سيكتشف المسيحيون المؤيدون للعماد ميشال عون سريعاً الحدود التي ستصل اليها محاولاته نقل الشعارات الى وقائع. سيصطدمون
سيكتشف المسيحيون المؤيدون للعماد ميشال عون سريعاً الحدود التي ستصل اليها محاولاته نقل الشعارات الى وقائع. سيصطدمون، كما اصطدم غيرهم من قبل، بمتانة النظام الطائفي ورسوخه، وبعجز الرئيس الجديد عن الاتيان بأي خطوة من خارج قاموس التوافقات المعتمدة منذ خروج القوات السورية في 2005، على اقل تقدير.
وسيلمس جمهور زعيم «كتلة التغيير والإصلاح» النيابية أن جلّ ما استطاع عون فعله هو وصوله منهكاً مقيداً محدود الصلاحيات الى قصر بعبدا، ليس لافتقاره الى الوسائل اللازمة لـ «التغيير والإصلاح» العمليين وليس بسبب انضوائه الكامل، مع حاشيته وأقاربه، في الفساد المؤسس والعميق في لبنان، فحسب، بل أيضاً بسبب عزلتي لبنان العربية والدولية، وانعدام اي رغبة في التعامل معه ما دام على هذه الحال من هيمنة المافيات المالية– السياسية والارتهان السياسي والامني للجماعات الأهلية المسلحة الموالية للخارج.
الفرحة التي يشعر بها أنصار «التيار الوطني الحر» بقرب انتخاب عون رئيساً للجمهورية لا تزيد عن فرحة تحقيق إنجاز طال انتظاره. أما ما سيلي هذا الإنجاز فمسألة مختلفة تمام الاختلاف. فالأرجح أن مؤسسات الدولة (وهي مختلفة عن «النظام» اللبناني) ستتابع مسارها الانحداري في ظل تقاسمها بين ملوك الطوائف وسيّافيهم.
لا يملك عون ما يشبه البرنامج أو المشروع أو حتى الرؤية للخروج من الوضع هذا إلى وضع أفضل، بمعنى حماية مصالح المواطنين من دون المرور بمراضاة قيادات الطوائف والميليشيات. وستأتي الساعة التي يلاحظ فيها مؤيدو عون أن شركاءه- خصومه في السلطة لا يبالون بانتفاخ أوردته الدموية عند الانفعال الزائد ولا يخشون عليه من نوبة قلبية إذا ارتفع صوته وان كلماته الكبيرة والحادة المعتادة لا تخيف أحداً. وسيراقب تفكيك الدولة وبيعها في أسواق الخردة. وهي «المسيرة» المستمرة منذ أعوام بالشراكة مع ممثلي عون في «التفليسة» اللبنانية.
لن يعيد عون الألق إلى الدور المسيحي في لبنان. لقد خفت هذا الوهج منذ عقود حتى لو فاتت هذه الملاحظة من يعتقد غير ذلك. وانتهت «رسالة» لبنان وفقد معناه السابق على الحرب الأهلية والمعنى الذي حاول رفيق الحريري إحياءه بين 1992 و2005. نحن اليوم أمام خريطة إقليمية لا صلة لها بتلك التي كانت مرسومة قبل 2011. لا مكان للبنان فيها إلا كحاضنة للاجئين من الحروب القريبة ومساهم فيها. وغني عن البيان أن عون وحكومته ومجلسه النيابي (إذا اسعف اللبنانيين الحظ باكتمال عقدهما)، لن يتخلوا عن تلك المقايضة بين ترك مقاتلي «حزب الله» يتوجهون الى سورية وبالتالي ازالة الحدود اللبنانية– السورية وسيادة الدولة، وبين الحفاظ على حصص بقية الطوائف في النظام والدولة. ولن يتخلوا، حكما، عن آليات السيطرة على موارد الدولة والمال العام.
يليق أن يقابَل كل وهم بنجاح ميشال عون وبقية الطبقة السياسية اللبنانية بانقاذ هذا البلد المنكوب بـ «ضحك هوميري» لا ينقطع ولا ينتهي. ضحك تسببه المفارقة الشاسعة بين الأوهام التي يجري تسويقها وتجد دائماً من يصدقها وتستند الى ألاعيب الهويات المحاصرة والخوف والكيدية المتبادلة، وبين ما يُعدّ –أو لا يُعدّ– لمستقبل مواطنينا. لكنه، كما قيل في موقع آخر، «ضحك كالبكاء».
* نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة