مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية.. انطلاق على وقع "الغضب"
"حزب الله" يتعنت ويصر على مبدأ المحاصصة بتشكيل حكومة تشارك فيها كل الأحزاب، فيما تدعم الأحزاب المعارضة تشكيل حكومة محايدة
انطلقت المشاورات بين الفرقاء السياسيين في لبنان لتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة حسان دياب المستقيلة على وقع الغضب الشعبي جراء انفجار بيروت.
المشاورات جاءت بالتوازي مع استمرار وصول الوفود، لا سيما العربية منها، إلى بيروت للتضامن ودعم لبنان.
ويبدو واضحا من المواقف السياسية الأولى التي بدأت تصدر عن الأحزاب السياسية الاختلاف في النظرة لطبيعة الحكومة المقبلة.
ويستمر موقف فريق الموالاة، حزب الله وحلفاؤه، في التعنت وإصراره على مبدأ المحاصصة بتشكيل حكومة وحدة وطنية (أي مشاركة كل الأحزاب بها) فيما تدعم الأحزاب المعارضة تشكيل حكومة محايدة.
وتنطلق وجهة نظر المعارضة بشكل أساسي من خشيتها تكرار سيناريو الحكومات السابقة حيث خضعت لسيطرة "حزب الله" ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، مع تأكيدها ضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
- مسؤول أمريكي سابق: كارثة بيروت يتحملها "حزب الله" وحده
- "حزب الله إرهابي".. شعارات لبنانية تضيق الخناق على مليشيات إيران
وفيما يقول البعض في لبنان إن جهودا ستبذل للإسراع بتشكيل الحكومة خاصة في ظل الضغوط الدولية التي تتعرض لها البلاد بعد انفجار بيروت، يرى محللون أن الواقع السياسي المنقسم سيحول دون ذلك.
وتؤكد مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية لـ"العين الإخبارية" أن "الخيارات لم تحسم حتى الساعة في ظل الاختلاف بين من يطالب بحكومة وحدة وطنية ومن يدفع باتجاه حكومة حيادية".
وتشير إلى "استمرار المشاورات السياسية في الأيام المقبلة ليحدد بناء على نتائجها رئيس الجمهورية موعدا للكتل النيابية لتسمية مرشحها".
ووفق الدستور بعد استقالة الحكومة يحدد رئيس الجمهورية موعدا لما تسمى استشارات نيابية تقوم خلالها الكتل بتسمية مرشحها ليعين بعدها الشخصية التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات لتشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
ويدعم "حزب الله" تشكيل حكومة وحدة محاصصة، وهو ما عبرت عنه صراحة كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري بعد اجتماعها، الإثنين.
ودعت الكتلة، في بيان لها، إلى وجوب الإسراع بتشكيل حكومة جامعة تكون قادرة على إنقاذ الوطن وإعادة الثقه لأبنائه والمجتمع الدولي والعربي بالدولة وأدوارها.
يأتي ذلك في وقت كانت كل من كتلتي "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"المستقبل" (اي المعارضة)، دعت الى انتخابات نيابية مبكرة.
وأكد "القوات" و"الاشتراكي" تأييدهما لتشكيل حكومة حيادية معتبرين أن "الحديث عن حكومة وحدة وطنية لن يفيد في هذه المرحلة في ظل سيطرة حزب الله وحلفائه".
وقدّم دياب استقالته الإثنين في كلمة تم بثّها عبر محطات التلفزيون، معلناً أنه اتخذ ووزراءه قرار الاحتكام إلى "الناس وإلى مطالبهم بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة" التي خلّفت 160 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح إضافة إلى الدمار الهائل.
ولم تشف الاستقالة التي وجد دياب نفسه مرغماً على تقديمها غليل المتظاهرين في الشارع الذين تضيف فاجعة الانفجار الدامي إلى معاناتهم الطويلة في ظل أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخ بلادهم.
ولم تسجل أي مظاهر احتفال بالاستقالة، في وقت استمرت المطالبة بإسقاط كل الطبقة السياسية.
وغالبا يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان، الذي يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية ومنطق التسويات، لأسابيع وحتى عدة أشهر.
ويتوقّع أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية هلال خشان "ألا تكون هناك حكومة لأشهر طويلة"، منبّهاً إلى أنّ "لبنان يقف على مفترق طريق مؤلم".
ولا يُعرف ما إذا كان حجم الكارثة وتبعاتها، وما تلاها من تعاطف ودعم دولي ومناشدات للإسراع في اتخاذ خطوات تريح الشعب، قد يدفع الفرقاء هذه المرّة إلى تحمّل مسؤولياتهم أمام مواطنيهم.
الحريري يلوح في الأفق مجددا
ومنذ ما قبل استقالة الحكومة بدأ الحديث في أروقة السياسة في لبنان عن إمكانية عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وهو ما يرفض فريق المعارضة التعليق عليه داعين إلى انتظار ما ستؤول إليه مشاورات الأيام المقبلة.
فيما يؤكد مسؤولون في "المستقبل" ان عودته لن تحصل إذا ما ظل "حزب الله" والنائب جبران باسيل ممسكين بالسلطة.
وكان الحريري، وقبل تسمية دياب منذ 7 أشهر، قد فرض شروطا للعودة إلى رئاسة الحكومة وهي أن يؤلف مجلس وزراء حيادي من شخصيات مستقلة وهو ما رفضه، "حزب الله" وباسيل.
واليوم وفيما طرح البعض اسم السفير السابق نواف سلام ليكون رئيسا للحكومة ومعلومات تشير إلى دعم فرنسي أمريكي له، عادت شخصيات سياسية وازنة تبحث بشكل جدي إمكانية العمل على عودة الحريري، بحسب ما كشفت مصادر سياسية في المعارضة لـ"العين الاخبارية".
وربطت المصادر هذا الأمر بعودة المجتمع الدولي إلى لبنان وأهمية أن يكون الحريري في هذه المرحلة على رأس الحكومة، إضافة إلى بعض التراجع الذي قد يقدم عليه "حزب الله" وبدعم من حليفه السياسي رئيس البرلمان نبيه بري.
وسلام دبلوماسي مخضرم، تولّى منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة لسنوات، وهو قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي، سبق أن طرح اسمه بعد استقالة الحريري على وقع تحرّكات شعبية غاضبة في خريف 2019، لكن يصعب الجزم في ما إذا كان هذا الطرح جديا اليوم.
وكان دياب كلّف في ديسمبر/ كانون الأول 2019 بتشكيل حكومة قدّمت على أنها حكومة من "التكنوقراط" و"المستقلين" مع مهمة "إنقاذ" لبنان.
لكن الواقع أن التشكيلة الحكومية ولدت بدعم من طرف واحد هو "حزب الله" وحليفه تيار رئيس الجمهورية ميشال عون.
ومنذ اليوم الأول لتشكيلها وحتى استقالتها بعد 7 أشهر، لم تتمكن الحكومة من اتخاذ قرار واحد "مستقل"، بل كانت خاضعة في كل القرارات الصغيرة والكبيرة من التعيينات إلى المفاوضات الفاشلة حول الإنقاذ المالي مع صندوق النقد الدولي، للطرف السياسي الذي أتى بها.
وفي الشارع، لم يكن للاستقالة أي صدى، ونزل المتظاهرون بعد الإعلان، إلى وسط بيروت مصرّين على أن "المنظومة السياسية" المتهمة بالفساد والفشل يجب أن تحاسب بأكملها بعد كارثة المرفأ.
وقال المحامي حسين العشي، الناشط في المظاهرات، في تصريحات صحفية،: "تفعل الطبقة الحاكمة كل ما يمكنها من أجل البقاء، تشتري الوقت"، معتبراً أن "الحكومة مجرّد أداة وسيحتفظون بمواقعهم".
وكتب المحامي الناشط أيضا عماد عمار عبر حسابه على "فيسبوك": "مغادرة دياب وحكومته كان ضرورياً.. لكن من أتى بدياب ودفعه إلى المغادرة، ومن كانوا قبل دياب وهم أخطر بكثير منهم، ما زالوا في مواقعهم".
وأضاف: "الثورة لا تنتصر ولا يلوح الأمل إلا عندما يرحلون ويحاسبون جميعاً، أي المنظومة كلها، وتتغيّر ذهنية وتركيبة النظام الإقطاعي الطائفي التبعي الزبائني التحاصصي".
ويعيش اللبنانيون تحت وطأة صدمة الانفجار الذي خلف أكثر من 6 آلاف مصاب وحوالي 170 قتيلا، فيما تتواصل عمليات البحث في المرفأ عن مفقودين يقدر عددهم بأكثر من 20 شخصا.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg جزيرة ام اند امز