"الكرملين".. قلعة الـ800 عام ما بين أمير وقيصر ورئيس
على مدى 8 عقود تداول على هذا الحصن التاريخي ومقر الحكم أنظمة سياسية مختلفة، رغم تباينها إلا أنها تميزت بالإضافات المستمرة لتراثه وكنوزه
من فوق تل "بوروفيتسكي"، على ارتفاع 25 م، يطل قصر الكرملين، مقر الحكم الروسي، على نهر موسكوفا، راويا مع كل إشراقة شمس فصلا جديدا من فصول تاريخه وتوسعاته التي استغرقت 850 عاما.
فأعلى هذا التل أنشأ الأمير يوري دولجوروكي عام 1156 قلعة، تحولت في عهد الأمير إيفان كاليتا إلى مقر للأمراء، وتوسع البناء حولها، وتحول من بيوت الخشب إلى بيوت من الحجارة البيضاء، ثم ظهرت كاتدرائية "أوسبينسكي"، لترتسم رويدا رويدا ملامح مدينة موسكو.
وبحلول القرن الـ15 الميلادي بات في موسكو كل المؤسسات والأشكال العمرانية التي ترفعها لمصاف العواصم، وفق ما ورد في تقرير لقناة "روسيا اليوم".
أما اسم الكرملين، فيرجع إلى عام 1331، وهو يعني الحصن أو القلعة.
وترك الأمير إيفان كاليتا ورائه تركة مهمة، فإلى جانب الأراضي، ترك عددا من الأوشحة وقلنسوة ذهبية، معروفة باسم قلنسوة "مونوماخ"، باتوا من رموز قياصرة روسيا فيما بعد، حينما تحولت إلى دولة كبرى.
تعرض الكرملين لحريق كبير في 1365، وأمر الأمير إيفان الثالث باستدعاء معمارين روس وإيطاليين لإنشاء مبانيه، بما يدمج بين عمارة البلدين.
الساحة الحمراء
ويحيط بالكرملين عدة كاتدرائيات، منها كاتدرائية "بلاجوفيشينسكي" (البشارة)، و"أوسبينسكي"، فيم تمتد أمامه ساحة شاسعة للااحتفالات والمراسم، والمعروفة باسم "الساحة الحمراء"، بعرض 70 مترا وطول 330 مترا.
وتوجد في الساحة الحمراء منصة الإعدام، وتمثال لبطلي روسيا كوزما مينين ودميتري بوجارسكي اللذين شاركا في تحرير موسكو من المحتل البولندي في القرن الـ 17.
كما تضم ضريح فلاديمير لينين، أول رئيس للاتحاد السوفيتي الذي قام على أنقاض روسيا القيصرية بثورة أكتوبر/تشرين الأول 1917.
وهذا الضريح مدفون به أيضا عدد من أبرز السياسيين والعسكريين السوفيت، إضافة لعدد من الشيوعيين الأجانب الموالين للاتحاد السوفيتي.
وفي تلك الساحة تقام الاستعراضات العسكرية والمسيرات الشعبية واحتفالات النصر على النازية الألمانية.
ظهور القيصر
في عام 1547، حصل الأمير إيفان الرابع على لقب القيصر، وتردد بين جنبات الكرملين، معلنا عن قيام دولة كبيرة.
وتقلد القيصر الأول قلنسوة مونوماخ، وهي منسوبة للأمير فلاديمير مونوماخ، الذي عاش ما بين القرنين الـ 11 و12 الميلاديين، وحقق انتصارات عظيمة للروس ضد التشيك والترك الرحل.
وعلى هذا الأساس زاد الاهتمام بتشكل أجهزة السلطة المركزية، وأضيف للكرملين أقسام جديدة ليكون مركز الإدارة، ومنها هيئة السفراء.
وفي عهد القيصر فيودور نجل إيفان الرابع تأسست البطريركية الأرثوذكسية لتكون هي الكنيسة الرئيسية للبلاد، كأحد أبزر المعالم على الحكم المركزي.
ودار رئيس الكنيسة الأرثوذكسية ملحق بالكرملين، وتحتل المرتبة الثانية في الأهمية بعد مقر إقامة القيصر.
تحديث الكرملين
ومع حلول القرن الـ19 بدأت مظاهر الحياة الحديثة تزحف إلى المباني العتيقة في الكرملين، فقد أمر نيكولاي الأول بإنشاء مجمع حديث للقصور المشيدة على النمط الروسي وضمها إلى الكرملين، وإنشاء فندق، ومتحف للأسلحة.
في عام 1935 بدأ يبزغ رمز النجوم الروسية فوق الكرملين، حيث جرى تفكيك النسور الأربعة التي كانت منصوبة على أبراج القصر، لتحل محلها النجوم الخماسية الحمراء المصنوعة من الياقوت، وبتقنية تجعلها مضيئة.
المتحف
وشهد عام 1961 إنشاء قصر المؤتمرات الذي تنعقد فيه مؤتمرات الحزب الشيوعي الحاكم وقتها والمؤتمرات والمنتديات الدولية.
ونظرا لما يضمه من تراث، انضم الكرملين عام 1990 إلى قائمة التراث الثقافي والطبيعي الدولي التابعة لمنظمة اليونسكو.
ويضم متحف الكرملين رموز السلطة الروسية وعروش القياصرة والأسلحة القديمة والأواني الفخارية العريقة وغنائم الحروب مثل موقعة بولتافيا التي وقعت عام 1709.
برج الأجراس
الأبراج من أبرز معالم الكرملين كذلك، وهي مشيدة في القرن الـ15، ودفعت السياح الأجانب لإطلاق مسمى "القصور" عليها.
وبرج الأجراس مكون من 3 طوابق، مؤلفة من طبقات مثمنة الزوايا، في كل زاوية شرفة ورواق تنصب فيهما الأجراس التي يصل عددها إلى 21 جرسا، أكبرها يزن 70 طنا.
الكنوز المدفونة
وفي عام 2014 فتح الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين فرصة تاريخية أمام علماء الآثار لاكتشاف الكنوز المدفونة تحت بعض أبنية الكرملين الذي كان معظم فتراته مغلقا أمام عمليات التنقيب.
فقد أمر بوتين بهدم مبنى يسمى المبنى 14، وهو المبنى الذي يتوقع أثريون أنه يضم أسفله رفات الكثير من العظماء الذين سكنوا الكرملين أو عاشوا في في فترة تاريخية سابقة.
وقال نيكولاي ماكاروف مدير معهد علوم الآثار في موسكو أثناء زيارته للموقع إن الكرملين "يضم ألغازا كثيرة".