الانتقادات الحادة التي وجهها أحمد داود أوغلو إلى حزب العدالة والتنمية تعكس حالة الغضب داخل الحزب بعد خسارة الانتخابات البلدية
الأزمة التي يواجهها حزب العدالة والتنمية بخروج الصراعات إلى السطح هي نتيجة طبيعية للخسارة التي تلقاها الحزب في الانتخابات البلدية والتي أدت لخسارته لبلدية مدينة إسطنبول بالرغم من إعادة الانتخابات، فهذه الانتخابات جاءت لتكشف التردي الحاصل في شعبية الحزب بالرغم من محاولات أردوغان لتعزيز وهيمنة سيطرته على جميع مفاصل الدولة التركية، خاصة الجيش والقضاء، والتضييق على حرية الإعلام، والقضاء على جميع الخصوم والمعارضين بجملة الاعتقالات التي قام بها أردوغان بذريعة "انقلاب عام 2016" وهذا يكشف عن أن تصاعد حملة الاعتقالات في الداخل التركي كان يتزامن مع انخفاض في شعبية أردوغان، فلم تنجح حملة الاعتقالات وخلو الساحة السياسية من الأصوات المعارضة لأردوغان في الحفاظ على شعبيته، بل زادت من انخفاض شعبيته وحزبه العدالة والتنمية.
استمرار أردوغان في إدارة الحزب بنفس الوتيرة السابقة التي قادت إلى حالة الانسداد سوف تقود إلى توسعة دائرة الإحباط داخل الحزب وسوف تقود إلى دخول الحزب في مرحلة "الاستقالات والانشقاقات بالجملة" خاصة أن الحزب بعد استقالة الشخصيات النافذة لن يكون كما كان قبلها
لا شك أن الانتخابات البلدية، خاصة بلدية إسطنبول، كانت هي المقياس الحقيقي لشعبية أردوغان، خاصة ما بعد انقلاب عام 2016، لا سيما أن أهميتها تكمن في كون إسطنبول الشريان الاقتصادي للدولة التركية، وتعد أيضا "مسقط رأس أردوغان". وأيضا يعود لها الفضل في البداية لحياة أردوغان السياسية، فهذه المدينة التي ترأس أردوغان بلديتها من عام 1994 حتى 1998، كانت لها الفضل في إيصال حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وبالتالي فإن الخسارة التي تلقاها الحزب في هذه الانتخابات هي بلا شك سوف يكون لها تأثير كبير على أي انتخابات قادمة بما فيها الانتخابات الرئاسية.
الانتقادات الحادة التي وجهها أحمد داود أوغلو إلى حزب العدالة والتنمية، وهو الذي كان الرئيس الثاني للحزب في الفترة من 2014 إلى 2016 تعكس حالة الغضب داخل الحزب، بعد خسارة الانتخابات البلدية، وتؤكد أن هناك قناعة لدى أعضائه بأن سياسات الحزب هي التي أدت إلى هذه الخسارة وأدت إلى تراجع شعبيته، وبالتالي يرى أعضاء في الحزب أن سياسات أردوغان أدت إلى هذه الخسارة التي لحقت بالحزب، ومحاولات أردوغان لتهميش أعضاء مؤثرين داخل الحزب، والعمل على تركيز جميع القرارات في يده سيكون له انعكاس كبيرة على استقرار الحزب، في ظل انتقادات واستقالات بالجملة لشخصيات ذات تأثير كبير داخل الحزب مثل أحمد داود أوغلو.
يواجه أردوغان مأزقا كبيرا فلم تعد المعارضة لسياسات أردوغان تأتي من الخارج، بل أصبحت هذه المعارضة تتصاعد داخل الحزب، ولاشك أن استقالة أحمد داود أوغلو وانتقاداته العديدة لسياسات أردوغان في إدارة الحزب -وهو واحد من أهم الشخصيات النافذة والمؤثرة داخل الحزب- سوف تفتح على أردوغان جبهة جديدة من التحديات في كيفية الحفاظ على تماسك حزب العدالة والتنمية، خاصة أن استقالة أحمد داود أوغلو من الحزب جاءت بعد انتقادات عديدة، وهو ما يعني أن هذه الاستقالة لم تكن فقط رد فعل على حالة الخسارة التي لحقت بالحزب في انتخابات إسطنبول، بل جاءت لتؤكد حالة الانسداد الداخلي داخل الحزب، وأنه لا حلول تلوح في الأفق مما قاد في النهاية لاستقالة أحمد داود أوغلو، وهو ما يعني فشل أردوغان في احتواء الأزمة التي بدأت تتصاعد داخل الحزب.
بات واضحاً بالنظر لتصريحات أحمد داود أوغلو والتي قال فيها "إن كثيرين سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحت دفاتر مكافحة الإرهاب، وستسود وجوه كثيرة"، وهي بلا شك إشارة واضحة إلى تورط مسؤولين في تركيا من بينهم أردوغان في دعم الإرهاب، وهو ما يعني أن أحمد داود أوغلو لن يكتفي فقط بالاستقالة وأسبابها، وإنما بات واضحاً من هذه التصريحات أن الكثير من الملفات يمتلكها أحمد داود أوغلو بشأن تورط مسؤولين في دعم الإرهاب، وهو ما يعني تهديدا واضحا بوجود نية لدى أحمد أوغلو بفتح الكثير من الملفات مستقبلاً والتي سيكون أردوغان هو المتضرر منها.
استمرار أردوغان في إدارة الحزب بنفس الوتيرة السابقة التي قادت إلى حالة الانسداد سوف تقود إلى توسعة دائرة الإحباط داخل الحزب وسوف تقود إلى دخول الحزب في مرحلة "الاستقالات والانشقاقات بالجملة" خاصة أن الحزب بعد استقالة الشخصيات النافذة لن يكون كما كان قبلها، فهذه الاستقالة في تقديري سوف تحرك المياه الراكدة داخل الحزب وتقود لتعالي الأصوات المطالبة بمعالجة حقيقية تفضي إلى القضاء على سياسات التفرد بالقرارات التي أرسى أردوغان قواعدها وجعل منها نهجا لكيفية إدارته للحزب، وتهميش الشخصيات النافذة والمؤثرة.
في ظل ما يعيشه حزب العدالة والتنمية من حالة من التفكك، نتيجة التفرد من قبل أردوغان بالقرارات والسياسات داخل الحزب، وفي ظل حالة الانسداد والإحباط داخل الحزب، فمن الواضح أن الأمور لن تقف على ما هي عليه، بل سوف تقود -في ظل وجود قناعة بتراجع شعبية الحزب ومكانته- إلى انشقاق شخصيات سياسية في الحزب والسعي لتشكيل حزب سياسي جديد، ما يعني إعادة السيناريوهات التي واجهها "حزب الفضيلة" والتي بدأت باستقالة أربع قيادات في عام 1999 منهم عبدالله غول، وقيام أردوغان بتكوين مجموعة باسم "المناصرون للتغيير" داخل الحزب والتي قادت هذه التفاعلات لتأسيس العدالة والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة