بيئة
البقوليات تتحدى اللحوم.. «حبوب خارقة» ترسم مستقبل الزراعة والغذاء

تشهد أوروبا ثورة صامتة في حقولها الزراعية، يقودها الحمص، والفول، والعدس، والكينوا. وقد تكون هذه المحاصيل البسيطة سلاح أوروبا الجديد لمواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الأمن الغذائي المستدام.
ولاحظت المزارعة والمستشارة الزراعية ماريان مولوهال مفاجأة سارة هذا العام في مزرعتها العضوية في جنوب شرق إيرلندا، حيث كان القمح الشتوي ينمو بشكل أقوى وأخضر من المعتاد، والسر أنه زُرع على أرض نضجت فيها سابقا محاصيل من الفول والبازلاء.

وتقول مولوهال "البقوليات ببساطة تسحب النيتروجين من الهواء وتغذي التربة به، مما يقلل اعتمادنا على الأسمدة باهظة الثمن".
لكن القصة لا تتعلق بالتربة فقط، فمن خلال مشروع أوروبي رائد يُعرف باسم "البروتين الذكي" يعمل علماء وزراعيون من تسع دول أوروبية على إعادة إحياء البقوليات والكينوا كبدائل بروتينية صحية وصديقة للمناخ، في وقت يشكل فيه إنتاج اللحوم والألبان أكثر من ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا.
ويقول البروفيسور إيمانويل زانيني من جامعة كوليدج كورك في إيرلندا: "علينا إيجاد بدائل مستدامة للبروتين الحيواني، لأن النظم الغذائية الحالية لا يمكنها مواكبة نمو السكان والتغيرات البيئية".

وفي تجاربهم، نجح الفريق في تحويل البقول إلى أطعمة نباتية متطورة، مثل الزبادي والجبن والبرغر وحتى بدائل لحم السلطعون، من خلال دمج البروتينات النباتية مع الفطريات والخمائر وبقايا المخابز.
الزراعة تتكيّف مع المناخ
وأظهرت التجارب أن بعض سلالات البقوليات القديمة، التي أعيد إحياؤها، يمكنها التكيف مع تغيرات الطقس القاسية، وفي إيرلندا مثلا، أعطى محصول الفول عائدا ضعف ما أعطاه في جنوب أوروبا، ما قد يغير قواعد اللعبة للمزارعين الباحثين عن بدائل مربحة ومستدامة.
ويقول الدكتور بول فوس من جامعة فاغينينغن في هولندا، والذي يقود مشروعا آخر تحت اسم "قفزات عملاقة" بهدف تغيير مكونات الطبق الأوروبي: "نطمح لأن يصبح نصف البروتين الذي يستهلكه الأوروبيون نباتيا بحلول عام 2030، وأن تصل النسبة إلى 60٪ بحلول عام 2050".

لكن التحدي الأكبر يبقى في إقناع المستهلكين، حيث أظهرت دراسة حديثة أن المستهلكين يميلون أكثر إلى تقبّل الأطعمة النباتية المستخلصة من مكونات مألوفة، مثل البطاطا والبازلاء، مقارنة باللحوم المزروعة أو الأطعمة المستخرجة من الطحالب.
وتشير الأبحاث إلى أن بعض بدائل اللحوم لا تزال أغلى من المنتجات الحيوانية التقليدية، مما يضع عقبة أمام الانتشار الواسع. لكن العلماء يؤمنون بأن خفض التكلفة يتطلب توسيع الإنتاج ، وهو ما لن يحدث دون قبول المستهلكين.
فهل سنشهد في المستقبل القريب مطاعم أوروبية تقدم "برغر الفول العدسي" بدلا من اللحوم، يأمل العلماء والمزارعون في حدوث ذلك، من أجل صحتنا، ومن أجل الأرض.