اللبنانيون ضربوا مثالاً رائعاً في حملهم علماً واحداً وهو العلم اللبناني، بعيداً عن أعلام الأحزاب بألوانها المتعددة
بعد خمسة أيام من المظاهرات الواسعة لم يرض – كما كان متوقعاً– الحراك الشعبي في لبنان بالإصلاحات التي طرحها سعد الحريري وأقرتها حكومته، فعاد إلى الميادين منادياً بإسقاط الطبقة السياسية كلها، حيث رأى الوعود بالإصلاحات مشكوكا فيها، لاسيما مع تعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وكانت الحكومة قد وعدت بخفض العجز في الموازنة الجديدة، وبمشاركة القطاع المصرفي في تخفيض العجز، وتقديم مساعدات اجتماعية وتخفيض رواتب المسؤولين 50%، وتخفيض نفقات الدولة، وعدم تضمن أي ضرائب إضافية في الميزانية الجديدة، وذلك بعد أن اكتظت شوارع البلاد من شمالها إلى جنوبها بمئات آلاف المحتجين من كل الطوائف والاتجاهات، الناقمين على الطبقة السياسية التي يأخذون عليها فسادها وسوء إدارتها للأزمة الاقتصادية.
إن ما يحدث في الشارع اللبناني حراك يؤسس للتغيير لكنه لا يغير بالضرورة، فالقدرة على رفض الواقع الراهن ممكنة لكن بناء واقع سياسي جديد في وقت قصير أمر صعب، ويحتاج إلى تأسيس جديد وعمل دؤوب، لكن يبقى أن الحراك مقدمة لمشروع تغيير في الوعي الجمعي للشعب اللبناني
وقد انتفض اللبنانيون في وجه جميع الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الله الذي استولى على السلطة في البلاد وأدخلها في دوامة الصراعات الإقليمية، وكان سبباً في الأزمة التي يعيشها لبنان، إضافة إلى أحزاب لم يكن همها إلا الصراع فيما بينها للحصول على مكاسب على حساب المواطن البسيط في لبنان الذي كان يوماً قبلة للتطور والجمال، ليتحول إلى وطن مزقته الصراعات والتحزبات وأرهقته التدخلات والنزاعات الخارجية.
لكن اللبنانيين ضربوا مثالاً رائعاً في حملهم علماً واحداً وهو العلم اللبناني، بعيداً عن أعلام الأحزاب بألوانها المتعددة والتي كانت لها المكانة العليا لسنوات خلت، ليثبتوا أن الدولة الوطنية هي المطلب الأساس لدى جميع الشعوب حتى وإن تعرضت لسيل من الدعاية والحشد الإعلامي، فاللبناني تعب من الخطابات الجوفاء ومن تحمله تبعات التدخلات الخارجية في بلدان الإقليم، ومن تقلص المساعدات الاقتصادية من جميع الدول بسبب ذلك، بالإضافة إلى الفشل الذريع في إدارة الدولة ومؤسساتها من قبل الأحزاب.
في الختام.. فإن ما يحدث في الشارع اللبناني حراك يؤسس للتغيير لكنه لا يغير بالضرورة، فالقدرة على رفض الواقع الراهن ممكنة لكن بناء واقع سياسي جديد في وقت قصير أمر صعب، ويحتاج إلى تأسيس جديد وعمل دؤوب، لكن يبقى أن الحراك مقدمة لمشروع تغيير في الوعي الجمعي للشعب اللبناني، الذي يحب الحياة ويمقت الطائفية، ويريد أن يرى وطنه قوياً ومتقدماً من دون طائفية ولا مناطقية أو إثنية لم تقدم إلا الخراب والتشرذم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة