خاتمي وليس خامنئي.. الصانع الحقيقي لرؤساء إيران
على عكس الشائع بأن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي هو المتحكم في كل ما يدور بإيران، هناك من يرى أن خاتمي هو صانع الملوك.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يتتبع الخبراء وصناع القرار على حد سواء، كل حركة وتعليق من مرشد إيران علي خامنئي، بحثًا عن أدلة تشير إلى المرشح الذي يفضله، على أساس افتراض ضمني بأنه هو من يحدد رئيس إيران القادم.
- إيران قبل داعش.. دراسة مهمة لمعهد واشنطن تحدد أولويات ترامب
- قاليباف ينسحب من انتخابات الرئاسة الإيرانية ويدعم "رئيسي"
لكن، يقول الباحث الإيراني تريتا بارسي، إنه في الواقع يمتلك المرشد الأعلى سيطرة أقل بكثير على الانتخابات مما يُعتقد شعبيًا، موضحًا أن هناك صانع ملوك في الانتخابات الإيرانية وهو ليس خامنئي، وإنما منافسه الإصلاحي الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي يحمل تأييده الثقل الأكبر.
يشير بارسي في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إلى أنه على الرغم من السلطات التي لا حد لها تقريبًا التي يتمتع بها خامنئي، إلا أن السجل التاريخي واضح، فالتصويت المناهض للمؤسسة الحاكمة يميل إلى الهيمنة على الانتخابات الإيرانية، وبما أن خامنئي يرمز للمؤسسة، يميل الناخبون الإيرانيون إلى رفض المرشحين الذين يعتقدون أنهم يحصلون على دعمه.
في 1997، كان ثمة افتراض بأن خامنئي يفضل "علي أكبر ناطق نوري"، المتحدث باسم مجلس الشورى الإيراني، ما دفع العديد للظن بأنه سيفوز بالرئاسة، لكن في المقابل أذهل الشعب الإيراني العالم -وخامنئي- بدعم مرشح إصلاحي غير معروف إلى حد كبير، ألا وهو خاتمي.
بعد ذلك بـ8 سنوات، هزم مرشح غير معروف أيضًا وهو محمد أحمدي نجاد الشخص المفترض أنه المفضل بالنسبة لخامنئي، وهو الراحل عليّ أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يُعتبر ركنًا من أركان النظام الثوري، لكن على وجه التحديد لأنه كان يُنظر إلى رفسنجاني على أنه تجسيد للمؤسسة، ذهب التصويت المناهض للمؤسسة إلى نجاد.
وبحلول الانتخابات التالية في عام 2009، انقلب دور نجاد، فبينما تمتع بدعم خامنئي عاد رئيس الوزراء الأسبق "مير حسين موسوي" إلى الظهور بعد مرور أكثر من عقدين من النفي السياسي الداخلي، وكان يعتبره الناخبون المرشح المناهض للمؤسسة.
لكن عندما أُعلنت النتائج، فاز نجاد بنسبة 62.6% من الأصوات، بينما حصل موسوي على 34% فقط، ما أدى إلى خروج رقم قياسي من الناس للاحتجاج في الشوارع، واصفين التصويت بأنه مضلل، مؤكدين وقوع عمليات تزوير واسعة.
استمر نمط التصويت المناهض للنخبة في انتخابات 2013، فكان ثمة اعتقاد واسع النطاق بأن كبير المفاوضين النوويين السابق سعيد جليلي هو مرشح خامنئي في السباق، لكن بعد فرز الأصوات فاز جليلي بنسبة 11.31% فقط، وكان ذلك رفضا ضخما لمعالجة جليلي للمحادثات النووية ورفضا ضخما لخامنئي نفسه.
على الرغم من أن البعض رأى أن الرئيس الإيراني الفائز وقتها حسن روحاني ما كان سيفوز إلا بدعم خامنئي، يقول الباحث الإيراني تريتا بارسي إن هذه وجهة نظر تآمرية تقريبًا للسياسة الإيرانية تفترض أن أي شيء يحدث بسبب رغبة خامنئي في حدوثه، إلا أن الحكومة الأمريكية خلصت إلى أن خامنئي والمتشددين الآخرين افتقروا ببساطة إلى القدرة على تغيير نتائج الانتخابات.
يقول بارسي إن روحاني فاز على الرغم من أنه من داخل النظام، ويعتبر بالكاد شخصية مناهضة للمؤسسة، لكن كان يُنظر إليه على أنه المرشح المناهض للمؤسسة، لأنه حصل على تأييد الرئيسين الأسبقين رفسنجاني وخاتمي، اللذين كانا اكتسبا آنذاك الوضع المناهض للمؤسسة بعد دعمهما للحركة الخضراء في 2009.
في ذلك الوقت، كان التصويت المحافظ منقسما بين 6 مرشحين، ما دفع روحاني للتفكير في أنه سيكون قادرًا على الحصول على أصوات الإصلاحيين والمناهضين للمؤسسة بالكامل من خلال الحصول على دعم الحركة الإصلاحية.
مع ذلك، تطلب ذلك انسحاب الإصلاحي نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف من السباق ودعم روحاني، وكان خاتمي هو الشخص الوحيد الذي بإمكانه إقناع عارف بهذا الأمر، وكان هناك شخص واحد فقط بإمكانه إقناع خاتمي لدفع نائبه السابق على ترك السباق وهو رفسنجاني، وهذا ما فعله.
ما حدث بعد ذلك، وفقًا لمصادر مقربة من روحاني وخاتمي، أنه قبل أسبوع من يوم الانتخابات، أرسل خاتمي مذكرة مكتوبة بخط اليد إلى عارف أتبعها بمكالمة هاتفية مطولة لحثه على الانسحاب، لكن على الرغم من جهود خاتمي رفض عارف ذلك، لكن عند نهاية المكالمة تمكن خاتمي من الحصول على تعهد واحد فقط من عارف وهو أنه سيفكر في الأمر.
وفي اليوم التالي، قرر عارف بمرارة أنه سيكون من أجل الصالح الأكبر سحب ترشحه، وفي منشور على فيسبوك أعلن تخليه لصالح روحاني، فقال عارف إنه بالأخذ في عين الاعتبار رأي خاتمي الصريح وتجارب اثنين من الانتخابات الرئاسية السابقتين أعلن انسحابي من الحملة الانتخابية.
مع ذلك، كان روحاني متأخرا كثيرًا عن منافسيه المحافظين قبل 4 أيام فقط من الانتخابات، فكان في المركز الرابع حسب استطلاعات الرأي بينما كان عمدة طهران محمد قاليباف يمتلك ما يبدو أنه تقدم لا يمكن التغلب عليه.
من جانبهما، أدرك رفسنجاني وخاتمي أن المتشددين في إيران يميلون للفوز في الانتخابات إما عندما يمارسون الغش أو عندما يقنعون الشعب أن أصواتهم لن يكون لها أهمية، ومن ثم سرعان ما أنشأ الثنائي حملة لدفع الناس للذهاب والتصويت.
من خلال لقطات فيديو على يوتيوب مسجلة مسبقًا سرعان ما انتشرت، سعى الثنائي لإقناع الناس على الذهاب إلى الانتخابات على الرغم من التزوير الذي حدث قبل 4 سنوات.
بمجرد ظهور فيديوهات رفسنجاني وخاتمي تغير كل شيء، فخلال يوم واحد ارتفعت نسبة روحاني من 14.4% إلى 26.6%، بينما بدأ قاليباف في خسارة التأييد، وبين عشية وضحاها اختفى تقدم قاليباف، وخلال اليومين التاليين ارتفع تأييد روحاني ارتفاعًا سريعًا وعاليًا، ليصل إلى 38% في اليوم السابق للانتخابات.
كان هذا تحولًا ملحوظًا للأحداث، فقبل 5 أيام فقط من الانتخابات، كان روحاني غير متأكد من أنه سيتمكن من الحصول على أكثر من 10% من الأصوات، وفقًا لأحد مستشاريه، وبفضل جهود رفسنجاني وخاتمي أصبح المرشح الأوفر حظًا بين عشية وضحاها.
هناك درسان مهمان يمكن استخلاصهما من هذه الأحداث، أولهما أنه بسبب تجسيد خامنئي للمؤسسة فليس تأييده هو المهم وإنما تأييد الشخصيات المناهضة للمؤسسة التي تحظى بالاحترام والتي على الرغم من تهميشها إلا أنها لا تزال تحظى بوصول لا مثيل له داخل المجتمع الإيراني.
في الوقت الحالي يعتبر خاتمي هو هذه الشخصية التي تمكنت من الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للتحايل على تعتيم إعلام الحكومة عليه منذ 2009.
أما الدرس الثاني، فيكمن في أنه على الرغم من التدقيق غير الديمقراطي العميق للمرشحين قبل الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني، إلا أن الانتخابات الإيرانية لا يمكن التنبؤ بها بدرجة هائلة.
على الرغم من أنه لا يُسمح سوى للمرشحين الموالين للنظام الديني الإيراني بالترشح، تمكن المرشحون الذين يتبنون نهجًا مختلفًا تماما عن المرشحين المفضلين لخامنئي من المرور بنجاح من عملية الفرز.