أزمة كازاخستان .. ظاهرها الفقراء وباطنها "صراع النخبة"
لا تزال أسباب الأزمة في كازاخستان غامضة، لكن الخبراء يرون أن حالة السخط الشعبي تخفي صراعًا قديمًا على السلطة داخل النخبة الحاكمة.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلا عن محللين فإن اندلاع الاحتجاجات في كازاخستان لم يكن مفاجأة كبيرة، بعد 10 سنوات من مقتل أكثر من 10 عمال على يد قوات الأمن هناك، كانوا قد أضربوا احتجاجا على تدني الأجور وظروف العمل السيئة.
لكن ما سيظل لغزًا هو كيفة انتشار الاحتجاجات السلمية في طول البلاد وعرضها، ما أدى إلى تحول أكبر مدن كازاخستان وأكثرها ازدهارًا إلى منطقة حرب مليئة بالجثث والمباني المحترقة والسيارات المحترقة.
وصدمت أعمال العنف هذا الأسبوع في ألماتي، العاصمة السابقة لكازاخستان والتي ما زالت مركزها التجاري والثقافي، الجميع تقريبًا - ليس فقط رئيسها، الذي أمر قوات الأمن بـ"إطلاق النار دون سابق إنذار" لاستعادة النظام في البلاد وفرض حالة الطورائ بكامل هذا البلد الغني بالنفط.
وقالت "نيويورك تايمز" إن الأزمة تزامنت مع صراع على السلطة داخل الحكومة، ما أدى إلى تأجيج الحديث عن أن الناس الذين يقاتلون في الشوارع هم "وكلاء لفصائل متناحرة من النخبة السياسية"، بالإضافة إلى تكهنات محمومة حول "تدخل الكرملين ومجموعة من الأسباب الغامضة المحتملة الأخرى".
وأضافت الصحيفة أن "الأمر الوحيد الواضح تقريبا هو أن الاضطرابات في البلاد تنطوي على أكثر من مجرد اشتباكات مباشرة بين المحتجين الساخطين والجهاز الأمني للنظام المستبد".
ويرى دانيل كيسلوف، الخبير الروسي في شؤون آسيا الوسطى، أن الفوضى كانت نتيجة "صراع يائس على السلطة" بين الفصائل السياسية المتناحرة، أي الأشخاص الموالون للرئيس توكاييف، 68 عامًا، وأولئك المدينون بالفضل لسلفه نور سلطان نزارباييف البالغ من العمر 81 عامًا.
وأعلن الرئيس توكاييف، في ذروة الاضطرابات، توليه رئاسة مجلس الأمن القومي، وهي الوظيفة التي شغلها حتى ذلك الحين نزارباييف، الذي استقال من منصبه كرئيس عام 2019، لكنه احتفظ بسلطات واسعة وحصل على اللقب الفخري إلباسي، أو زعيم الأمة. كما أقال الرئيس توكاييف، ابن شقيق نزارباييف، سامات أبيش، من منصب نائب رئيس جهاز الأمن الرئيسي وطرد العديد من المقربين من الرئيس السابق.
ويعتقد كيسلوف أن أعمال الشغب في ألماتي بدت وكأنها محاولة من قبل أعضاء عشيرة نزاربييف السياسية لاستعادة دورهم السياسي.
وقال: "كل هذا تم تنظيمه بشكل مصطنع من قبل أشخاص يمتلكون سلطة فعلية في أيديهم"، مضيفًا أن الوقائع تشير إلى أن ابن شقيق نزارباييف المخلوع لعب دورًا رئيسيًا في تنظيم الاضطرابات.
وقال جليم أجيليولوف، ناشط في مجال حقوق الإنسان في ألماتي شارك في مظاهرة سلمية بدأت يوم الأربعاء، إن ضباط الشرطة الذين كانوا يراقبون الاحتجاج اختفوا فجأة، ثم جاءت حشود جامحة بدوا أشبه ببلطجية أكثر من كونهم المواطنين العاديين، مضيفا للصحيفة أن "الطلاب والمعارضين من الطبقة المتوسطة - الذين يتظاهرون عادةً في كازاخستان".
وقال إن "الغوغاء كانوا منظمين بشكل واضح من قبل عصابات الجريمة، وانطلقوا في الشوارع الرئيسية باتجاه مجلس المدينة وأشعلوا النار في السيارات واقتحموا المكاتب الحكومية".
ومن بين أولئك الذين حثوا الحشد على ذلك كان أرمان دزوماجيلدييف، المعروف باسم "أرمان البري"، أحد أقوى رجال العصابات في البلاد، بحسب نيويورك تايمز.
وأضافت "أرمان البري قال عنه شهود عيان إنه ارتكب الكثير من أعمال العنف، وألقى خطابًا محموما في ساحة ألماتي المركزية حيث اندلعت النيران في المباني الحكومية من خلفه، داعيًا الناس إلى الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات".
ووفقا للصحيفة فإن تحول "صراع محتمل على السلطة بهذه السرعة إلى حالة من الفوضى في الشوارع هو مقياس لمدى هشاشة كازاخستان تحت السطح البريق لمدن ثرية وعالمية مثل ألماتي".