كوريا الشمالية تمنح اليابان فرصة تغيير "دستور الاستسلام"
الحكومة اليابانية تسير بخطى وئيدة لتعديل المادة التاسعة التي أجبرتها بعد الهزيمة على تخفيض قوة الجيش والتعهد بعدم شن الحروب في الخارج
70 عامًا مرت، اليوم الأربعاء، على إعلان اليابان تخليها "الأبدي" عن شن الحروب، في دستور الاستسلام.
ولكن يبدو أنها تخطو نحو وضع دستور يسمح لها بشن الحروب لأول مرة منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، خاصة مع تزايد المخاطر التي تحوطها من جانب كوريا الشمالية والصين وروسيا.
فرئيس الوزراء شينزو آبي أخذ خطوة جريئة في تاريخ الحكومات اليابانية منذ 70 عاماً؛ حيث أعلن اعتزامه السير في طريق تعديل الدستور ليسمح لبلاده بشن عمليات عسكرية خارج البلاد.
وتنص المادة 9 من الدستور على أن تنبذ اليابان، وللأبد، الحق في شن حرب، باعتبار أنها باتت تؤمن بأن الحرب ليست الوسيلة لحل النزاعات الدولية.
وعلى هذا الأساس تعهدت اليابان في ذات المادة بعدم امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية قادرة على شن الحرب.
وكانت هذه سابقة في تاريخ الدول أن تتنازل دولة عن حقها في شن حروب في الخارج وامتلاك ما تريده من قوات.
غير أن المادة فتحت الباب لتفسيرات أخرى حول هل من حق اليابان امتلاك قوات للدفاع عن نفسها أم لا، واستغلت هذه الثغرة في الاحتفاظ بقوات تم اعتباراها قوات "دفاع عن النفس".
ولكن، ووفق تنسيق أمريكي، تم السماح لليابان بإرسال قوات إلى الخارج في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة وحلف الناتو لضرب أفغانستان عام 2011، وكذلك في عمليات أخرى تحت بند قوات حفظ سلام بعد ذلك التاريخ.
ونحو 70 عامًا من السكون الحربي ومن الحماية الأمريكية التي تم تقديمها بديلاً عن وجود جيش مستقل قوي، جعلت قطاعاً كبيراً من اليابانيين يرتاحون لاستمرار هذا الوضع.
غير أن استطلاعاً للرأي نشرت نتائجه اليوم الأربعاء أظهر أن ناخبي اليابان باتوا منقسمين بشدة حول حملة شينزو آبي لتعديل دستور البلاد السلمي.
والاستطلاع الذي أجرته مؤسسة نيكي بالتعاون مع قناة "تي. في طوكيو"، ونشر بمناسبة ذكرى صياغة الدستور جاء فيه أن هناك تزايدا في التأييد لحملة آبي لتعديل الوثيقة التي كتبتها الولايات المتحدة بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، ولم يطرأ عليها أي تعديل منذ ذلك الحين.
ويشير الاستطلاع إلى أن نحو 46% ممن شاركوا فيه يؤيدون الإبقاء على الدستور بصيغته الحالية، وهو ما يقل 4 نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أجري العام الماضي.
أما نسبة المؤيدين للتعديل فبلغت 45% بزيادة 5 نقاط مئوية عنها قبل عام.
وجاءت الزيادة في عدد مؤيدي تعديل الدستور مصاحبة للتوتر الذي يعم اليابان؛ نظرًا للتهديدات وحملات الوعيد المتبادلة بينها وبين جارتها كوريا الشمالية، خاصة مع تطوير الأخيرة صواريخ تصل لبحر اليابان.
وتحصنت اليابان بالدعم العسكري الأمريكي لها في مواجهة كوريا الشمالية، وهو ما وضح في التصريحات المتبادلة بين آبي وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أكد على استمرار حماية بلاده لليابان، وإن كان طلب من الأخيرة دفع المزيد من الثمن مقابل تلك الحماية.
وفي محاولة لشحذ همة شعبه لتأييد التعديلات الدستورية المقترحة، أشار آبي، الإثنين الماضي، إلى تزايد خطورة "الوضع الأمني"، داعياً إياهم إلى "الخطوة التاريخية صوب الهدف الكبير المتمثل في الإصلاح الدستوري" وفقا لما ذكرته وكالة كيودو للأنباء.
وفي مارس/آذار الماضي تقدم الحزب الديمقراطي الحر الحاكم باقتراح رسمي بأن تبحث الحكومة اكتساب قدرات تمكنها من ضرب قواعد العدو وتعزيز الدفاع الصاروخي في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
ولكن يبدو الرغبة في تعديل الدستور قديمة، وكوريا الشمالية مجرد فرصة للحكومة لتقنع الناخبين بضرورة التعديل.
فقد سبق أن صرح آبي عام 2015 برغبته في تعديل المادة 9 من الدستور عقب فشل بلاده في إنقاذ مواطنيها هارونا يوكاوا، وكينجي جوتو، من القتل على يد تنظيم داعش الإرهابي في العراق.
وقال آبي حينها، إن تغيير المادة 9 من الدستور الياباني ضروري لحماية المواطنين اليابانيين في الخارج؛ حيث اعتبر أن الدستور الحالي جعل اليابان عاجزة عن شن عمليات عسكرية تنقذ مواطنيها أو تردع داعش.
وخلال احتفالات هذه الأيام بمرور 70 عاما على صياغة الدستور، قالت وكالة كيودو الرسمية للأنباء، إن آبي اقترح في كلمة بالفيديو إدراج إشارة صريحة لقوات الدفاع الذاتي في الدستور الذي لا يرد في نسخته الحالية أي ذكر لتلك القوات.
وعبر آبي عن أمله في إقرار أول تعديل على الإطلاق للدستور بحلول عام 2020 وذلك في أول إشارة علنية لموعد محدد.
وتنتشر عدة قواعد عسكرية أمريكية في اليابان منذ وضع دستور الاستسلام، وضعتها الولايات المتحدة هناك لحماية مصالحها في شرق آسيا خلال صراعها مع الاتحاد السوفيتي، وينظر إليها على أنها محاولة بديلة عن الجيش القوي المستقل لحماية اليابان.
ومن أشهر وأكبر هذه القواعد قاعدة فوتينما الجوية في محافظة أوكيناوا.
وتتركز محافظة أوكيناوا نحو ٧٥٪ من المؤسسات العسكرية الأمريكية الموجودة في اليابان.
وعقب تولي ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة انتابت موجة قلق اليابان من حدوث تغيرات في الموقف الأمريكي الداعم له عسكريًا أمام التهديدات الخارجية، بعد تصريحاته عن إمكانية تخفيض واشنطن لوجودها العسكري في اليابان وكوريا الجنوبية إن لم يزيدا مساهماتهما في تحمل نفقاته، قائلا إن الحماية الأمريكية لهذين البلدين مكلفة جدًا.
إلا أن إدارة ترامب أعربت مرارًا على عدم تخليها عن حماية اليابان في ظل تنامي التهديدات من كوريا الشمالية، وكذلك من روسيا والصين اللذين ينازعانها السيادة على جزر ومناطق في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي.
aXA6IDE4LjE4OC43Ni4yMDkg جزيرة ام اند امز