إرث كارتر.. قرارات عسكرية واستراتيجية مثيرة للجدل
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024 رحل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن عمر يناهز 100 عام، تاركا وراءه إرثا سياسيا معقدا ومتنوعا.
ففي الوقت الذي يذكر فيه الكثيرون كارتر بصفته رئيسا تبنى سياسات السلام وحقوق الإنسان، يحمل تاريخه الرئاسي بصمات قرارات مثيرة للجدل على المستويين العسكري والاستراتيجي.
ومن دعمه لتسليح الأفغان ضد السوفيات، القرار الذي ترك آثاره لعقود، إلى الكشف عن تكنولوجيا التخفي التي أعادت تعريف القوة الجوية الحديثة، لعبت سياسات كارتر دورا محوريا في تشكيل التوازنات الجيوسياسية العالمية.
وإلى جانب إسهاماته في السياسة الخارجية شهدت فترة حكم كارتر بداية المواجهة الطويلة بين الولايات المتحدة وإيران عقب الثورة الإيرانية، وهي مواجهة أثرت على منطقة الشرق الأوسط لعقود وما زالت تداعياتها مستمرة.
في الوقت ذاته تميزت إدارته بابتكار تقنيات دفاعية جديدة مثل الطائرات الشبحية، ما جعل إرثه مزيجا فريدا من الإنجازات العلمية والمغامرات الجيوسياسية التي شكّلت مسار التاريخ الحديث.
كما تجسد رئاسة كارتر حقبة مليئة بالتحولات والتحديات، حيث ترك إرثا معقدا يعكس التداخل بين الابتكار العسكري والقرارات السياسية الجريئة التي رسمت معالم عالمنا المعاصر.
ترى مجلة "مليتري ووتش"، المعنية بالشؤون الدفاعية، أن أحد أكثر إرث كارتر تأثيرا كرئيس هو بداية التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، فقد أشرفت إدارته على تسليح وتدريب المقاتلين ضد الحكومة المتحالفة مع السوفيات في البلاد منذ عام 1978، مما مهد الطريق لظهور طالبان وتنظيم القاعدة، ودفع موسكو إلى شن حملة عسكرية مكلفة لدعم الحكومة الأفغانية في مواجهة تهديد الإرهاب.
وأصبحت استراتيجية زعزعة استقرار شركاء موسكو الاستراتيجيين سمة أساسية لسياسة الكتلة الغربية خلال العقود التالية، بما في ذلك في يوغوسلافيا في التسعينيات وسوريا في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، وكانت ناجحة بشكل كبير في الحالتين.
كما شهدت إدارة كارتر بداية العلاقات العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، بعد ثورة عام 1979 أقام البيت الأبيض شراكة استراتيجية وثيقة مع الحكومة العراقية الجديدة بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين، التي بدأت حربا مع إيران عام 1980 لمدة 8 سنوات، ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقات بين واشنطن وطهران متوترة، حيث شهد عام 2024 أكبر سلسلة من الاشتباكات المسلحة بين القوات الصاروخية والجوية للولايات المتحدة وإيران في التاريخ.
أما إرث إدارة كارتر الأقل شهرة فهو أن إدارته كانت أول من كشف للعالم عن تطوير القاذفات الشبحية لسلاح الجو الأمريكي، ففي 22 أغسطس/آب 1980 أعلن وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت هارولد براون عن وجود تكنولوجيا التخفي، قائلا "ليس من السابق لأوانه القول إن جعل أنظمة الدفاع الجوي القائمة غير فعالة بشكل أساسي يغير التوازن العسكري بشكل كبير".
وجاء قرار الإعلان عن تطوير هذه التقنية استجابة للانتقادات التي وُجهت إلى قرار الإدارة في عامها الأول بإلغاء تطوير قاذفة B-1 الأسرع من الصوت، الذي استخدمه الخصوم السياسيون لاتهام الرئيس كارتر بتقويض دفاعات أمريكا.
ومع ذلك، فإن تحديث الدفاعات الجوية السوفياتية جعل الطائرات مثل B-1، المصممة لاختراق المجال الجوي لحلف وارسو، غير فعالة عمليا،. وبدلا من ذلك خصصت إدارة كارتر التمويل اللازم لتطوير المقاتلة F-117 وطائرة B-2 الاستراتيجية، وهما برنامجان رائدان قدما قدرات تخفي متقدمة جعلت الطائرات أكثر قدرة على النجاة.
وعلى الرغم من أن كارتر قد يكون أكثر شهرة بسبب إجراءات إدارته في أفغانستان، حيث تم ابتكار أساليب هجومية جديدة وغير تقليدية فإن قدرات التخفي التي أصبحت اليوم مرادفة للتكنولوجيا المتقدمة للطائرات المقاتلة المأهولة تجعل إدارته ذات أهمية لدفع هذه التقنيات إلى مراحل اختبار الطيران الأولى ثم إلى مراحل الإنتاج التسلسلي، خاصة في إطار برنامج F-117.
aXA6IDE4LjExNi44OS4yIA== جزيرة ام اند امز