كورتس وإخوان النمسا.. فرحة التنحي يفسدها رفيق المستشار
على عكس ما يتمنى التنظيم الإرهابي، لن يتأثر مسار مكافحة الإخوان في النمسا باستقالة المستشار سيباستيان كورتس، بل من المرجح أن يزداد قوة.
وأمس السبت، أعلن كورتس تنحيه عن منصبه في أعقاب ضغوط تعرّض لها إثر اتهامات فساد.
وقال في بيان متلفز، إنه يريد "ترك مساحة" لضمان "حكومة مستقرة" في بلاده، مشيرا إلى أنه يختار وزير الخارجية ألكسندر شالينبيرغ خلفا له.
وأضاف المستشار المحافظ البالغ من العمر 35 عاما "نحتاج إلى الاستقرار"، والسماح بـ"انزلاق النمسا في الفوضى أو وصولها إلى طريق مسدود على مدى شهور سيكون تصرفا غير مسؤول" في وقت تكافح فيه البلاد وباء كورونا.
لكن استقالة كورتس يصفها مراقبون بـ"التراجع التكتيكي"، فالمستشار الشاب أراد الحفاظ على حكومته بنفس توجهاتها، والبقاء في موقع قوي في المشهد السياسي، حتى إصدار القضاء قراره النهائي في قضية الفساد المتورط بها، ومن ثم العودة مجددا لصدارة المشهد.
خطوة كورتس التكتيكية، تضمن له ترأس الحزب الحاكم وكتلته البرلمانية، والبقاء كعنصر قوة في الحكومة لكن دون منصب تنفيذي، وفق تقارير صحفية نمساوية طالعتها "العين الإخبارية".
لا تغيير في ملف الإخوان
وخلال الأعوام الماضية، حققت حكومتان قادهما كورتس نجاحات كبيرة في ملف مكافحة الإخوان الإرهابية، بداية من حظر رموز وشعارات التنظيم بالكامل، وتأسيس مركز لتوثيق أنشطته ومراقبة تحركاته، وأخيرا مداهمات الشرطة على أهداف ومقرات تابعة له في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبذلك، وضعت الحكومتان أساسا قويا لمسار مستمر لمكافحة الجماعة الإرهابية، وحولت ملفها إلى القضاء، مع تدشين مركز حكومي قائم وقوي لمراقبتها.
وبصفة عامة، لن يقود تراجع كورتس إلى منصب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الحاكم إلى أي تغيير في ملف مكافحة الإخوان، بل من المرجح أن يدفع المسار قدما بشكل أكبر، لعدة أسباب.
الأول؛ أن تحقيقات ملف الإخوان ليست سياسية، وإنما تحقيقات قضائية يقودها الادعاء العام في مدينة جراتس باستقلالية تامة عن الحكومة، ويتمسك باستمرار، وفق ما أكده هانز يورغ بيخر، المسؤول الإعلامي في مكتب الادعاء العام لـ"العين الإخبارية" ومجلة أكسبريس النمساوية في وقت سابق.
الثاني: تلقت جماعة الإخوان ضربة قوية في الأيام الماضية، بعد أن قررت محكمة جراتس الإقليمية رفض دعاوى قدمها محامو المشتبه بهم في ملف الجماعة، لاستبعاد خبيرين كتبا التقرير الرئيسي الذي أفضى إلى مداهمات نوفمبر الماضي.
قرار المحكمة ثبّت الخبيرين اللذين يتخوف الإخوان منهما، هايكو هاينش ونينا شوتس، كخبيرين رئيسيين في التحقيقات والمحاكمة المنتظرة، ومنح دفعة قانونية قوية لتحقيقات المدعي العام الجارية حاليا، وبالتالي بات مسار التحقيقات مدعوما بحكم محكمة، ولن يتأثر برحيل رأس السلطة.
الثالث: جميع الوزراء الرئيسيين في مسار مكافحة الإخوان كوزيرة الاندماج سوزان راب، ووزير الداخلية كارل نيهامر، باقون في مناصبهم، ولا شيء تغير في الملف الذي يعملون عليه بقوة منذ توليهم مناصبهم في ٢٠١٩.
الرابع: مكافحة تيارات الإسلام السياسي بكل الوسائل القانونية، هدف أساسي منصوص عليه في اتفاقية الائتلاف الحاكم، الذي رسخ أقدامه وعبر الأزمة برحيل كورتس، ومن المقرر بقاؤه في السلطة حتى نهاية عام 2023، وبالتالي فإن مسار مواجهة الإخوان هو سياسة حكومية وليس موقف فرد واحد.
الخامس، كورتس لم يخرج من المشهد نهائيا، وإنما يبقى العنصر الأكثر تأثيرا في السياسة في النمسا، ببقائه رئيسا للحزب الحاكم ورئيسا لكتلته البرلمانية، وينتقل إلى لعب دور تشريعي رئيسي في الفترة المقبلة، ما يعني أن ملف مكافحة الإخوان من المرجح أن يشهد ازدهارا كبيرا في السلطة التشريعية في الفترة المقبلة.
السادس، المستشار الجديد شالينبيرغ مقرب من كورتس، والرجلان معروفان بتوافقهما السياسي إلى درجة كبيرة، فلن يكون هناك تغيير في الأفكار والسياسيات في المستشارية النمساوية في الفترة المقبلة عن مرحلة كورتس، وفق تقارير نمساوية.
ومنذ ٢٠١٩، تحظر النمسا رموز وشعارات وأعلام جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية مثل الذئاب الرمادية، ما يمنع بالفعل تداول شعار الإخوان الأساسي المكون من سيفين وكلمة "وأعدوا" في النمسا.
ووفق مراقبين، فإن النمسا تمضي بخطى ثابتة في طريق إنهاء وجود الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية على أراضيها، وتحاصر التنظيمات المتطرفة بكل قوة في الوقت الحالي.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMTMg جزيرة ام اند امز