المرأة اللبنانية والاحتجاجات.. ثائرة وكاسرة للقيود
في مقدمة المسيرات ومجموعات النقاش والاعتصامات وحواجز الطرق، كانت النساء قوة دافعة رئيسية للاحتجاجات وصوتها مسموعا.
"طالعة بدها تتظاهر، طالعة للاعتصام، طالعة بدها حرّية، طالعة تسقط نظام"، إحدى أغاني احتجاجات لبنان التي غيّرت الصورة السائدة عن المرأة؛ حيث بدت ثائرة حتى الرمق الأخير كاسرة كل القيود ضد أوضاع سياسية واقتصادية متردية منذ عقود.
وخلال إحدى فعاليات الاحتجاجات التي انطلقت 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حورت النساء المشاركة الأغنية الشهيرة "طالعة من بيت أبوها" وهي من الأغاني الخالدة بالتراث العراقي، مرددين شعارات تطالب بتمثيل قوي بالسلطة وعدم استمرار التهميش بحقهم.
وتسود في أذهان الكثيرين صورة رومانسية عن المرأة اللبنانية واهتمامها بالموضة والتسوق، فيما أظهرت الاحتجاجات صورة أخرى عبر فتاة تركل رجل أمن مسلّحا وأخرى تسب السياسيين الذين وصفتهم بالفاسدين وناهبي المال العام وأخرى مسنة تدعو ضباطا بالجيش إلى عدم المساس بالمتظاهرين.
وفي مقدمة المسيرات ومجموعات النقاش والاعتصامات وحواجز الطرق، كانت النساء قوة دافعة رئيسية للاحتجاجات وصوتها مسموعا ضد نظام سياسي؛ حيث لا تحظى فيه المرأة بتمثيل كافٍ.
بحضورها وقفت سدًّا منيعا وحاجزا بين القوى الأمنية والمتظاهرين الشباب لتجنّب أي محاولة تصادم بين الطرفين، وهي الأم التي حملت طفلها إلى الساحة مطالبة بحقوقه سعيا لمستقبل أفضل له.
المرأة اللبنانية رأت في كل المتظاهرين أولادها العاطلين عن العمل والمهاجرين قسرا فشدّت على أيديهم وحملت لهم الطعام من بيتها أو أتت إلى الساحة ورفيقاتها النساء لتطبخ لهم.
كما أنها الطالبة الطامحة لمستقبل واعد والتي صرخت بوجه الزعماء رافضة الظلم والفساد، والمحامية التي تطوعت للدفاع عن حقوق المتظاهرين الموقوفين وقادت جلسات نقاش وحوار، وطبيبة فتحت عيادتها أيضا لمعالجة مصابي الاحتجاجات مجانا، والمهندسة والمعلمة والإعلامية التي تنقلت بين ساحة وساحة لتنقل صوت الشعب الثائر.
هي المواطنة في كل مهامها التي بات المجتمع اللبناني يفتخر بها، مؤكدة أكثر وأكثر أن المرأة اللبنانية ليست تلك السيدة والفتاة الجميلة التي تهتم بمظهرها الخارجي فقط كما يعتقد البعض بل هي كل هؤلاء المثقفات الثائرات.
والمرأة اللبنانية التي ضمت صوتها إلى كل الشعب، حملت أيضا قضاياها الشخصية مطالبة بحقوقها من ساحات المظاهرات كحقها في منح الجنسية لأطفالها وواجهت في أحيان كثيرة التقاليد الاجتماعية والحزبية في مناطقها فخرجت متحدّية كل من هاجمها ورأى في ثورتها خروجا عن المألوف.
وقد تختصر صورة النساء التي تجسدت أمس في الأمهات اللواتي تقدمن مسيرة الضاحية الجنوبية في بيروت رفضا لعودة الحرب الأهلية، مهمة المرأة ودورها في هذه الثورة.
واندلعت الحرب الأهلية في أبريل/نيسان عام 1975، ووضعت أوزارها في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990، مع التوصل إلى اتفاق الطائف بالسعودية عام 1989.
إذ إنه بعد ليلة من المواجهات، أعادت إلى الأذهان الحرب الأهلية عند "خط التماس" بين منطقتي عين الرمانة والشياح، دعت النساء إلى مسيرة جامعة لأمهات المنطقتين شارك فيها المئات مؤكدات على رفض ما حصل وعلى الوحدة الوطنية بين الجميع.
مشاركة المرأة اللبنانية أثارت حفيظة وغضب مليشيا حزب الله ومؤيدي إيران الذين استنكروا موقفها واتهامها بالتمرد والانطلاق وتجاوز العادات والتقاليد والعرف.
غنى أبو شقرا، إحدى الثائرات، التي لم تغادر الساحة منذ اليوم الأول للاحتجاجات، تقف جنبا إلى جنب مع شابات وشبان من جيلها لم يعايشوا الحرب الأهلية لكنهم سمعوا عنها من أهاليهم ويرفضون العودة إليها.
تطمح أبو شقرا في حديث لـ"العين الاخبارية" إلى أن تحصل على حقوقها في بلد ينخره الفساد، وتعتبر أن المرأة اللبنانية أعطت للثورة التي بدورها أعطتها فرصة لتثبت وتظهر دورها الذي لطالما كانت تقوم به.
وأوضحت أن الثورة كسرت الصورة النمطية للمرأة اللبنانية التي كانت بالصفوف الأمامية تفصل بين عناصر الأمن والشباب وتمنع أن يحصل أي احتكاك بينهما، بعدما اعتدنا سابقا على الحضور الذكوري في تحركات كهذه.
ولفتت إلى أن المرأة اللبنانية ظهرت في الثورة بكل صورها، من الأم التي كانت تطبخ للمتظاهرين إلى قيادات رأي شاركن بشكل كبير في حلقات الحوار والنقاشات.
وأكدت أنه "بعد هذه الثورة بات مطلب تمثيل المرأة أمرا لا مفر منه، ولا بد من منحها الفرصة بشكل متساوٍ في المراكز المهمة وفي السلطة للقيام بدور ريادي يتوافق مع القدرات التي تتمتع بها".
من جهتها، أكدت الأستاذة الجامعية منى فياض أن ما قامت به المرأة في الثورة اللبنانية علاج من آثار الحرب وجروحها التي لم تندمل مع مرور السنوات.
وأشارت فياض، المتخصصة في علم النفس، في حديثها لـ"العين الاخبارية"، إلى مشهد مسيرة الأمهات في الضاحية الجنوبية يوم أمس، قائلة: "ما قامت به الأمهات في دعوتهن وقيادتهن لمسيرة السلام والمحبة وكأنهن يؤنبن أبناءهن على ما قاموا به، في مشهد يختصر كل ما قامت به المرأة خلال أكثر من 40 يوما مدة الاحتجاجات.
وأضافت أنه "بهذه الخطوة وقفت الأم اللبنانية بوجه الجميع، بوجه القوى الأمنية وبوجه من حاول العودة إلى الفتنة وبوجه الزعماء الذي يحاولون التحريض حتى من قلب الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله وحركة أمل وهو كما حصل في صور والنبطية في الجنوب".
وأوضحت أنه "منذ بدء الثورة حتى اليوم كان حضور المرأة اللبنانية الجميلة القوية لافتا، مطالبة بأن تكون المرأة من الآن فصاعدا مشاركة بشكل أكبر في السلطة في لبنان.
ودعت إلى اعتماد "الكوتة النسائية" في الانتخابات والتعيينات تمهيدا لتكريس هذا العرف على المدى البعيد.
ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشهد لبنان احتجاجات على الأوضاع السياسية والاقتصادية تمخضت عن تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته، فيما لا تزال المباحثات السياسية حيال إمكانية تشكيل حكومة متعثرة نتيجة الخلافات السياسية.
aXA6IDUyLjE1LjIzOC4yMjEg جزيرة ام اند امز