فرصة سانحة لبناء لبنان قوي.. كيف ينتهي حزب الله؟
![راية حزب الله في أحد شوارع لبنان](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/08/162-110849-lebanon-new-page-hisbollah_700x400.jpg)
يمر «حزب الله» بأوقات عصيبة، فبعد عقود من كونه المنظمة السياسية والعسكرية المهيمنة، يترنح بقوة، ما يمنح لبنان فرصة لا تتكرر.
وخلال الحرب التي دامت عامًا كاملًا مع إسرائيل، خسر الحزب الكثير من بنيته التحتية العسكرية، وتم تدمير صفوف قيادته.
- «انتهى عهده».. أمريكا تضيّق حبل الضغوط على حزب الله
- أول اعتراف مباشر.. غالانت يكشف تفاصيل تفجيرات «بيجر» حزب الله
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وقّع الحزب، الذي أنهكه الصراع، اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع إسرائيل وسحب قواته من جنوب لبنان، المجال التقليدي لمليشياته.
وبعد فترة وجيزة، سقط نظام بشار الأسد في سوريا، مما أدى إلى قطع خطوط الإمداد بين الحزب وإيران، راعيه الأساسي. والآن، يواجه «حزب الله» أيضًا خطر فقدان دعم الشيعة اللبنانيين الذين يشكلون قاعدته المحلية، وفق مجلة «فورين آفيرز».
فرصة لا تتكرر
وكما هو الحال عادة، فإن خسارة «حزب الله» هي مكسب للبنان. في الواقع، إن تدهور الحزب يمنح المسؤولين اللبنانيين فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لإعادة تأكيد وجودهم واستعادة دولتهم.
ويبدو أن بعض القادة اللبنانيين على الأقل مستعدون للاستفادة من هذه الفرصة، فالرئيس المنتخب حديثًا، جوزيف عون، القائد السابق للقوات المسلحة اللبنانية، قال إن القوات الحكومية ستعود إلى البلدات الجنوبية.
ووعد الرئيس بأن «حزب الله» سوف ينزع سلاحه أخيرًا، ليصبح حزبًا سياسيًا عاديًا بدلًا من دولة ظل ذات جيش كامل.
كما وعد رئيس الوزراء اللبناني المنتخب حديثًا، نواف سلام، بنزع سلاح «حزب الله» وإعادة بسط سلطة الدولة اللبنانية. ومعًا، يمكن لعون وسلام أن يبشّرا بعهد جديد لبلدهما وسكانه الذين عانوا طويلًا.
مصدر القوة المتبقي
ولكن على الرغم من أن «حزب الله» قد تلقى ضربات قاصمة، فإنه لم يسقط. فالحزب وحلفاؤه يسيطرون حاليًا على 53 مقعدًا في البرلمان اللبناني المؤلف من 128 عضوًا، وهو ما يكفي للتأثير على القرارات المهمة.
وإذا تمكنوا من العمل مع كتلة «اللقاء الديمقراطي» بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحزب «الاعتدال الوطني» بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، فسيكون لديهم أغلبية المقاعد، وفق مجلة «فورين آفيرز».
ويمكن للحزب أن يهاجم أو يهدد النواب الذين لا يتبعون رغباته، وكذلك الجهات الفاعلة المحلية الأخرى التي تقف في طريقه. ولا ينبغي لأحد أن يفاجأ إذا لجأ «حزب الله» إلى مثل هذا الترهيب. فإذا كان لديه أي أمل في إعادة بناء صفوفه، فالأمر يبدأ بالسيطرة على الدولة.
لكن يستطيع عون وسلام وحلفاؤهما منع «حزب الله» من كسب اليد العليا. لكنهم سيحتاجون إلى التحرك بسرعة، بينما لا يزال الحزب في حالة ذهول.
ووفق «فورين آفيرز»، يتعين عليهما التأكد من أن المؤسسات اللبنانية المستقلة، وليس «حزب الله»، هي المسؤولة عن إعادة بناء جنوب البلاد، وبناء حكومة ومصرف مركزي وقضاء لا يدينون بالفضل للحزب.
كما سيحتاج عون وسلام إلى أن يوضح البرلمان أخيرًا أن «حزب الله» ليس له دور في الدفاع عن البلاد. وإذا نجحا، فقد يتلقى «حزب الله» هزيمة انتخابية ساحقة في الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2026، مما سيؤدي إلى تراجعه. ولكن إذا فشلا في ذلك، فسيبدأ الحزب في إعادة تجديد دمائه.
مخاوف من تدابير غير قانونية
وحذّرت المجلة من أن «حزب الله» سيلجأ أيضًا إلى تدابير غير قانونية. فلا يزال لدى الحزب الكثير من الأسلحة التي يمكنه استخدامها لتهديد المسؤولين الذين لا يرضخون لمطالبه. ومن شأن استخدام هذه الأسلحة أن يتماشى مع السوابق.
فعلى سبيل المثال، عندما سحبت سوريا قواتها من لبنان في عام 2005، قام «حزب الله» بحملة اغتيالات لضمان أن رحيل القوات السورية لن يضعف يده، وبات متهمًا باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
كما اغتال «حزب الله» شخصيات سياسية أخرى، بمن فيهم وزير الاقتصاد السابق محمد شطح، والصحفي سمير قصير، ووزير الصناعة بيار الجميل. كما أشعل العديد من الاشتباكات في الشوارع.
غير أن «حزب الله» قد لا يحظى بوقت سهل كما كان الحال في السابق، إذ كسبت القوات المسلحة اللبنانية والأجهزة الأمنية اللبنانية أرضًا في مواجهة الحزب، متحدية هيمنته.
وفي الوقت نفسه، سيكون لدى «حزب الله» أسباب داخلية تدفعه إلى الاعتدال. فخلال الحرب الأخيرة، لجأ الشيعة اللبنانيون إلى بيوت مسيحيي لبنان والمسلمين السنة.
وإذا كافأ «حزب الله» هاتين الطائفتين بتهديدهما أو مهاجمتهما، فقد يؤدي ذلك إلى ردّ انتقامي معادٍ للشيعة، مما قد يتسبب في خسارة الحزب للدعم الشيعي، وهو ركن أساسي من أركان قوته، وفق المجلة الأمريكية..
ما الخطوات المطلوبة؟
ولضمان انحسار «حزب الله»، سيحتاج عون وسلام إلى قطع التمويل عنه خلال العام المقبل والتصدي لمكائده السياسية.
وهذا يعني، أولًا وقبل كل شيء، حرمان «حزب الله» من دور في إعادة بناء جنوب لبنان. ففي عام 2006، كما هو الحال اليوم، خاض الحزب حربًا مع إسرائيل، والتي تركت الجنوب اللبناني في حالة خراب وأثارت تساؤلات خطيرة حول المنظمة.
لكن إيران أغرقت «حزب الله» بعد ذلك بالمال وساعدته على تولي مسؤولية إعادة الإعمار، وبالتالي إصلاح سمعته. واليوم، تفتقر إيران إلى الأموال اللازمة لمساعدة الحزب بالطريقة نفسها، مما يمنح الدولة اللبنانية فرصة للإشراف على العملية برمتها، ويجب أن تغتنمها. بل يجب أن يذهب كل قرش من المساعدات من الحكومة مباشرة إلى المستفيدين، وليس من خلال مجلس الجنوب أو أي هيئات أخرى يهيمن عليها «حزب الله».
ومن خلال القيام بذلك، يمكن لعون وسلام أن يثبتا للشيعة أنهم ليسوا بحاجة إلى «حزب الله» لحمايتهم، وأنهم مواطنون لبنانيون، وأن مؤسسات الدولة اللبنانية قادرة على حمايتهم.
وسيحتاج عون وسلام أيضًا إلى إحباط جهود «حزب الله» في اختيار قائد الجيش المقبل وحاكم المصرف المركزي ومدير الأمن العام وشغل مختلف المناصب القضائية الرفيعة المستوى.
وبالمثل، يجب على الحكومة المقبلة أن تحرص على أن يكون بيانها الوزاري، حيث تحدد سياسة الدولة واستراتيجيتها، متماشيًا مع تعهدات عون، واستبعاد مسؤولي «حزب الله» والمحسوبين عليه.
وفي النهاية، سيظل إضعاف «حزب الله» عملية محفوفة بالمخاطر إلى الأبد، وقد تستغرق سنوات. ولكن هذه المرة، يمكن تحقيق الهدف. فقد تحوّل الحزب من جيش إلى مليشيات تفتقر للدعم الدولي، وتكافح من أجل الحفاظ على الدعم المحلي.
في المقابل، فإن القوات المسلحة اللبنانية قادرة على ضمان النظام بطرق لا يستطيع «حزب الله» الآن القيام بها. وإذا استجمع القادة اللبنانيون الإرادة السياسية، فبإمكانهم وضع الحزب في مكانه، وفق مجلة «فورين آفيرز».
aXA6IDE4LjIxNi4xNzIuMTMzIA== جزيرة ام اند امز