يهود العراق بعد عقود من التهجير.. حنين إلى الوطن وحزن على ما جرى
قبل بضعة أيام، أرسل يهودي عراقي يقيم في لندن، رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي يعاتبه فيها على دعوة كان وجهها للمسيحيين ممن يعشون في المهجر.
وفي الرسالة التي يتحدث عنها اليهودي العراقي، وجه مصطفى الكاظمي رسالة يطمئن فيها المسيحيين بتحسن الأوضاع وضرورة الرجوع إلى بلدهم، دون ذكر طائفة اليهود التي سلبت جنسيتها العراقية وتم مصادرة ممتلكاتها قبل عقود.
ويقول أدوين شكر، في رسالته إلى مصطفى الكاظمي، والتي ذيلها باسم "المواطن العراقي": "استبشرنا خيرا بدعوتك الأخيرة إلى مختلف الطوائف العراقية الأصيلة للعودة إلى العراق والمساعدة في إعادة بناء البلاد، هذه دعوة أثلجت صدورنا، ولا سيما العرض الذي قدمته للمكون المسيحي الذي سميته بشكل خاص".
ويستدرك بالقول: "لكن مرة أخرى، هل يحق لنا أن نسأل لماذا كان من الصعب ذكر واحدة من أقدم الطوائف الدينية التي كرمت أرض بلاد ما بين النهرين المقدسة بوجودها لأكثر من 2600 عام، ألا وهي الطائفة اليهودية".
وأضاف: "لقد عانت طائفتنا من جميع ألوان الظلم والحرمان في وطنها الأم، لكن من دون أن يؤثر ذلك على إحساسها بعمق هويتها والتزامها بذاكرة ألفية، نشأت ونمت مع نمو هذا الوطن الذي نسميه الان: العراق".
وأضاف اليهودي العراقي "هل يعقل مع عظمة هذا الإحساس أن نحرم من حقنا الأساسي في استعادة الجنسية وحماية رموزه الدينية المقدسة التي هي رموز جميع الأديان السماوية، بما فيها الإسلام؟".
ومنذ منتصف القرن الماضي، سجلت موجات نزوح ليهود العراق بسبب تشريعات أقدمت عليها الحكومات المتعاقبة جردت بموجبها أبناء الطائفة من الجنسية العراقية وانتزعت ممتلكاتهم ومنازلهم التي يسكنوها.
وحتى عام 1948، بحسب إحصائيات ووثائق تاريخية، كانت أعداد اليهود في العراق، نحو 150 ألفا من مجموع سكان العراق في ذلك الوقت، الذي كان يقترب من ـ5 ملايين نسمة.
واستغرقت موجات النزوح من العراق حوالي عقدين ونصف منذ نهايات الأربعينيات، تحت ضغوط تشريعية وسلطوية أجبرتهم على مغادرة البلاد قسراً.
وشكل اليهود، مطلع القرن الماضي، عماد المجتمع العراقي أحد أهم المحركات الرئيسية في بناء الدولة الحديثة. وقدموا أسماء لامعة ومهمة في مجال التعليم والصحة والتجارة والسياسية والاقتصاد.
وتوزعوا اليهود في العراق بين مناطق مختلفة من البلاد تركزت على العاصمة بغداد والبصرة ونينوى. وما تزال بيوتهم ذات الطراز المعماري المتميز شاخصة إلى الآن.
وأسقط القانون رقم 5 لسنة 1951 الجنسية العراقية عن اليهود الذين غادروا البلاد، سواء بطريقة غير شرعية أو رسمية، ونص القانون على "كل يهودي عراقي اكتسب الجنسية الأجنبية من تاريخ نفاذ القانون رقم 5 لسنة 1951 تسقط عنه الجنسية العراقية اعتباراً من تاريخ اكتسابه الجنسية الأجنبية، وتجمد أمواله وتطبق بحقه أحكام القانون المذكور والأنظمة الصادرة أو التي تصدر بموجبه".
بعد ذلك صدر التشريع رقم 12 بتاريخ 22/3/1951، والذي نص على أن "تجمد من تاريخ نفاذ هذا القانون أموال اليهود العراقيين الذين غادروا العراق بجواز سفر، اعتبارا من اليوم الاول من سنة 1948 وتطبق عليها أحكام القانون رقم 5 لسنة 1951 والأنظمة الصادرة أو التي تصدر بموجبه".
كان عام 1941، قاسياً على على أبناء ذلك المكون العراق، وفاتحة لانقراض طائفة اجتماعية مهمة وموغلة بالقدم في بلاد الرافدين، حيث سجلت حوادث ما تعرف بـ"الفرهود"، بعد استهداف مدنهم خلال احتفال بعيد (الشفوعوت) اليهودي، والتي وراح ضحيتها حوالي 175 قتيلاً وألف جريح يهودي، ودُمِّرَ 900 منزل تابع لليهود.
تلك المجازر أرهبت يهود العراق، وتركت في نفوسهم أثراً عميقاً، وساعدت على سرعة هجرتهم إلى إسرائيل، حيث هاجر من العراق أكثر من 80% منهم.
نيران سليم بصوون، يهودية تركت العراق مع عائلتها مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، ولكنها زارت أربيل عام 2013، عندما دعيت للاشتراك في مؤتمر أصدقاء برطلة عن التغيير الديمغرافي في سهل نينوى.
تروي "نيران" التي تقيم مع أسرتها في بريطانيا، حكاية حب وحنين إلى بغداد رغم معاناة وقسوة ما تعرضوا له قبل 50 عاماً.
تقول: "تركت العراق بعد خروج أغلبية اليهود بعد الهجرة الجماعية القسرية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي"، معللة أسباب تركهم للعراق: "كنا مراقبين على مدار الساعة، حيث عشنا فترة مخيفة خاصة بعد إعدام 9 من اليهود وتعليق جثثهم في ساحة التحرير في 27 يناير/كانون الأول عام 1969 وقُتل عددا آخر جراء التعذيب في السجون واختُطف عددا آخر من ضمنهم نساء ولا نعرف حتى مواقع دفنهم".
وتستدرك بالقول: "أنا متمسكة باسترداد جنسيتي العراقية التي سُحبت مني عنوة فقط لأني يهودية. ديني لن يغير الواقع بأني وأجدادي ولدنا في العراق، فلماذا هذه العنصرية في حين الكثير من العراقيين، غير اليهود، الذين غادروا العراق هجرة أو تهجيرا لم تسقط عنهم جنسيتهم العراقية".
وسألت باستغراب: "من أسقطت عنه جنسيته خلال الأنظمة السابقة منحه الدستور الحالي الحق في استرداد الجنسية، ونفس الدستور يستثني اليهود من هذا الحق"، مشيرة إلى أن "استرداد الجنسية العراقية هو حق لأولادي وأحفادي وليس لي فقط".
وتبدي "نيران" أسفها وشعورها بـ"الظلم لأني أبعدت عن العراق بسبب القوانين التعسفية والاضطهاد والعنصرية ضد مكون عاش في العراق أكثر من 2500 سنة، وربما هو أقدم مكون ساهم بكل حماس ووطنية في بناء بلاد الرافدين منذ زمن البابليين وإلى تأسيس الدولة العراقية، ولا تزال إسهاماتهم قائمة إلى يومنا هذا".
إميل كوهين، اليهودي العراقي الذي يعيش منذ 6 عقود في إحدى الدول الأوربية، يقول: "أشعر أن الحكومات العراقية أجحفت حقي وعائلتي وجردتني من جنسيتي دون سبب، ولكن الأكثر قسوة من هذا أنها عاملت العائلة بظلم واضطهاد دون أي اسباب"، معرباً عن اعتقاده بـ"عدم عودة أي يهودي عراقي إلى العراق".
وأردف: "في حالة الاستقرار والأمان يجوز أن يرجع البعض للزيارة لأن لديهم حنيناً قوياً ورغبة شديدة لاستعادة ذكرى الزمن الجميل".
كوهين عمل لفترة طويلة في إنجلترا على إحياء التواصل بين العراقيين اليهود والموسيقى والغناء العراقي، باعتباره متعهداً للحفلات: "استضفنا فنانين ومطربين وموسيقيين عراقيين يجسدون التراث الغنائي الأصيل كقراء المقام والأغاني البغدادية، لنستعيد من خلالها ذكرياتنا الجميلة، ونلتقي هنا كعراقيين بغض النظر عن الدين والقومية، لكنني توقفت عن هذا النشاط، كما انحسرت نشاطاتنا في الطائفة اليهودية العراقية بسبب جائحة كورونا".
وبشأن حق استرداد اليهود العراقيين لجنسياتهم التي أسقطت عنهم، يقول الخبير القانوني طارق حرب، إن "الدستور العراقي منح الحق لكل العراقيين، من ضمنهم اليهود، باسترداد جنسيتهم العراقية، لكن قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2005 نص على عدم منح الجنسية لليهود العراقيين"، مؤكدا أن "هذا القانون باطلا كونه يتعارض مع أحكام الدستور العراقي".
ويلفت الخبير القانوني، حرب، إلى أنه "لم يتقدم أي شخص إلى المحكمة العليا لإبطال القانون رقم 26 لسنة 2005، وبإمكان اليهود العراقيين توكيل أي محام لحسم هذا الموضوع لصالحهمن معتبرا أنها "قضية مضمونة لأنها دستورية".