفعون مبالغ طائلة لكل المرتزقة والخَوَنة وبائعي الأوطان، والحياة في لندن وواشنطن مكلفة جداً.
الانتقال من حضن دولة إلى أخرى، ليس حرية رأي، إنه خيانة يسبقه اضطراب نفسي يصوّر لمن يمارسه أنه قادر على اللعب بالحبال للفوز بأكبر الغنائم، لن يستطيع جمال خاشقجي مهما بلغت حِيَله أن يلبس الطربوش في شوارع الرياض، ولن يعود للمدينة المنورة على ظهر قطار العثمانيين كما يتمنى في أحلامه «المنفصلة»، فالطربوش خلعه الوطنيون قبل مئة عام، وقطار المحتلين العثمانيين أحرقه محاربو الجزيرة العربية القدامى.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة