يزعم كثير من المتأسلمين أن الليبرالية ضد الدين، وتحاربه، وتدعو إلى إلغائه من الوجود. وهذا غير صحيح البتة، ويمكن أن يسمى بعلمية أنه نوع من أنواع الكذب والافتراء.
يزعم كثير من المتأسلمين أن الليبرالية ضد الدين، وتحاربه، وتدعو إلى إلغائه من الوجود. وهذا غير صحيح البتة، ويمكن أن يسمى بعلمية أنه نوع من أنواع الكذب والافتراء والتدليس. فالليبرالية تهتم (فقط) بالدنيويات، وتنظيم علاقة الفرد بالفرد الآخر وبالمجتمع، وتهدف إلى حماية الفرد من تسلط الآخر. أما الدين، الذي هو في جوهره (علاقة) الإنسان بالله جل وعلا، فهذا شأن لا تتدخل الليبرالية فيه؛ لأنه ليس من ضمن اختصاصاتها الدنيوية.
ما ذكرته لا أعتقد أنه يغيب عن المسيسين المتأسلمين، وبالذات الذين يعيشون في الغرب تحت حماية الليبرالية وقيمها، لكنهم (يغالطون)؛ لأنهم يراهنون على جهل الأغلبية الكاسحة من العرب المسلمين، وهم يعملون للإطباق على السلطة والتحكم في رقاب الشعوب، مثلما فعل وما زال يفعل الخميني وخلفاؤه
ولو كانت الليبرالية تتدخل في شؤون الدين لما وجدنا المساجد، ومثلها معابد الأديان المختلفة تمتلئ بها أوروبا والغرب عموما، بل تعفى هذه المعابد بما فيها المساجد في أغلب تلك الدول من قانون الضرائب؛ لأنها دور عبادة وروحانيات وليست مؤسسة إنتاجية، ولا تسعى إلى الربح، كما هي المنشآت الأخرى التي تخضع إلى قانون الضرائب، بينما أي مبالغ يتبرع بها الفرد للمعابد بما فيها المساجد يتم خصمها من الوعاء الضريبي؛ لأنها بمنزلة أعمال الخير والعمل الإنساني فتخرجها من دائرة التحصيل الضريبي.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا، ويتجاوزه المتأسلمون ودعاة كراهية الغرب، هو: إذا كان الغرب والشرق يحاربان الإسلام -كما يدعون- فلماذا يسمحون للمساجد بأن تبنى ويعاملونها بخصوصية تكريمية؟ ولماذا يخرجونها من قانون الضرائب؟.. الجواب المباشر هنا أن العبادات والعقائد وممارساتها (حرية فردية)، لا شأن لهم بها، وهذا (أس) من أسس الليبرالية التي لا يقبلون المساس بها كمبدأ من مبادئ المجتمع الليبرالي الذي لا يمس إلا إذا أقحمت هذه المساجد نفسها في التحريض على كراهية الآخر المختلف، وأساءت إلى تعاليمه، ودعت إلى كراهيته، هنا تتحول دار العبادة من خصوصيته المتمثلة بالعلاقة بين الإنسان وربه إلى أنها أصبحت أداة تحريض على الكراهية بما يخل بالسلام المجتمعي والتعايش بين فئات المجتمع متعدد الأديان والمذاهب، وهذا يعتبر في تلك الدول من (المقدسات) التي لا تمس؛ لأن تلك الدول تقوم على التعايش بين الأفراد بغض النظر عن المعتقدات.
أما القول بأن (الليبرالية) منتج غربي، قد يصلح لمجتمعاتهم، لكنه لا يصلح لمجتمعاتنا، فهذا قول مردود عليه، ولا يمكن قبوله؛ لأن (الفكرة)، وكذلك الفلسفة، لا جنسية لها، فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استفاد من تنظيمات الفرس عند تنظيمه أرض السواد في العراق، فهل فرط الخليفة الثاني بالإسلام وقيمه عندما استفاد من أسلوب البلاد المفتوحة؟
ما ذكرته لا أعتقد أنه يغيب عن المسيسين المتأسلمين، خاصة الذين يعيشون في الغرب تحت حماية الليبرالية وقيمها، لكنهم (يغالطون)؛ لأنهم يراهنون على جهل الأغلبية الكاسحة من العرب المسلمين، وهم يعملون للإطباق على السلطة والتحكم في رقاب الشعوب، مثلما فعل وما زال يفعل الخميني وخلفاؤه، ولا أعتقد أن عاقلاً يطمح إلى أن يجرب في بلاده ما يمارسه الخمينيون في إيران، تلك الدولة التي مضى على إنشائها أربعون عاما، وتعيش خارج العصر، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولولا الحديد والنار لما بقي الإيرانيون المتأسلمون يوما واحدا في سلطتهم. وإيران في تقديري تعتبر نموذجا ماثلا أمام أعيننا لتجربة التأسلم السياسي، وما يمارسونه على الشعوب من ظلم وأهوال وكوارث، رغم أن لديها من الموارد الطبيعية المتنوعة ما يؤهلها إلى أن تهيئ للإنسان الإيراني كل أسباب الرفاهية والرخاء والعيش الكريم، إلا أنها تعيش عزلة وتعاني من مشاكل محورية، جعلت سقوطها حتميًّا طال الزمان أو قصر.
ومرة أخرى أقولها وأكررها: لا بقاء للدول إلا بالتنمية، ولا تنمية دون ليبرالية.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة