"فساد مرشحي حزب الله" يمدد "مأتم" لبنان الرئاسي
بين اتهام بفرض رئيس للبلاد تحت تهديد "الفوضى"، ومطالبة بكف يد الأحزاب المعطلة لانتخابه، يدخل لبنان نفقا مظلما، لا تبدو نهايته قريبة.
ومنذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي يعيش لبنان شغورا رئاسيا بعد فشل البرلمان في انتخابات خلفا للحليف حزب الله ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر.
وفرض تحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر كلمته على الاستحقاقات المتتالية في لبنان الذي واصل النزيف حتى وصل لحدود أزمة وجودية على خلفية تردي الوضع الاقتصادي على نحو غير مسبوق في بلد لم يخل تاريخه الحديث من أزمات كبرى.
وتبدو الأزمة الحالية ممتدة في ضوء تصدع في تحالف حزب الله والتيار الحر، تكشف خلال الشهور القليلة الماضية لكنه بلغ على الأرجح ذروة جديدة بهجوم مبطن شنه جبران باسيل صهر عون ورئيس التيار الحالي.
ويشترط في رئيس الجمهورية اللبنانية أن يكون مسيحيا مارونيا (أكبر الطوائف المسيحية في لبنان)، وأن يحصل على ثلثي أصوات نواب البرلمان (86 نائبا من أصل 128).
ويحاول حزب الله بحسب مراقبين فرض حليفه سليمان فرنجية على التيار الوطني الحر وهو ما يرفضه الأخير.
الفوضى والدبابة
وفي أبرز مؤشر على تنامي الخلاف بين الجانبين قال باسيل في رسائل مبطنة إلى حزب الله، خلال الجمعية العمومية لقطاع الشباب بالتيار في الربوة بحضور الرئيس السابق عون، يوم أمس السبت: "ما حدا (لا أحد) يهدّدنا بالفوضى أو بعقوبات، أو بالفراغ وبالحكومة وبمجلس النواب، ورئيس الجمهورية نختاره بقناعتنا، ولا يفرض علينا، ورئيس جمهورية على ضهر (ظهر) الفوضى مثل رئيس على ظهر دبابة إسرائيلية".
وأضاف: "يريدون إجراء إصلاحات ولكن يريدون الإتيان برئيس جمهورية فاسد، ورئيس حكومة فاسد وحاكم مركزي أكثر فسادا منهما وبحمايتهم، ويحزنون إن قلنا لا، إذا لا وألف لا".
وجاءت تصريحات باسيل بعد ساعات من تحذير أمين عام حزب الله حسن نصر الله، في كلمة له، من إثارة الفوضى في البلاد، فيما تحذر أوساط سياسية وأمنية لبنانية من الفوضى أيضاً.
وقال نصر الله في كلمة نشرتها وسائل إعلام تابعة لحزب الله: "إذا كانت أمريكا تخطط للفوضى في لبنان، فإنكم ستخسرون، وانتظروا الفوضى في كل المنطقة.. سنمد أسلحتنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل".
وطرح هجوم رئيس التيار الوطني الحر، الباب، أمام تساؤل عما إذا كان هذا الهجوم يحمل نهاية العلاقة والتفاهم مع حزب الله.
هيكل فارغ
وفي تعقيبه، قال الدكتور محمد سعيد الرز الخبير السياسي اللبناني، في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن "التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر أصبح هيكلا فارغا من أي مضمون، والسبب في ذلك هو إصرار الحزب على ترشيح غير معلن حتى الآن لسليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فيما يريد جبران باسيل أن يقبل الحزب بمن يرشحه التيار لهذا المنصب".
وأضاف: "هذا هو الخلاف الأساسي الذي قصم ظهر البعير، فالحزب ذكّر باسيل بأنه ضغط على فرنجية عام 2016 للانسحاب لمصلحة عون مع وعد بترشيحه خلفا له وأنه (أي الحزب)، عمل بكل قوته لتثبيت دور التيار في المعادلة السياسية اللبنانية بما في ذلك تجيير أصواته الانتخابية لمصلحته ولو على حساب سقوط بعض حلفائه".
وتابع: "على التيار إذن موافقة الحزب في قضية انتخاب الرئيس، (..) فيما رد باسيل على هذا المنطق بأن حزب الله لم يساعد على إنجاح عهد ميشال عون خاصة في قضايا أساسية كالدعوة إلى إقالة رياض سلامة حاكم مصرف لبنان ومحاسبته على فساده أو في علاقة عون مع رؤساء الوزراء وآخرهم نجيب ميقاتي".
وأشار الرز إلى أن من يستعرض مواقف جبران باسيل الأخيرة يستنتج أن الرجل يتخبط بشكل عشوائي، كدليل على خشيته الحقيقية من تراجع حاد في دوره السياسي، وتاليا كشف أوراقه في موضوع الفساد الذي فرضت الولايات المتحدة بسببه عقوبات بحقه".
ورأى المحلل السياسي اللبناني أن الطرفين، حزب الله والتيار الوطني الحر، أرادا أن يستنفد مصلحته من الآخر، فالحزب أراد غطاء مسيحيا في الفترة الماضية، والتيار أراد موقعا قويا في المعادلة السياسية، وهما خطان متوازيان اصطدما بحائط المصالح الحزبية فافترقا وكل منهما صار محملا بالمسؤولية عما اقترفه الفصيل الآخر".
ورفض مصدر قيادي في "التيار الوطني الحر" في تصريحات صحفية، تحديد الجهة التي يتهمها باسيل بالسعي لإيصال أشخاص إلى الرئاسة تحت ضغط الفوضى.
كما رفض المصدر، تأكيد أن يكون سليمان فرنجية هو المقصود بتهمة "الفساد"، قائلا :"الكلام موجه لأي شخص يمكن أن يتم فرضه بالفوضى، وليفهمه كل طرف كما يريد".
وفي 6 فبراير/شباط 2006، وقع أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، ورئيس التيار الوطني الحر (آنذاك) الرئيس السابق عون تفاهما في كنيسة مار مخايل، للعمل معا في معالجة قضايا هامة أبرزها "بناء الدولة".
وتتألف وثيقة التفاهم من 10 بنود، أبرزها "قانون الانتخاب"، و"العلاقات اللبنانية السورية"، و"حماية لبنان"، وبند آخر بعنوان "بناء الدولة".
وإثر هذا التفاهم، تأسس تحالف بينهما، وأدى إلى تبنّي حزب الله ترشيح عون في الانتخابات الرئاسية 2014–2016.
ولا يعد الملف الرئاسي سببا وحيدا للخلاف بين التيار وحزب الله، فهناك أيضا "جلسات الحكومة"، عقب مشاركة وزراء من الحزب في جلسات حكومية سابقة برئاسة نجيب ميقاتي، رغم اعتراضات التيار.
مأتم
إلى ذلك واصل البطريرك الماروني بشارة الراعي، الأحد، انتقاداته الحادة لـ "المسؤولين والنافذين والمعطلين" بعد الفشل في انتخاب رئيس للبلاد واستمرار شغور المنصب.
وفي عظة الأحد، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في حديثه لـ "المسؤولين والنافذين والمعطلين": "لقد حولتم عرس لبنان وشعبه وغنى موارده إلى مأتمٍ كبير، ووشّحتموه برداء أسود من الفقر والحرمان والتهجير".
وأضاف: "ترفضون نصائح الدول الصديقة والحريصة على استقرار لبنان، وأقول لكم ارفعوا أيديكم عن لبنان وشعبه"، داعيًا "لانتخاب رئيس جديد للجمهورية كي تعود الحياة الدستورية المنتظمة".
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4yOCA= جزيرة ام اند امز