قد لا نستطيع أن نقول للناس لا تطلقوا النكات، ولكن نستطيع أن نقول إننا بالأرقام الأفضل في كثير من الأشياء.
النكتة من أدب الشعوب ويرجع تاريخ النكتة حسب بعض الأدبيات إلى عصور سابقة من الحضارات القديمة، والبعض يرجعها إلى عصر الفراعنة مما يعني أن المصرين لهم تاريخ طويل في ابتكار النكات وتداولها، وقد اختلفت المقاصد من ابتكار النكات، فالغالب منها يطلقها العامة لرفض واقع سائد أو لنشر ابتسامة يفقدونها نتيجة تعقد الحياة وتشابكها.
وفي العصر الحالي ظهرت استخدامات أخرى تعدو الاستخدامات العفوية حيث يتعمد إطلاق النكات على فئة معينة أو على مجتمع بهدف هز الثقة بهذه الفئة أو المجتمع.
وفي عصر ازدهار السينما والإعلام المصري كانت النكات تطلق على شخصية معينة من المجتمع المصري تمثل في معظمها أهالي المناطق البعيدة عن المدنية أو مراكز المدن الكبرى، وهم أساس الكوميديا فلا يوجد عمل كوميدي إلا تتجسد فيه شخصية الإنسان الطيب البسيط.
هذه النكات تنتشر ويقلدها الناس بشكل مخيف، ووقتها كان الإعلام وقنواته ضعيفا مقارنة بما هو متوفر اليوم من قوة إعلامية وانتشار وسائل التواصل والاتصال وتعدد القنوات التلفزيونية، ناهيك عن منصات التواصل الاجتماعي التي لا تهدأ أبدا وتغطي عدد سكان الدول بأكملها، حيث بينت الإحصائيات أن نسبة تواجد البشر على منصات التواصل لبعض المجتمعات تشكل 100% وتتجاوز ساعات الاستخدام السبع ساعات يوميا.
قد لا نستطيع أن نقول للناس لا تطلقوا النكات، ولكن نستطيع أن نقول أننا بالأرقام الأفضل في كثير من الأشياء، وأن ما ترسمه هذه النكات في ذهن المتلقي بعيد عن الواقع.
ومن الطبيعي أن هجرة الشخص من الأرياف أو المناطق البعيدة إلى المدينة التي تختلف عن معيشته وبيئته كليا، أن يكون له بعض المواقف في الاستخدام الأولي لمرافقها من وسائل المواصلات، أو أسلوبه لإنجاز أية خدمات في مصلحة حكومية أو خاصة، أو مدى ثقته بالآخرين وحرصه على أمنه الشخصي الذي تفتقده المدن الكبرى مقارنة بالترابط والأمن الاجتماعي في القرية.
ولو رجعت لوجدت أن أغلب قادة العلم العظام والفنانين وأصحاب الفكر في مصر الحبيبة ومن الذين قادوا نشر التعليم بالوطن العربي، كانوا من أقاليم الصعيد وكانت نسبة الذكاء عالية جدا بينهم وأكبر دليل هو غزارة العطاء وتنوعه، ولكن أراد المستعمر الأجنبي للمجتمع المصري عدم التقدم في ذلك الوقت، والنكتة في الواقع هي أسرع وسيلة لغسل وبرمجة دماغ الإنسان، وأكثر أنواع الايديولوجيا الفكرية تدميرا، وقد استغلت النكتة واستخدمت في معظم حروب العالم في إطار الحروب النفسية والإعلامية لتدمير العدو والنيل من مبادئه وقدراته وهز ثقته.
والآن ظهرت نكات جديدة تستهدف مجتمعاتنا الخليجية، التي دخلت مجال التنافس مع الدول العظمى في الإدارة الحكومية والقدرات العسكرية والاقتصاد وصناعة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والوصول للفضاء، وهذه النكات وانتشارها اليوم أقوى وأشمل عبر "السوشيال ميديا" وتركز موضوعها الأهم بعدم القناعة بإمكانيات الخليجي وقدرته على تحمل العمل الشاق أو التعامل مع الظروف الصعبة وميله للإجازة والراحة.
وكذلك هناك جانب بدأت تدخله النكتة وهو كيفية تعامل الرجل الخليجي مع زوجته وأفراد أسرته حيث تصوره النكتة بأنه "نسونجي" لا يحترم الحياة الزوجية ويعطي جل اهتمامه بالمظاهر تارة وغير مبال بمظهره ولباسه تارة أخرى، أو لا يساهم بتربية أبنائه أو قد نجد نكات تطال الزوجة الخليجية كذلك فتصفها بالخيالية العاشقة لمشاهير الشاشة والغناء أو إنسانة تعيش بالماديات وأنانية مهملة مع أسرتها.
وحتى عندما يورد الإعلام قضية الانفصال أو طلاق زوجين وهو حق وهبه الله للزوجين، وقد ميزنا الله سبحانه بهذا الحق عن الأديان الأخرى ليجد كل طرف من هذه العلاقة فرصته للبدء من جديد، تجد العجب العجاب من الإعلام في صياغة الخبر حيث يركز معد الخبر على توافه الأمور أو يبرز ما ينم عن سطحية الطرفين وكأن رابط الزواج ليس من أولويات الزوجين.
قد لا نستطيع أن نقول للناس لا تطلقوا النكات ولكن نستطيع أن نقول أننا بالأرقام الأفضل في كثير من الأشياء وأن ما ترسمه هذه النكات في ذهن المتلقي بعيد عن الواقع، وإن هذه النكات لا تعنينا ولا نهتم بها ولن نشارك في إطلاقها أو نشرها.
كما أرجو من الجهات الإعلامية مراقبة صياغة الأخبار التي تهدد تماسك المجتمع، ومراقبة هذه النوعية منها والهدف من صياغتها، فنحن أمام خطر اجتماعي كبير مسبباته كثيرة ومتنوعة، والإعلام المحلي كما عهدناه دائما وأبدا معول بناء لا معول هدم.
وأخيرا أتمنى من جماعة "إعادة التغريد بالتواصل الاجتماعي" الانتباه فأنتم المجتمع وأنتم لا تزرعون ولا تنشرون البسمة بهذه النكات وإنما تزرعون الخوف وعدم الثقة بأجيال معنية بتطوير دولتنا وتكوين أسرة قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة