نقص الدعم الحكومي عقبة أمام إعادة تأهيل الأطفال ضحايا داعش في العراق
سكينة محمد تقول إنها قامت بتسليم المئات من الأطفال لدار الأيتام بعد حصولها على موافقات رسمية.
خلفت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل بمحافظة نينوى العراقية ومعارك تحريرها، حسب إحصائيات رسمية صادرة عن قسم المرأة والطفل، أكثر من ١٧ ألف طفل من الأيتام من ضمنهم أطفال مسلحي التنظيم القتلى، موزعين على مخيمات النازحين ودور الأيتام، بينما يشكل الأطفال مجهولي النسب قسما آخر منهم، والبقية هم أطفال المدنيين وعناصر القوات الأمنية الذين قتلوا خلال المعارك.
لا تتذكر فرح ذو العامين ونصف أي شيء عن عائلتها، فعندما جلبتها القوات الأمنية العراقية من ناحية العياضية غرب نينوى إلى دار الزهور للأيتام في الموصل خلال معارك تحرير المدينة عام ٢٠١٧ كان عمرها نحو عام وفي حالة صحية سيئة.
- بالصور.. الأحوال الشخصية في العراق تسعى لمحو آثار "داعش"
- الإعدام شنقا عقوبة نائب زعيم تنظيم داعش في العراق
لم يتبق من عائلة فرح أي شخص، فوالدها المسلح في تنظيم داعش الإرهابي فجر نفسه على القوات الأمنية العراقية خلال اقتحامها ناحية العياضية في أغسطس/آب من عام ٢٠١٧ الماضي، بينما فجرت والدتها نفسها بين أطفالها الأربعة داخل المنزل، ولم ينجُ منهم سوى فرح التي نقلت إلى مستشفيات الموصل ومنها إلى دار الأيتام لتواصل حياتها.
قصة فرح ليست الوحيدة، فلكل طفل من الأطفال المتواجدين في دارَي أيتام الموصل (دار البراعم ودار الزهور) قصصا خاصة به تروي مأساة الحرب ومعاناتها، محمد طفل آخر عمره نحو عام واحد، أسندت دار البراعم للأيتام رعايته إلى عائلة موصلية بعد موافقة رسمية من قاضي محكمة الموصل، لا تقل نسبة المأساة في قصته عن قصة فرح.
فبعد يوم كامل من الاشتباكات خلال معارك المدينة القديمة تمكنت القوات الأمنية العراقية بعد مقتل 3 من عناصرها من إنقاذه، وكان مصابا في إحدى يديه بعضة كلب اضطر الأطباء إلى بتر تلك اليد التي أصيبت بالتلوث وكادت تنتقل إلى أجزاء جسمه الأخرى، فالتنظيم كان يتخذ من هذا الطفل طعما لاستهداف أكبر عدد من الجنود العراقيين الذين كانوا يحاولون الاقتراب من الطفل لإنقاذه، حسب سكينة محمد علي مديرة قسم المرأة والطفل في محافظة نينوى التي تشرف على دارَي الأيتام في الموصل.
منذ اللحظة الأولى لبدء معارك تحرير الجانب الأيمن من الموصل، هرعت سكنية إلى احتواء الأطفال الناجين الذين فقدوا عوائلهم في الحرب، والأطفال التركمان والأيزيدييين الناجين من قبضة التنظيم، وعملت على استلام المئات منهم وإيوائهم في دار الأيتام بعد حصولها على موافقات رسمية من محافظة نينوى لاستحداث قسم المرأة والطفل في المحافظة.
وقالت سكينة، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، "كانت الأعداد كبيرة جدا، لذلك قدمنا طلبا إلى القاضي بالموافقة على فتح باب التبني لأن إمكانيتنا المادية ضعيفة جدا، فأبلغنا أن القانون العراقي يتيح ضم الأطفال إلى العائلات التي تريد ضمهم، لذلك فتحنا باب الضم، فسلمنا ٣٥ طفلا إلى العائلات التي تقدمت بطلب الضم"، مشيرة إلى أن هناك ١٩ طفلا آخر من مجهولي النسب ما زالوا متواجدين في دار الزهور للأيتام لم ينضموا لأي عائلة حتى الآن.
وبينت مديرة قسم المرأة والطفل في محافظة نينوى أهم المشاكل التي تواجه عملهم في مجال رعاية الأطفال ضحايا الحرب، موضحة بالقول "العوائق التي تقف في طريقنا تتمثل في انعدام الدعم المالي، فالحكومة السابقة خصوصا وزارة العمل ورغم أننا خطبناها عدة مرات لكنها لم تقدم لنا شيئا حتى الآن، غالبية كوادرنا يعملون بشكل تطوعي، لذلك أعدادهم قليلة جدا خصوصا المربيات".
وأشارت إلى أن دارَي الأيتام في الموصل في حاجة إلى كوادر خصوصا الكوادر الخدمية، ودعت الحكومة العراقية الجديدة إلى الالتفات لمشاكل هؤلاء الأطفال في الموصل وتقديم الدعم اللازم لمشاريع إعادة تأهيلهم والاستفادة من الباحثين الاجتماعيين العراقيين في مجالات إعادة التأهيل ومساعدة الأطفال في التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها خلال السنوات الماضية.
وطالبت سكنية، التي تدير في الوقت ذاته منظمة مجتمع مدني خاصة بتأهيل الأطفال والنساء في الموصل، المجتمع الدولي بمد يد العون لأطفال ونساء الموصل، ودعم المشاريع الخاصة بمعالجتهم نفسيا وتمكينهم اقتصاديا وإعادة دمجهم في المجتمع كي لا ينجروا خلف الجماعات المتطرفة مستقبلا.
وافتتح تنظيم داعش الإرهابي خلال سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا عام ٢٠١٤ العديد من معسكرات التدريب الخاصة بالأطفال في الموصل وفي المدن السورية، لإعداد جيش من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين ٥-١٨ عاما تحت مسمى أشبال الخلافة وفتيان الجنة، تلقى خلالها هؤلاء الأطفال الذين بلغت أعدادهم الآلاف تدريبات عسكرية شملت خوض المعارك داخل المدن وصناعة العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات وتنفيذ عمليات الإعدام واستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ودروسا في فكر داعش وعقيدته المتطرفة.
وتشير معلومات الأجهزة الأمنية العراقية إلى أن الأطفال الذين زجهم التنظيم داخل معسكراته كانوا عدة أقسام، منهم أطفال الأيزيديين والمكونات الأخرى الذين اختطفهم التنظيم خلال هجماته على مناطقهم، ومنهم أطفال مسلحي التنظيم العرب والأجانب والعراقيين، وأطفال آخرون انضموا إلى داعش مقابل استلام عائلاتهم رواتب شهرية من التنظيم، و آخرون انضموا بعد تعرضهم لعمليات غسل الدماغ من قبل مسلحي داعش عبر النقاط الإعلامية التي كانت تنتشر في كل حي من أحياء المدن الخاضعة لسيطرة التنظيم الإرهاب خلال الأعوام الأربعة الماضية.
واستخدم التنظيم غالبية الأطفال في معاركه ضد القوات العراقية في الموصل، حيث فجر العديد منهم أنفسهم خلال المعارك بينما قاتل آخرون وقتلوا، وألقت القوات الأمنية العراقية القبض على عدد آخر منهم.
وكشف ضابط برتبة مقدم في الجيش العراقي، شارك في عمليات تحرير الموصل لـ"العين الإخبارية"، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، "وجدت القوات الأمنية خلال المعارك خصوصا معارك المدينة القديمة الآلاف من الأطفال المجهولين، غالبيتهم كانوا من أطفال مسلحي التنظيم الذين قتلوا خلال المعارك، أما العدد القليل فكانوا من أطفال المدنيين الذين فقدوا عائلاتهم بسبب الحرب".
ولفت إلى أن قسما آخر من الأطفال كانوا من أطفال المسلحين الأجانب الذين قتلوا في المعارك، مضيفا "الأطفال الأجانب نقلوا جميعا إلى بغداد، وكانوا من الأفغان والشيشانيين والروس والألمان والصينيين والإيرانيين والأتراك والأفارقة والعرب، وسلم غالبيتهم إلى دولهم".
وما زال هذا الضابط يتذكر الطفل أنس الموصلي ذا العشرة أعوام الذي شارك في معارك الموصل كقناص، وتابع "أنس كان قناصا، ووالده كان أميرا لقناصي التنظيم قتل في معارك المدينة القديمة، هذا الطفل كان ضمن مسلحي داعش الصغار المعروفين بفتيان الجنة، وقد تلقى تدريبات مكثفة على القنص وخوض المعارك، تمكنت القوات الأمنية من اعتقاله بعد مقتل والده".
وأشار إلى أن العديد من أطفال قادة داعش العراقيين وقعوا بأيدي القوات الأمنية العراقية التي نقلتهم إلى دور الأيتام في العراق لأن أعمارهم كانت صغيرة ومنهم حفيد الدكتورة لمياء الوتار القيادية في داعش، التي كانت تشرف مع زوجها على القطاع الطبي في التنظيم، وهي الطبيبة الخاصة بعائلة خليفة داعش أبوبكر البغدادي.
aXA6IDMuMTQyLjI1NS4yMyA= جزيرة ام اند امز