مئوية حكومة لبنان.. تراجع وعود دياب وتزايد وعيد حزب الله
سياسيون لبنانيون يتحدثون لـ"العين الإخبارية" حول مهلة الـ100 يوم التي تحدث عنها حسان دياب في مجالات السياسة والاقتصاد والحريات والصحة
أيام معدودة وتكمل حكومة رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب المائة يوم على نيلها ثقة البرلمان، وسط أوضاع اقتصادية وسياسية مزرية دفعت لعودة الحراك إلى الشارع مجددا.
وفي 11 فبراير/شباط الماضي، صادق البرلمان اللبناني على الحكومة الجديدة على وقع احتجاجات وحراك شعبي أمام مقر المجلس رافضا لها لكونها لا تحقق مطالب رفعوها بتشكيلها من اختصاصيين ومستقلين.
مهلة الـ100 يوم، التي ألزم رئيس الحكومة نفسه بها، لإظهار إنجازات حكومته في ملفات مكافحة الفساد والتعيينات القضائية والمالية وحماية الحريات العامة جاءت مخيبة للآمال، وفق سياسيين لبنانيين.
وأكدوا على أنها أيضا أثبتت عدم استقلاليتها على عكس ما وعدت به، ولم تخالف توقعات من لم يمنحوها الثقة في البرلمان، معتبرين أنها حكومة حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب جبران باسيل.
من السياسة الى الاقتصاد وكذلك الأمن، وجد كل من الوزير السابق ريشار قيومجيان والنائب السابق والقيادي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش أن حكومة دياب لم تحقق ما وعدت به.
وحتى أن بعض الإجراءات التي قامت بها كانت متأخرة ولم تتضح نتائجها حتى الآن، على غرار محاربة التهريب وتوقيف الصرافين الذين تلاعبوا بسعر صرف الدولار، إضافة أيضا الى الخطة الاقتصادية ومفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة.
عدم استقلالية
النائب السابق والقيادي في "تيار المستقبل"، مصطفى علوش، قال إن حكومة دياب أثبتت عدم استقلاليتها وأن قرار وزرائها ليس بيدها بل بيد حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو ما ظهر جليا في التعيينات القضائية والمالية والإدارية وغيرها.
وأضاف علوش لـ"العين الإخبارية" أن الكلام شيء والواقع شيء آخر، الممارسة لم تثبت حتى الآن أنهم مستقلون والادعاء بهذا الأمر لم يقنع لا الداخل ولا الخارج.
وأوضح أنه "لا سفراء يزورون دياب باستثناء القلة منهم وحركة وزير الخارجية (ناصيف حتي) نكاد لا نسمع عنها شيئا وكل التقدم الذي عوّلوا عليه في البداية لجهة العلاقة مع الدول العربية والغربية خاصة تجاه الدول التي اعتبرت أن الحكومة محسوبة على حزب الله وحلفائه، لم يظهر منه شيئا، ولا تزال علاقة لبنان مع هذه الدول شبه مقطوعة".
من جهته، قال الوزير السابق، عن حزب "القوات اللبنانية" ريشار قيومجيان، إن "أول مئة يوم كانت مخيبة للآمال، مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على نيل الحكومة الثقة من دون أن تنفذ الوعود التي أطلقتها".
وأضاف قيومجيان لـ"العين الإخبارية" أن ممارسات الحكومة أثبتت أنها ليست مستقلة وقرارها مرتبط بالمرجعيات السياسية التي شكلت الحكومة والتي كانت تفرض سيطرتها على الحكومة السابقة، وهي المتمثلة بالتحالف الأساسي بين حزب الله والعهد ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وأوضح أنه "خير دليل على ذلك الخلافات على التعيينات الإدارية والمالية والقضائية التي حالت الخلافات بين الفريق الحاكم نفسه دون الاتفاق عليها حتى الآن، ما يؤكد أن النهج السابق في المحاصصة وتوزيع المواقع والمحسوبين لا يزال مستمرا".
حدود مشرّعة للتهريب وقمع للحريات
ويتفق كل من علوش وقيومجيان على أن المعابر غير الشرعية تشكل المثال الأوضح على أن الحكومة لم تقم بدورها في الجانب الأمني، وبقي التهريب مستمرًا عبر الحدود.
وقال علوش إن الحدود لا تزال مشرّعة والدليل التقارير اليومية التي تنشر عن هذا الموضوع حيث يستنزف التهريب خزينة الدولة فيما لم نشهد إلا بعض الخطوات من قبل الأجهزة الأمنية دون الإعلان عن توقيف أي من المهربين المعروفين بالأسماء.
الموقف نفسه عبّر عنه قيومجيان، لـ "العين الاخبارية" بقوله: "كان على القضاء التحرك تلقائيا بعد نشر وسائل الإعلام تقارير حول التهريب عبر المعابر غير الشرعية المعروف أنها خاضعة لسيطرة حزب الله، لكنه لم يفعل ورغم الاجتماعات التي عقدت بين الحكومة وقيادات الأجهزة الامنية وبدء توقيف بعض عمليات التهريب لكنهم لم يعلنوا حتى الساعة عن توقيف أي مسؤول عنها، وهو ما يؤكد عدم الجدية في التعامل مع القضية".
وأضاف: "ليست مهمة الجيش اللبناني توزيع المساعدات على العائلات الفقيرة، كما ارتأت هذه الحكومة بل مهمته حماية الحدود مع القوى الأمنية الأخرى ومنع التهريب، الذي ينسحب أيضا على أبرز المرافق العامة في لبنان من المطار والمرفأ وغيرها، والتي هي أيضا تحت سيطرة حزب الله".
الناشط السياسي اللبناني، إبراهيم منيمنة، قال لـ "العين الإخبارية"" إن الحكومة ومنذ تشكيلها بدأت تدريجيا تتعامل مع المتظاهرين بالعنف وصولا إلى فك خيم المتظاهرين واعتقالات الناشطين وحتى تعذيبهم.
وأضاف: "بدا واضحا أنه تنفيذ لقرارات سياسية واضحة من الحكومة والسلطة لقمع أي تحرك شعبي ضد العهد".
وأشار منيمنة إلى أن الحكومة لجأت إلى حجة وجود مندسين نفذوا اعتداءات على أملاك عامة لقمع التحركات الاحتجاجية وإعطاء شرعية لتبرير العنف ضد المتظاهرين.
وتساءل: "أين هم من الاعتداءات على الأملاك العامة المتمثلة بالأملاك البحرية وغيرها، وأين هم من حماية أموال الناس التي هي أملاك خاصة؟"
محاربة الفساد
واعتبر سياسيون أن الحكومة حاولت الخوض في ملف الفساد عبر فتح بعض الملفات والتحقيق بها بينها ملف الكهرباء وموضوع استيراد الفيول المغشوش (زيت الوقود) وتوقيف الصرافين لكنهم أكدوا أن جدية هذه التحقيقات تتوقف على نتائجها وليس على فتحها.
وأكدوا أنها لم تتعد في مجملها رسائل بعضها للداخل وأخرى للخارج مع بدء انطلاق مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي حول الخطة الرسمية للتعافي الاقتصادي للحصول على المساعدات المشروطة بتطبيق إصلاحات.
وقال مصطفى علوش لـ "العين الاخبارية" إن سعر صرف الدولار وصل إلى أعلى مستوياته منذ سنوات، والحديث عن توقيف الصرافين لم يؤد إلى لجم هذا الارتفاع.
وتجاوز سعر صرف الدولار الـ 4 آلاف ليرة في السوق السوداء فيما لا يزال المصرف المركزي يحدده بـ 1515 ليرة، وهو ما انعكس بارتفاع غير مسبوق وفوضى في الأسعار.
وأضاف علوش: "لم يكن أحد ينتظر من هذه الحكومة أي انجازات خاصة أن الوضع الاقتصادي المتهالك في لبنان يحتاج إلى كتلة نقدية وازنة للمساهمة في الحل، وهذا من غير الواضح عما إذا كانت ستنجح الحكومة في الحصول عليه، خاصة في ظل العلاقات السيئة بين لبنان والدول العربية وعدد كبير من الدول الغربية التي اعتادت على مساعدته".
وأشار إلى أن "كل المساعدات من مؤتمر سيدر (أبريل/ نيسان 2018 بباريس) الذي وعد لبنان بالحصول عليها كلها ترتبط بمدى تحقيق الإصلاحات وهو ما لا يبدو أنه يسير على الطريق الصحيح حتى الآن".
واعتبر علوش أن "الوضع الاقتصادي في المدى المنظور سيبقى تحت الصفر، والحكومة لم تحقق شيئا من الوعود والقضايا التي أتت على أساس تحقيقها".
وتابع: "من هنا يبدو أن إمكانية التغيير غير ممكنة في المرحلة المقبلة، إضافة إلى أن لبنان يرتبط أيضا بأوضاع سياسية وأمنية في المنطقة تؤثر سلبا عليه، إلا إذا تم التوصل إلى حلول في المدى القريب".
من جهته، قال قيومجيان: "لم نصوت للحكومة لكننا أعطيناها فرصة لإنقاذ البلد اقتصاديا وماليا، لكن لم نر أي خطوات عملية إصلاحية في هذا الاتجاه".
وأضاف: "فتح الملفات جيد لكنها غير كافية والعين تبقى على النتائج فيما يبقى المطلب الأهم تعزيز استقلالية القضاء لإيصال التحقيقات إلى خواتيمها وإصدار قراراته لتحميل كل جهة مسؤوليتها".
وتابع: "حتى عندما قررت الحكومة تقدم المساعدات الاجتماعية لم تعتمد على معايير عادلة".
الخطة الاقتصادية
وحول الخطة الاقتصادية لحكومة دياب، أكد السياسيان اللبنانيان علوش وقيومجيان أن الأهم التطبيق والعبرة تبقى في التنفيذ.
وتساءل علوش "هل سيسمح المسيطرون على قرار الحكومة بذلك، في الوقت الذي لا يبدو أنهم مستعدون لذلك، وقد أثبتت التجارب في التعيينات وغيرها أن السياسات السابقة نفسها لا تزال معتمدة ولا يزال باسيل مدعوما بحزب الله يتحكمون بقرارها".
فيما قال قيومجيان لـ "العين الاخبارية" إن "الخطة تتضمن أمورًا سلبية وإيجابية وبعض الإجراءات يتطلب قوانين تشريعية في البرلمان، لكن الأهم يبقى في التنفيذ خاصة وأنه وضعت خطط كثيرة سابقا ولم ينفذ منها شيئا".
وبانتظار انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد، أكد أن المطلوب اليوم إجراءات سريعة بإمكان الحكومة أن تقوم بها وإثبات حسن نيتها في العمل من دون انتظار شروط صندوق النقد وغيره، لخفض العجز في الخزينة.
وأشار إلى أنه "كذلك علينا إبعاد بلدنا عن الصراعات وتحسين علاقتنا بالدول العربية والغربية إذ أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم ولا سيما ما يقوم به حزب الله، قد لا نحصل حتى على مساعدات الصندوق".
ويعتمد لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي على خطة تقشفية أقرتها الحكومة نهاية الشهر الماضي وتمتد على خمس سنوات.
وتقترح إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف.
كما تنص على إصلاحات أساسية في البنى التحتية، بينها في قطاع الكهرباء المترهّل والذي يشكّل العبء المالي الأكبر.
وقال وزير المال، غازي وزني، إن "حصة لبنان في صندوق النقد هي حوالي 870 مليون دولار، ويأمل أن يصل إلى مستوى أعلى، حوالى عشرة أضعاف هذا المبلغ، أي تقريباً تسعة مليارات دولار، وذلك بدعم أيضاً من الدول الشقيقة والصديقة".
وباء كورونا
وعن مواجهة حكومة دياب لوباء كورونا خاصة أن انتشاره بدأ في لبنان بعد أسبوعين على نيلها الثقة، قال علوش إن "تصرفت الحكومة في مواجهة الوباء كأي دولة من دول العالم وليس أكثر.
وأوضح أنها قامت بدورها رغم أنه في المرحلة الأخيرة ظهر ثغرات أهمها في خطة عودة المغتربين الذين سجل في صفوفهم إصابات كثيرة ما أدى إلى انتشار الوباء مجددا، وهذا الأمر يتحمل مسؤوليته الحكومة ووزارة الصحة كما المواطنون.
وفي هذا الإطار، قال قيومجيان: "في البداية كانت هناك بعض الملاحظات على مقاربة القضية لا سيما لجهة عدم اتخاذ قرار بوقف الرحلات من الخارج، وبعد ذلك كانت إجراءات التعبئة العامة جيدة، لكن الخلل وقع في الخطة التي وضعت لعودة المغتربين إضافة إلى التسرع بتخفيف الإجراءات".
وجاء تكليف دياب بعد حوالي شهرين ونصف الشهر على الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي رفض بدوره القبول بإعادة تكليفه ما لم تكن حكومة تكنوقراط.
وبدأت الاحتجاجات الشعبية في لبنان 17 أكتوبر/تشرين الأول للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ من التكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين.
وكلف دياب لرئاسة الحكومة بدعم من أصوات الكتل النيابية المحسوبة على حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما، وبلغت 69 صوتا من أصل 124 وامتنع خلالها 42 نائباً عن تسمية أحد لتشكيل الحكومة، من بينهم كتلة المستقبل التي يرأسها الحريري.
وشكّل دياب حكومته في 21 يناير/كانون ثاني الماضي، وحصلت في 11 فبراير/شباط الماضي على ثقة البرلمان التي اقتصرت أيضا على تأييد من النواب الذين دعموا تكليفه، وباتت حكومته تعرف في الداخل والخارج على أنها تابعة لحزب الله.
ولاقت حكومة دياب رفضا من المعارضة السياسية والشارع المنتفض على حد سواء، واستمرت الاحتجاجات المطالبة باستقالته مع تراجع حدتها قليلا، إلى أن بدأ انتشار وباء كورونا في لبنان وأعلن عن فرض التعبئة العامة.
ورغم قرار التعئبة العامة، عادت الاحتجاجات إلى الشارع مطالبة بتحسين الحقوق المعيشية والاجتماعية ورفضا للوضع الاقتصادي الذي يزداد تفاقما.
aXA6IDMuMTM2LjIyLjIwNCA= جزيرة ام اند امز