«كونال شاه».. فيلسوف مومباي الذي علم الهنود لغة المال والذكاء
لو أخبرك أحد أن طالب فلسفة من مومباي سيبيع شركته يوما ما مقابل 400 مليون دولار، ثم يؤسس أخرى تتجاوز قيمتها 6 مليارات دولار، لاعتقدت أن القصة من نسج الخيال.
لكنها ليست كذلك؛ فهي حكاية كونال شاه، الشاب الذي خرج عن المسار التقليدي في بلاده — لم يدرس الهندسة، ولم يولد في أسرة ثرية، ولم يملك شبكة علاقات — لكنه امتلك ما هو أثمن من ذلك: قدرة استثنائية على فهم الناس وسلوكهم.
يستخدم ملايين الهنود اليوم تطبيقاته لإعادة شحن هواتفهم وسداد فواتير بطاقاتهم الائتمانية، بينما يلجأ عشرات رواد الأعمال الناشئين إلى مشورته. وتدعمه أكثر من 200 شركة بتمويلها وتوجيهاتها، ليصبح بذلك نموذجًا لرجل عادي من مومباي غيّر طريقة تفكير أمة بأكملها في المال والثقة.
يُلاحظ اليوم أن أنجح رواد الأعمال الهنود من الجيل الجديد التحقوا بالمعهد الهندي للتكنولوجيا أو بكليات هندسة مرموقة، وكانت لديهم علاقات ومعارف مع مستثمرين، وساروا جميعًا على النهج ذاته.
أما كونال شاه فكانت خلفيته مختلفة تمامًا، وهو ما يُعد السبب الرئيسي وراء نجاحه الفريد.
وُلد ونشأ في مومباي، ولم يكن في عائلته رجال أعمال أو أصحاب شركات، بل كانت عائلة متوسطة الحال تؤمن بالعمل الجاد للحصول على وظيفة مستقرة.
لكن عندما حان وقت اختيار التخصص الجامعي، اتخذ كونال قرارًا غير مألوف، فبينما اختار أصدقاؤه الهندسة أو التجارة، قرر هو دراسة الفلسفة في كلية ويلسون بمومباي.
ربما ظنّ أفراد عائلته أنه فقد صوابه، لكنه لم يكن يسعى لوظيفة عادية، بل كان يريد أن يفهم لماذا يفعل الناس ما يفعلونه. كانت الأسئلة الكبرى تشغله أكثر من دراسة كيفية بناء الجسور أو موازنة دفاتر الحسابات.
بعد تخرجه، صُدم بواقع قاسٍ: لا أحد يوظّف خريجي الفلسفة، ولا يوجد طريق مهني واضح أمامه. لذلك قرر الالتحاق ببرنامج ماجستير إدارة الأعمال في معهد نارسي مونجي للدراسات الإدارية.
غير أنه سرعان ما شعر بالملل من دراسة نظريات قديمة ودراسات حالة لا تمتّ للعالم الحقيقي بصلة، فاستقال وترك البرنامج دون إكماله، رغم نصائح الجميع بعدم فعل ذلك.
أدرك كونال أنه لا يريد أن يتعلّم كيف صنع الآخرون النجاح، بل أن يصنعه بنفسه. فعمل مبرمجًا، وهناك تعلّم كيف تعمل التكنولوجيا فعليًا، من خلال تطوير برمجيات يستخدمها الناس في حياتهم اليومية.
ثم جاءت نقطة التحول الكبرى حين التحق بشركة تُدير برامج الولاء للمتسوقين. كانت طبيعة العمل تبدو مملة في ظاهرها، لكنها كشفت له شيئًا جوهريًا عن سلوك البشر:
لقد لاحظ كيف يغيّر الناس عاداتهم الشرائية بالكامل لمجرد الحصول على بضع نقاط مكافأة، وكيف يشترون أشياء لا يحتاجونها فقط ليشعروا بالتميز.
كانت تلك الملاحظة البسيطة هي البذرة الأولى وراء نجاح شركتيه اللاحقتين FreeCharge وCRED.
وبحلول عام 2010، قرر كونال أنه آن الأوان ليبتكر شيئًا خاصًا به. تعاون مع صديقه سانديب تاندون، وقاما معًا بالبحث عن مشكلة يومية يعاني منها ملايين الهنود.
لم يستغرق الأمر طويلًا لاكتشافها: إعادة شحن الهواتف المحمولة كانت تجربة مزعجة للجميع — الانتظار في الطوابير، والتعامل مع أصحاب المتاجر الغاضبين، والأخطاء المتكررة في الرصيد.
ومن هنا وُلِدت فكرة FreeCharge عام 2010، حيث طرح كونال سؤالاً بسيطًا: ماذا لو تمكّن الناس من شحن هواتفهم في أي مكان خلال ثوانٍ، ويحصلون في الوقت ذاته على مكافأة مقابل ذلك؟
جاء الحل عبقريًا في بساطته: تطبيق يُتيح شحن الهاتف المحمول بسرعة، مع تقديم قسائم تسوق كاسترداد نقدي يمكن استخدامها في المتاجر الكبرى.
حوّلت هذه التجربة مهمة مملة إلى متعة، ووفّرت وقت المستخدمين، وتجنّبت الأخطاء، بل منحتهم شعورًا إيجابيًا بالمكافأة والتميز.