تفاهمات أم انقسامات؟.. إخوان الأردن على صفيح ساخن
سجالات وصراعات وتفاهمات هكذا هو الحال في جماعة الإخوان بالأردن التي فرغت لتوها من انتخابات داخلية وصفت بأنها الأكثر استقطابًا في تاريخها.
إذ اختار مجلس شورى الجماعة المكون من 56 عضوًا، مراد العضايلة الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان، مراقبًا عامًا كما جرى تصعيد النائب الأول للأمين العام للحزب وائل السقا لشغل منصب الأمين العام خلفًا لـ"العضايلة"، بينما فاز المراقب العام السابق عبد الحميد الذنيبات بمنصب رئيس مجلس شورى الجماعة.
ومع أن النتائج النهائية لانتخابات الإخوان في الأردن تكشف أن التفاهمات الداخلية لعبت دورًا حاسمًا في التوفيق بين تيارات الجماعة البارزة (الصقور والحمائم والوسط) إلا أن التدقيق في سياقات هذه الانتخابات يوضح حجم الأزمة التي تعيشها الجماعة في الأردن والتي تُنذر بمزيد من التشظي في داخلها مستقبلًا.
فالمراقب العام الجديد مراد العضايلة والمعروف بأنه مدعوم من تيار الصقور ومن تيار حماس داخل إخوان الأردن والذي سُمي أيضًا بـ"تنظيم الظل" فاز بمنصبه بفارق صوت واحد عن القيادي المخضرم حمزة المنصور المدعوم من تيار الحمائم وتيار الوسط، وإذ حصل الأول على 28 صوتا مقابل27 للثاني، وكانت النتيجة نفسها هي التي حسمت التنافس على مقعد رئيس مجلس الشورى، أعلى هيئة تشريعية ورقابية في الجماعة بحسب لائحتها الداخلية.
فعبد الحميد الذنيبات (تيار الحمائم) فاز بـ28 صوتًا مقابل 27 صوتًا لعبد الله عبيدات وذلك بعد انسحاب همام سعيد، أبرز رموز الصقور والمراقب العام الأسبق، من المنافسة على المنصب، وهو ما يشير إلى حجم التعقيدات الداخلية والانقسامات في صفوف الجماعة.
ويتضح من النتائج السابقة أن تياري الصقور والحمائم توافقا، في اللحظات الأخيرة، على تقسيم المناصب القيادية بينهما رغم المنافسة الشديدة التي احتدمت بينهما في الانتخابات الأخيرة.
وفي ضوء هذه التفاهمات، اختار أعضاء المجلس مجموعة الـ7 الذين يتم تعيينهم من كل تيارات الجماعة ضمن صيغة توافقية لإرضاء جميع الأطراف، وهم: جميل أبوبكر، ومحمد خليل عقل، ومعتز الهروط، ووائل السقا، وعارف حمدان، وعلي أبوالسكر.
ويفترض أن يقدم المراقب العام الجديد تشكيلة المكتب التنفيذي للجماعة لمجلس الشورى كي يتم التصويت عليها، خلال أسبوعين من تاريخ انتخابه وذلك بحسب النظام الداخلي للجماعة، أما على صعيد حزب جبهة العمل الإسلامي فمن المقرر أن يعقد مؤتمرًا عامًا خلال الأشهر الـ6 القادمة لاختيار أمينه العام الجديد، وذلك وفقًا للائحته الداخلية.
انتصار لـ"الصقور" بطعم الهزيمة
وتعني هذه التفاهمات أن التيار الأول والموصوف بأنه أكثر تشددًا سيبقى له نفوذ تنظيمي كبير في الوقت الحالي رغم تراجعه في الانتخابات الأخيرة، التي أثبتت نتائجها أن التدافعات الداخلية والصراعات بين تيارات الجماعة ستبقى قائمة، علاوة على إشارتها إلى احتمالية غروب شمس الصقور والحمائم التقليديين وبروز تيار جديد في أوساط الجماعة قوامه الشباب غير المنحازين لأي من التيارات المعروفة.
وترشح في الانتخابات الأخيرة 13 كادرًا إخوانيًا من الشباب المستقلين فاز منهم 5 بمقاعد في مجلس الشورى، إلا أن الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المرشح الشاب محمد شرف القضاة خاض سباقًا انتخابيًا غير متوقع أمام الرمز الأبرز لتيار الصقور والمراقب العام الأسبق همام سعيد وتعادل معه في الجولة الأولى في الانتخابات التي تمت في أوساط القواعد التنظيمية للإخوان، وفي الجولة الثانية فاز "سعيد" بفارق 6 أصوات فقط عن "القضاة"، وهذا يبرهن على التراجع غير المسبوق في قوة ونفوذ تيار الصقور داخل الجماعة.
وكان رموز من تيار الصقور قد طالبوا المراقب العام الأسبق همام سعيد بعدم الترشح للانتخابات الداخلية على أن يتم تعيينه عضوًا بمجلس الشورى ضمن مجموعة الـ7 التوافقية، لكنه أصر على خوض الانتخابات ليفوز بشق الأنفس على منافسه الشاب.
وعلى نفس المنوال، تراجع نفوذ تيار الحمائم التقليدي ولجأ رموز هذا التيار، من أجل الحفاظ على موقعه داخل التركيبة التنظيمية الإخوانية، إلى التحالف مع تيار الوسط أو ما يمكن تسميته بـ"تيار الوسط الجديد" الذي فاز بنحو 55% من إجمالي مقاعد مجلس الشورى العام في الانتخابات.
ومع أن تيار الوسط آثر أن يمرر التفاهمات التي تمت بين تياري الصقور والحمائم، إلا أن النسبة التي حازها في مجلس الشورى تجعل منه المتحكم الأول في عملية اختيار من يشغلون المناصب القيادية في الجماعة.
وتوحي نتائج الانتخابات الداخلية في جماعة الإخوان بالأردن بوجود رغبة داخلية في أوساط القواعد التنظيمية للجماعة للتغيير والتمرد على القيادة القديمة والتطلع إلى أفق جديد تكون القيادة فيه مركزة بيد مجموعة من خارج التيارات التقليدية للجماعة والتي يحكم التنافس إطار العلاقة بينهم بشكل رئيس.
بين الحكومة الأردنية والإخوان
إلى ذلك، تحمل نتائج انتخابات الإخوان الأخيرة رسائل ذات دلالة للحكومة الأردنية فاختيار مراد العضايلة المعروف بتأييده لتيار حماس في الجماعة وبتماهيه مع الأجندة العابرة للحدود الوطنية، بما في ذلك انحيازه للحراك والتظاهرات الشعبية المناهضة للحرب في غزة على حساب استقرار الداخل الأردني من شأنه أن يزيد من التوتر في العلاقة بين الإخوان والحكومة في البلاد.
وكان تيار الحمائم، الأقل تشددًا من صقور الجماعة، يأمل في أن يصل القيادي المخضرم حمزة المنصور إلى منصب المراقب العام حتى يكون ذلك بمثابة رسالة تهدئة مع الحكومة الأردنية، لكن اختيار "العضايلة" جاء بمثابة رسالة تصعيد واضحة تؤكد أن الجماعة ستواصل اتباع المسار الحالي والذي اختارت الانخراط فيه قبل أشهر.
وبدورها، رحبت حركة حماس الفلسطينية باختيار مراد العضايلة مراقبًا عامًا لإخوان الأردن، إذ هنأ رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج إسماعيل هنية "العضايلة" في اتصال هاتفي وتمنى له التوفيق في منصبه الجديد وأن "يظل سندا وعونا ومددا لإخوانهم في فلسطين وغزة"، بحسب تصريح صحفي صادر عن الحركة.
ومن اللافت أن الإعلان عن اختيار المراقب العام الجديد تبعه إعلان سريع عن قرار الجماعة بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في الأردن، مع أن مراد العضايلة نفسه أعلن من قبل أن الأولوية هي للحرب في غزة وليس للانتخابات الأردنية.
وذكرت الإخوان في بيان لها أن مجلس الشورى خاض نقاشات مستفيضة خلصت إلى تأييد قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ولذا وجه المكتب التنفيذي للحزب بالعمل على من خلال لجانه الفنية المختصة بإدارة العملية الانتخابية، ومتابعة المستجدات بشكل مستمر المرتبطة بضوابط وضمانات النزاهة الرسمية وسلامة الإجراءات في العملية الانتخابية وعلى ضوء ذلك يتم تقدير الموقف من الانتخابات، بحسب نص بيان صادر عنها.
ويبدو أن جماعة الإخوان في الأردن تلعب على وترين فمن ناحية تغازل المجموعة المؤيدة لحماس داخل الجماعة باعتبارها الأكثر تأثيرًا، وفي نفس الوقت تُرسل رسالة للحكومة بأنها مستعدة للدخول في تفاهمات مرحلية تدخل معها الانتخابات، لكن على أساس إبقاء الأولوية للحرب في غزة وليس للداخل الأردني، وهو ما لا يُتوقع أن تقبل به الحكومة الأردنية.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت القواعد التنظيمية للجماعة ستقبل بخوض الانتخابات البرلمانية في الظروف الحالية وهذا لن يتضح بشكل كامل حتى تعلن اللجان الفنية المعنية بالانتخابات في حزب جبهة العمل الإسلامي عن قائمة الحزب التي ستدفع بها للانتخابات وعن آلية وكيفية مشاركة أعضائها فيها.
كما لا يمكن الجزم بما إذا كان مراد العضايلة سيترأس القائمة الانتخابية للحزب أم ستختار الجماعة وذراعها السياسية مرشحًا بديلا له، ومع ذلك يبقى الأكثر ترجيحًا، في الوقت الحالي، أن الجماعة لن تفوز بنسبة أكبر من نسبتها الحالية في مجلس النواب الأردني، خصوصًا في ظل إصرارها على الانخراط في مقامرة خطرة تخدم أغراض التنظيم الدولي لجماعة الإخوان أكثر مما تخدم المصالح الوطنية الأردنية.