مسار القضية الكردية ومعه مسار معظم مشاكل أقلّيات تركيا تغير مع تمكّن حزب "الشعوب الديمقراطي" من تجاوز حد التمثيل البرلماني
تغيّر مسار القضية الكُردية ومعه مسار معظم مشاكل أقلّيات تركيا مع تمكّن حزب "الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد من تجاوز حدّ التمثيل البرلماني في الانتخابات النيابية التي شهدتها تركيا في حزيران/يونيو عام 2015 ودخوله إلى البرلمان التركي بعد ذلك كأولِ حزبٍ يمثّلُ مؤسسيه الأكراد والأتراك والعرب والعلويين والسريان والأرمن وغيرهم من أقليات البلاد.
وأنهى حينها هذا الحزب الموالي للأكراد والذي حصل على 80 مقعداً من أصل 550 في البرلمان التركي، تفرّد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بالسلطة لسنوات، فقد منع فوزه الكبير آنذاك في تلك الانتخابات، الحزب الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تشكيل الحكومة بمفرده، فأرغمه على التحالف مع حزب "الحركة القومّية" والذي يترأسه دولت بهّجلي بعدما أعاد تلك الانتخابات مرّة أخرى وسحب عدداً من مقاعد البرلمان من حزب "الشعوب الديمقراطي" نتيجة ذلك.
الفائزون برئاسة البلديات من أعضاء حزب "الشعوب الديمقراطي" كانوا قد حصلوا قبل فوزهم على موافقة "اللجنة العليا للانتخابات" بالمشاركة في خوضها، وهذا يعني أن الحكومة لم تعترض على ذلك، فكيف يتحوّلون هكذا بشكلٍ مفاجئ إلى إرهابيين بعد فوزهم رغم تمتعهم بكامل حقوقهم المدنية
وقبل إعادة تلك الانتخابات بعد إصرار أردوغان على ذلك، شكّل دخول حزب "الشعوب الديمقراطي" إلى البرلمان، عائقاً كبيراً أمامه في تشكيل الحكومة، فشهدت تركيا نتيجة ذلك لأول مرة في تاريخها "حكومة مؤقتة" شارك فيها وزيران من الحزب الموالي للأكراد، لكنهما استقالا منها رفضاً لإعلان الجيش التركي آنذاك عن شنِّ هجومٍ عسكري على المقاتلين الأكراد داخل تركيا وخارجها في سوريا والعراق.
وتمكّن كذلك هذا الحزب الموالي للأكراد من فرضِ نفسه بقوّة خاصة مع صعود نجم رئيسه المشترك السابق صلاح الدين دميرتاش في السياسّة التركية كخصمٍ لأردوغان، لكن الأخير قطع الطريق أمامه واتهّمه بـ"الإرهاب"، وعلى إثر ذلك يقبع دميرتاش خلف القضبان منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم تطلق السلطات التركية سراحه رغم إسقاط القضاء العام التهمة الرئيسية عنه، وكذلك تقبع معه في السجن منذ ذلك الحين، فيغان يوكسك داغ، وهي الرئيسة المشتركة السابقة للحزب ذاته مع دميرتاش.
ويؤكد اعتقال يوكسك داغ مع دميرتاش بعد صعود نجم الأخير في السياسة التركية وإعادة تلك الانتخابات بعد الفوز الكبير لحزبهما، مخاوف أردوغان من هذا الحزب الذي تأسس في عام 2012، سيما وأن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تلا ذلك اعتقال السلطات التركية، الآلاف من أنصاره ومن ثم عزل رؤساء بلدياته مع اعتقال عددٍ منهم إلى جانب أبرز نوابه في البرلمان رغم تمتّعهم بالحصانة النيابية.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نوجّه عدّة اسئلة لمنْ هم في مراكز القرار التركي، وعلى سبيل المثال، كيف يقوم أحدهم بتقدّيم طلب ترشّح للبرلمان أو لرئاسة البلديات وهو "إرهابي"؟ وكيف توافق السلطات التركية على ذلك؟ وهل هناك أدلة تثبت صحة هذه التهم؟
فالفائزون برئاسة البلديات من أعضاء حزب "الشعوب الديمقراطي" كانوا قد حصلوا قبل فوزهم على موافقة "اللجنة العليا للانتخابات" بالمشاركة في خوضها، وهذا يعني أن الحكومة لم تعترض على ذلك، فكيف يتحوّلون هكذا بشكلٍ مفاجئ إلى إرهابيين بعد فوزهم رغم تمتعهم بكامل حقوقهم المدنية وعدم وجود دعاوى قضائية ضدهم؟ وكذلك الأمر بالنسبة للنواب الذين اُعتقِلوا، ألم توافق الحكومة على مشاركتهم في خوض تلك الانتخابات البرلمانية؟
وبالإضافة لما سبق، لم توقّف الحكومة التركية حملتها الأمنية الكبيرة ضد معارضيها بشكلٍ عام والأكراد وحلفائهم على وجه الخصوص، حتى باتت صورة لزعيمٍ كُردي تقودهم إلى السجن في عمومِ البلاد رغم أنهم لا يرفعون السلاح في وجه السلطات التركية.
ويمكننا كذلك هنا أن نوجّه سؤالاً آخر لأصحاب القرار التركي، وهو: ما هي الطريقة الأنسب التي يمكن للأكراد من خلالها الحصول على حقوقهم مع حلفائهم من أقليات تركيا، فهم "إرهابيون" حين يحملون السلاح، ولا أقصد هنا تحديداً حزب "العُمال الكردستاني"، فالثورات الكُردية المسلّحة في تركيا تكاد لا تُعد ولا تحصى.
لكن هؤلاء الأكراد، كذلك هم "إرهابيون" حين يدعون إلى السلام والمساواة والديمقراطية، وهذه مطالب ينادي بها حزب "الشعوب الديمقراطي" منذ تأسيسه، لذلك يمكننا القول إن الأكراد لدى تركيا وحكوماتها، هم "إرهابيون" في كلّ الحالات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة