بدعم إماراتي.. مجلس القدس يجدد أمل إنعاش اقتصاد العاصمة الفلسطينية
تأسيس مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية في المدينة بدعم إماراتي يجدد الأمل في إنعاش المدينة ودعم صمود السكان.
في شقة من مبنى حديث في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية ينشط شبان وأكاديميون وشخصيات اعتبارية مقدسية في رسم الخطط لإنعاش المدينة بعد عقود من الحرمان، وقد قادهم التفكير إلى تأسيس مجلس مختص بتسهيل دعم سكان المدينة، هو مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية.
ويعكس حي الشيخ جراح واقع الحال في مدينة القدس، إذ تتوسطه منازل استولى عليها مستوطنون بعد طرد سكانها، وأخرى مهددة بالمصادرة كخطوة نحو تنفيذ مخططات استيطانية كبرى فيه، لمنع إقامة عاصمة للفلسطينيين في المدينة.
والحي هو واحد من 28 حيا في مدينة القدس الشرقية يقطنها أكثر من 316 ألف فلسطيني، استنادا إلى إحصائيات شبه رسمية، ويأمل القائمون على مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية في تمكينهم من الصمود بالمدينة في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها صعبة.
ويقول السكان: "إن مرور أكثر من 50 عاما من الاحتلال الإسرائيلي جعلهم في حاجة متزايدة إلى المساعدة في مناحي الحياة كافة، بدءا من السكن مرورا بالصحة والتعليم والاقتصاد، ووصولا إلى النشاط الثقافي، حتى يتمكنوا من الاستمرار في الصمود بالمدينة.
وقال الدكتور سري نسيبة، رئيس مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية، لـ"العين الإخبارية" :"الوضع القائم معروف وهو بحاجة إلى حلول".
ومن ناحيته، قال صلاح زحيكة، المتحدث الإعلامي بلسان مجلس القدس: "شعرنا بالألم الموجود عند الناس، فهم متعطشون لوجود مثل هذه المؤسسة، خاصة في ظل غياب العديد من المؤسسات التي كانت فاعلة، ومنها بيت الشرق والغرفة التجارية ونقابات العمال ومؤسسات الشباب والرياضة والصالونات الثقافية".
بروز الفكرة
برزت فكرة إقامة مجلس يقدم الخدمات للسكان المقدسيين في مختلف مناحي الحياة من خلال حشد الدعم الخارجي منذ سنوات، ولكن لم يكن بالإمكان الحديث عن بارقة أمل إلا مؤخرا.
وبحسب الدكتور نسيبة، فإن "حاجة مدينة القدس للمساعدة كانت واضحة، بينما الكل في العالم العربي والإسلامي عيونه على القدس وقلبه فيها، والناس بشكل عام تشعر بأن لديها الرغبة في مد يد العون للمدينة، والوقوف إلى جانب سكانها وأهلها، لكن التساؤل كان حول كيفية إيصال المساعدة".
وأضاف: "لمسنا رغبة الإمارات تحديدا في دعم القدس، كما أن هناك أخوة فلسطينيين يرغبون في تقديم الدعم، وهو ما شجعنا على تأسيس المجلس وسط حماس سكان مدينة القدس من الشباب الذين يستشعرون أهمية التحرك ومحاولة تجنيد الدعم خاصة في هذا الوقت".
ومن جهته قال زحيكة: "نبعت فكرة تأسيس المجلس من المعاناة اليومية للمجتمع المقدسي، ونتيجة غياب المؤسسات سواء الأهلية أو الحكومية في مدينة القدس".
وأضاف: "جرت نقاشات حول أهمية إنشاء مثل هذا المجلس، وكان أول باب مفتوح لنا هو باب الإمارات، وقد توجهنا لهم، وكانوا نعم الأهل مرحبين وداعمين بلا حدود لفكرة خدمة مدينة القدس".
وتابع زحيكة: "نأمل أن تنتقل هذه العدوى من الإمارات إلى باقي الدول العربية، وأن نوصل المساعدات بشفافية مطلقة إلى كل مكونات الشعب الفلسطيني في المدينة".
الفكرة تتحول إلى واقع يحفز الآمال
وفال زحيكة: "مع انطلاق الفكرة بدأ الناس في مدينة القدس يشعرون بأن الأمل يتجدد".
وقال الدكتور نسيبة: "في نهاية العام الماضي 2018، توجهت مجموعة من النشطاء والشخصيات الاعتبارية والأكاديمية من مدينة القدس إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، سافرنا كمجموعة واجتمعنا مع سمو الشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في الإمارات، الذي استقبلنا استقبالا وديا وحميميا، وقدمنا له عرضا عن احتياجات مدينة القدس، ورد بأن دولة الإمارات ستلبي احتياجات القدس دون أي حدود"، مؤكدا أن بلاده على استعداد لتقديم كل ما تحتاجه القدس وليس علينا سوى تحديد الاحتياجات.
وأضاف: "قال لنا الشيخ منصور بن زايد إنه سيعتمد هذا المجلس من أجل تقديم الدعم لمدينة القدس، واتفقنا على أن نبدأ العمل سويا في هذا المجال".
مأسسة العمل
بالحصول على التعهد الإماراتي بالمساعدة بدأ القائمون على المجلس في وضع الخطط والدراسات ومأسسة العمل.
وقال الدكتور نسيبة: "بهذا الاستعداد الإماراتي بات من الواجب ترتيب الأمور بشكل علمي ومنظم، عدنا إلى القدس واتفقنا على مأسسة العمل، واتفقنا على أن يكون تركيزنا على القطاعات الاقتصادية والتنموية والمجتمعية والإنسانية، ففهم المجلس يقوم على التركيز على قضايا احتياجات القدس، ودعم صمود سكان المدينة على المستويات المختلفة، والاحتياجات في القطاعات التي تقدمنا بها كانت واضحة جدا".
وقال زحيكة: "الوضوح هو ما سنؤسس ونبني عليه باستمرار، فنحن سنوضح للناس كل قرش تم إنفاقه، وأين أُنفق بشفافية، وبالتالي فإن البداية كانت سليمة وستستمر كذلك".
الانطلاقة من خلال إعلان صندوق أبو ظبي للتنمية
ويدرك الدكتور نسيبة حجم التوقعات التي يبنيها السكان المقدسيون على المجلس، وقال: "لهذا السبب لم نحاول أن نضخم مشروعنا، نحن نحضر منذ عدة أشهر وانتظرنا حتى أعلن صندوق أبو ظبي للتنمية من طرفه عن تقديم منحة وشكل ذلك انطلاقة لنا".
وأضاف:"بعد إعلان الصندوق في أبو ظبي بات بإمكاننا أن نقول بشكل واضح إن لدينا مجلسا ولدينا اتفاقية وقعناها مع صندوق أبو ظبي، والمبنى الذي نوجد فيه واضح للجميع".
وتابع: "لن يكون بإمكاننا حل مشاكل الشعب الفلسطيني منذ عام 1967، ولكن ما يمكننا أن ندعيه هو أنه بإمكاننا أن نضع أيدينا بأيدي المؤسسات العاملة في القدس، فنحن لا نبدأ من الصفر، ولا نستبدل أحدا، ولا نملك العصا السحرية لحل كل المشاكل، نحن نحدد المشاكل القائمة، ونعمل يدا بيد مع المؤسسات العاملة في المدينة على كل المستويات حتى نزيد من دعم صمود السكان في القطاعات التي حددناها".
وكان صندوق أبو ظبي أعلن تقديم منحة بقيمة 12 مليون دولار للمجلس.
ويأمل القائمون على المجلس أن يغطي هذا المبلغ أنشطته خلال عام، وقال الدكتور نسيبة: "خلال السنة القادمة سنبدأ في التفكير بشكل استراتيجي أكثر من بعض المؤسسات الأخرى، سنعمل على سد الثغرات الموجودة والمساهمة في إنشاء مؤسسات جديدة في حال الحاجة، لدينا نظرة طويلة المدى وسنعمل بصبر وتأني من خلال المشاركة والاستئناس بالرأي ودراسة الوضع القائم".
وقال زحيكة: "الدعم من الأشقاء في الإمارات كان بلا قيد أو شرط، وكان بكرم وسخاء منقطع النظير، وبالتالي نحن نثمن هذا الموقف الإماراتي الداعم لمدينة القدس، ونأمل في أن نكون عند حسن ظن من دعمونا والناس الذين وضعوا الأمل فينا".