السعودية وتركيا.. أردوغان نحو "خطوة ملموسة" لإعادة زخم العلاقات
يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية، اليوم الخميس، في زيارة تتوج تطورات إيجابية بين البلدين على طريق إعادة العلاقات إلى سابق عهدها.
وتعد الزيارة هي الأولى لأردوغان للمملكة منذ عام 2017، بعد فترة فتور في العلاقات بين البلدين استمر عدة سنوات، بسب خلافات في عدة ملفات.
وتتناغم زيارة أردوغان مع خطوات تركية بدأت في الأشهر الأخيرة، للعودة إلى قاعدة تصفير المشاكل مع دول المنطقة، في التوجه الدبلوماسي لأنقرة، التي رأت أن يد التقارب حان لها أن تمد لدول الخليج خاصة دولة الإمارات والسعودية.
وخلال الفترة الماضية، كثفت تركيا تقديم رسائل إيجابية للسعودية على طريق إعادة تصويب مسار قطار العلاقات بين البلدين إلى طريقه الصحيح.
وذكرت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية في بيان، أن أردوغان سيجري خلال زيارته التي تستغرق يومين مباحثات لتعزيز العلاقات الثنائية من جميع جوانبها ومناقشة فرص تطوير التعاون.
ويرتقب أن يتم خلال تلك الزيارة وضع أسس وقواعد لبدء مرحلة جديدة تعيد الشراكة والعلاقات الواعدة بين البلدين إلى سابق عهدها، بما يصب في صالح دعم أمن واستقرار المنطقة وتحقيق ازدهار وتنمية البلدين.
مرحلة ازدهار
ومرت العلاقات بين السعودية وتركيا بمراحل عدة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
فقد شهدت علاقات البلدين "نقلة نوعية"، منذ تولي أردوغان الرئاسة في 28 أغسطس/آب 2014، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حكم المملكة في 23 يناير/كانون الثاني 2015، واستمرت تلك الفترة حتى عام 2017.
وخلال تلك الفترة القصيرة تم عقد 10 قمم بين قادة البلدين، كان آخرها في يوليو/تموز 2017 .
تم خلال تلك القمم الاتفاق على مجلس تنسيق مشترك بين البلدين لتعزيز التعاون، وعقد بالفعل دورته الأولى، في العاصمة التركية أنقرة يومي 7 و8 شباط/فبراير 2017.
ويفسر هذا العدد الكبير من القمم خلال تلك الفترة القصيرة، حجم وقوة العلاقات بين البلدين، وحرص الجانبين على التنسيق المتواصل.
وانعكس ذلك على مناحي العلاقات بين البلدين، بما فيها السياسي والدبلوماسي، والعسكري، والاقتصادي.
مرحلة توتر
ومع منتصف 2017، بدأت العلاقات تتوتر بين البلدين بسبب عدد من الملفات، ووصل هذا الخلاف ذروته، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقحي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ورغم تعامل السعودية بشفافية مطلقة مع القضية، إلا أن تعامل أنقرة مع القضية ومحاولة استغلالها سياسيا على خلفية التوتر الجاري في العلاقات بين البلدين، ساهم في زيادة تعميق الخلاف.
ومنذ البداية كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حريصا على عدم تعميق الخلافات بين البلدين، وأرسل رسائل إيجابية عبر تصريحات له في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أكد خلالها أن هناك مَن يحاول استغلال حادث خاشقجي لإحداث شرخ بين السعودية وتركيا، مبيناً أن هذا الشرخ لن يحدث، ما دام هناك ملك اسمه سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهد اسمه محمد بن سلمان، ورئيس في تركيا اسمه أردوغان.
وفي 7 سبتمبر/أيلول 2020، صدرت أحكام نهائية بلغ مجموعها 124 سنة تجاه المتهمين بمقتل خاشقجي.
أحكام قطعت بموجبها السعودية الطريق أمام كل محاولات الابتزاز والتحريض وحملات الافتراء الممنهجة، وأفشلت محاولات تسييس القضية بغرض استهدافها.
كما أثبتت الرياض للعالم كله مدى نزاهة واستقلالية قضائها ومصداقيتها في كشفها للحقائق ومعاقبة المدانين وحرصها الدائم على مواطنيها داخل وخارج البلاد.
وجاءت الأحكام بالسجن بعد إنهاء الحق الخاص بالتنازل الشرعي لذوي القتيل، وذلك بإعلان أبناء خاشقجي، في 22 مايو/أيار من العام نفسه، العفو عن قتلة أبيهم ابتغاء وجه الله.
والمتتبع لتلك القضية منذ بدايتها وحتى صدور الأحكام النهائية، يتبين له بشكل جلي مدى تمسك القيادة السعودية بالقيم والمبادئ التي ترسخ تطبيق القانون والعدالة.
فمنذ اللحظات الأولى، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أوامر ملكية بإعفاء عدد من المسؤولين من مناصبهم، على خلفية قضية خاشقجي، كما تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بمحاسبة القتلة وتقديمهم للعدالة.
رسائل إيجابية
وضمن جهود عدة قامت بها تركيا خلال الفترة الماضية، لإعادة العلاقات مع المملكة إلى سابق عهدها، وفي خطوة تطوي صفحة خاشقجي نهائيا قضت محكمة تركية في 7 أبريل/نيسان الجاري، بوقف محاكمة السعوديين المشتبه بهم في قضية مقتله، وإحالتها إلى السعودية.
خطوة استبقها أردوغان، بتصريحات له في 22 فبراير/شباط الماضي، أكد فيها حرصه على تعزيز العلاقات مع السعودية.
وقال أردوغان في تصريحات صحفية: "نريد تعزيز علاقاتنا مع السعودية أيضا، ونرغب في دفع حوارنا الإيجابي معها قدما بخطوات ملموسة في الفترة المقبلة".
ومضى في حديثه حينها: "نواصل حوارنا الإيجابي مع السعودية. نريد أن نواصل من خلال اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة. نريد تطوير العملية في اتجاه إيجابي".
رسائل بعد شهر من تصريحات مماثلة أعلن فيها عزمه زيارة السعودية.
وعلى طريق تحسين تلك العلاقات، التقى الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي، 22 مارس/آذار الماضي، بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وذلك على هامش أعمال الدورة الـ48 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي التي تستضيفها عاصمة جمهورية باكستان الإسلامية إسلام آباد.
وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين، بالإضافة إلى مناقشة أبرز المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وكان اللقاء ضمن عدة لقاءات جمعت الوزير خلال الفترة الماضية في مناسبات عدة، أحدها جرى خلال زيارة الوزير التركي للمملكة في 11 مايو/أيار الماضي.
ليس ببعيد عن ملف تطور العلاقات بين السعودية وتركيا، تطور العلاقات بين الإمارات وتركيا، والذي توج بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات، فبراير/شباط الماضي، في زيارة تاريخية تأتي بعد 3 أشهر من الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية لتركيا، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعلى طريق تحسين العلاقات في مختلف جوانبها، ارتفعت واردات المملكة من تركيا بنسبة 2.8 بالمئة خلال أول شهرين من 2022، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي.
وبلغت قيمة الواردات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، 71.3 مليون ريال (19 مليون دولار) مقابل 69.4 مليون ريال (18.5 مليون دولار) في الفترة المناظرة من 2021.
يأتي ذلك، بعد أن تراجعت واردات المملكة من تركيا في 2021 بنسبة 62.3 بالمئة، إلى 3.32 مليارات ريال (886 مليون دولار) مقابل 8.82 مليارات ريال في 2020.
تطورات إيجابية على أكثر من صعيد، وفي أكثر من اتجاه يتوقع أن تسهم في إعادة العلاقات بين البلدين، إلى مرحلة ازدهار جديدة، في خطوة ستجني ثمارها المنطقة والعالم أجمع، نظرا للثقل الذي يمثله البلدان.