تاريخنا سيُعيد القدس كحقيقة أزلية، وعندها على ترامب الضغط على زر الريموت لتغيير شاشتنا التي تفضح عريه الأخلاقي، مثل معلمه بلفور.
بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن القدس عاصمة لإسرائيل؛ تخيلت نفسي ومن باب مهنتي، أجري معه الحوار التالي:
هل تعرف القدس؟
ترامب: نعم أعرفها هي القدس.
هل تعرف مكانة القدس لدى المسلمين؟
ترامب: لم يخبرني أحد.
هل سمعت فيروز وهي تغني للقدس؟
ترامب: فيروز؟! ماذا تغني؟
هل تريد أن تعرف؟ حسنا سأخبرك:
الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
وسيهزم وجه القوّة
البيت لنا والقدس لنا
وبأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام
- هل تريد أن تعرف المزيد؟؟ سأُخبرك بهذا المقطع:
وين الملايين. الشعب العربي وين. الغضب العربي وين. الدم العربي وين. الشرف العربي وين. وين الملايين. الله معانا أقوى وأكبر من بني صهيون. يشنق يقتل يدفن يقبر أرضي مابتهون. الدم الأحمر راوي الأخضر في طعم الليمون. نار الثورة تقوى تسعر نحنا المنتصرون.
ترامب: يا إلهي ماذا تقولين؟ وماذا تفعل الشعوب العربية والإسلامية عندما تسمع هذه الأغاني؟
يشتعل حماسهم ليشدوا الرحال إليها، حتى تسمع هدير حناجرهم من مكتبك البيضاوي.
ترامب: إذن.. ماذا سيفعل العرب الآن؟
سيأتونك زاحفين عبر البحار والمحيطات، ليطوقوك من كل جانب، تماما مثلما خنقت خيارات "أوسلو" وقبرت أوهام التسوية.
وانظر إلى فلسطين اليوم بعد صلاة الجمعة، شاهِد أبناءها في غزة ورام الله وبيت لحم وجنين ونابلس وطولكرم والخليل وغيرها، وهم يشدون الرحال إلى القدس والأقصى.
ترامب: لماذا لم تخبروني بذلك؟ لكنت أجّلت 6 أشهر أخرى.
ما زلت تمتلك الوقت سيادة الرئيس، بإمكانك أن تتراجع عن قرارك، لكن قبل أن أنهي الحوار أريدك أن تقرأ ماذا سأقول في مقالي هذا..
الراجح أن ترامب، الطامح في إرث سياسي لم يتحقق لأحد من أسلافه، بما في ذلك الأب المؤسس جورج واشنطن، لم يتعظ؛ لأنه لم يقرأ عن بلفور الذي وثقناه في أقذر موضع من سجلات التاريخ.
مع اعترافه بالقدس -مُقلة المدائن- عاصمة لإسرائيل، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كمن يحرّض أهل المنطقة على وقع أغنية "الشعب العربي وين.. وين الملايين؟
كان ترامب فظّا حيال قضية فلسطين العادلة، بشهادة أممية وشعبية، قلّما تتوافر لقضية ما في جزء من هذه الأرض، لذا عليه أن يتحمل عواقب فظاظتنا.
واليوم، والأيام المقبلة، لو قُدر لترامب ترجمة الأغنية الأكثر إلهاما للشعوب العربية، أو لم يُقدَر له، سيعي معناها جيدا من وقع الحشود التي سيخترق هديرها نوافذ مكتبه البيضاوي.
بالنسبة للكثيرين، لم يكن ترامب أصلا محل ثقة، بوصفه خيانة لنزاهة مفترضة من وسيط، بل إنه تذكير مستمر أننا ننام ونستيقظ بقضيتنا المركزية، ونتداعى مع أي أمر متصل بها، عَظُم أو تضعضع.
والراجح أن ترامب، الطامح لإرث سياسي لم يتحقق لأحد من أسلافه، بما في ذلك الأب المؤسس جورج واشنطن، لم يتعظ؛ لأنه لم يقرأ عن بلفور الذي وثقناه في أقذر موضع من سجلات التاريخ.
وإذا كان مذيع تلفزيون الواقع، المولع بالألقاب أو حتى سرقتها، أراد أن ينسخ "وعد بلفور" بـ"وعد ترامب"، في الأدب العبري، سيدرك لاحقا أن الرئيس بحكم منصبه يتعامل مع الواقع نفسه وليس تلفزيونه، كما نصحه بذلك باراك أوباما.
وإن كان ترامب يعتقد أن مثل هذا القرار سيتيح له هوايته المحببة في تصدر نشرات الأخبار؛ فها هو قد فعل، لكن ليس في موضع مدح بل ذم لسياسي يؤمن بأن إبرام الاتفاقيات السياسية مثل عقود تطوير مشاريعه الاستثمارية.
الآن وقد خسر ترامب فرصته، سيكون متطفلا لو أتى على ذكر فلسطين مرة أخرى، وسيكون أحمقا لو جادل بأنه الرئيس الذي سيحقق سلاما عزّ على أسلافه، وسيُغشَى عليه لو سمع ترجمة أغنيتنا بالعربية وليست العبرية.
ووقتها، لو أراد ترامب معايشة الواقع وليس شاشته، عليه أن يتعلم أولا القتال بسلاحه وليس سلاح نتنياهو، الذي هو اليوم مخرج أكثر المشاهد سخرية لأكثر الممثلين بلاهة.
فهذا المشهد تجسيد لإعادة التاريخ كمسخرة، طبقا للحكمة الماركسية، لكن تاريخنا سيُعيد القدس كحقيقة أزلية، وعندها على ترامب الضغط على زر الريموت لتغيير شاشتنا التي تفضح عريه الأخلاقي، مثل معلمه بلفور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة