من يموّل مليشيات "السراج" لصد طوفان الكرامة في طرابلس؟
دور مزعزع للاستقرار تلعبه الدوحة وأنقرة منذ سنوات في ليبيا، عبر تسليح المليشيات فيها وإذكاء نيران قتال يحصد أرواح المدنيين
يسعى الجيش الليبي لإنهاء حالة الاضطراب والانقسام التي تشهدها بلاده الغارقة في أتون الحرب منذ سنوات عبر إنهاء سيطرة المليشيات في أرجاء الدولة بدأها بالشرق ثم الجنوب وحاليا غربا بتطهير العاصمة.
ومع إعلان الجيش الليبي عملية طوفان الكرامة في 4 أبريل/نيسان الجاري لتطهير طرابلس من المليشيات الإرهابية لاقت تأييدا كبيرا من الدول العربية والغربية فيما رفضتها كل من قطر وتركيا وذراعهما حركة "النهضة" الإخوانية في تونس.
ولم تتوان الدولتان مع حليفتهما في تونس في كل المحافل بالتنديد بالعملية ومحاولة استعطاف المجتمع الدولي مع حكومة فايز السراج ضد العملية العسكرية خوفا على مصالحهم ونفوذهم في الدولة الغنية بالنفط.
دور مزعزع للاستقرار تلعبه الدوحة وأنقرة منذ سنوات في ليبيا، عبر تسليح المليشيات فيها وإذكاء نيران قتال يحصد أرواح المدنيين.
ومع سقوط نظام "معمر القذافي" في عام 2011 اتجهت الدولتان إلى تقديم كافة أوجه الدعم للتنظيمات الإرهابية، الممثلة في "حزب العدالة والبناء" (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان الإرهابي) ومليشيات مدينة مصراتة أكبر داعم للإرهابيين بالغرب الليبي.
كما قدمتا دعماً لتحالف "فجر ليبيا" الإرهابية في مواجهة "عملية الكرامة" التي أطلقها الجيش الليبي في مايو/أيار 2014 بقيادة "خليفة حفتر"، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي، حيث وجه قائد الجيش الليبي في الشرق "خليفة حفتر" اتهامات لتركيا وقطر بدعم "الإرهاب" في ليبيا.
ويسعى الجيش الليبي حاليا لصد مؤامرات ومخططات يديرها تنظيم الحمدين وحليفه النظام التركي، تهدف في الأساس إلى تحويل طرابلس لغرفة عمليات لإدارة التنظيمات التكفيرية المسلحة في أفريقيا بأكملها، عقب القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق.
وأنتج البلدان مئات المليشيات الإرهابية داخل ليبيا لدعم وتحصين تنظيم الإخوان الإرهابي من أي مخاطر وأمدتا شريانا جويا وبحريا من أراضيها إلى مطارات وموانئ ليبيا لدعم المليشيات بالمال والسلاح.
وكان اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، قد تحدث صراحة قبل أيام عن وجود طيارين أجانب قادوا طائرات تتبع مليشيات مصراتة لاستهداف قواته، مشدداً على إرهابيين ليبيين فروا من طرابلس إلى الأراضي التركية.
المسماري اتهم كذلك تركيا وتونس بعلاج إرهابيين على أراضيهما، متمسكاً بأن هدف قوات الجيش الليبي تأمين طرابلس ولا تريد توسيع العمليات العسكرية.
تحذيرات من النهضة
وحذر مراقبون من محاولات تكرار السيناريو السوري في ليبيا، داعين إلى اليقظة من حركة "النهضة" الإخوانية، مؤكدين استعدادها لبيع الأراضي التونسية لصالح أجندات تركيا وقطر والإخونجية، خاصة بعد فشلهم في إقامة إمارة إرهابية في ليبيا.
وأكدوا على أن حزب النهضة كان يراهن أيضا على نجاح الإمارة الإرهابية في ليبيا لتكون سندا له، حتى تصبح صندوق مال للإخوان الإرهابية، الذي يستخدم كل إمكانات وثروات طرابلس لخدمة أهداف هؤلاء الإرهابيين من الإخوان وغيرهم، وتهديد أمن المنطقة وخاصة مصر، التي كانوا يستهدفونها لأنهم يريدون أن يجعلوها بين كماشات حماس وأتباعها من الشمال الشرقي، وليبيا من الغرب.
وفي وقت سابق، قالت النائبة في البرلمان التونسي لمياء بلمليح، إن لديها معلومات تؤكد هبوط طائرة شحن عسكرية قطرية في أحد مطارات تونس، تحمل أسلحة بغرض إيصالها للمليشيات المسلحة في ليبيا.
وأكدت النائبة التونسية، وجود طائرة عسكرية قطرية في مطار جربة-جرجيس، الأربعاء 17 أبريل/نيسان، قالت إنها في "استراحة فنية" بتونس وتحمل 11 عسكريا وأفرادا من الجيش القطري، وهذه الطائرة تحمل رقم "Casa CN235".
ورغم نفي إدارة الجمارك التونسية وجود أي صلة بين هذه الطائرة وأغراض عسكرية في ليبيا، إلا أن مصادر مقربة من الخارجية التونسية، أكدت "للعين الإخبارية" أن هناك ضغوطات قطرية تركية، من أجل السماح لهما بتمرير السلاح عبر مجالها البري والجوي إلى الحدود الليبية، ومنها إلى المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية الموجودة في الجهة الغربية للعاصمة طرابلس.
وبينت أن هذه الضغوط يقوم بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، خدمة للأجندات التركية والقطرية، مؤكدا طلب هذا الأخير اللقاء بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في أكثر من مرة خلال الأيام الماضية لمناقشة الموضوع.
فريدة الفازع الباحثة بمركز البحوث والدراسات العسكرية "مركز مستقل"، قالت، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن راشد الغنوشي يسعى رفقة إخوان ليبيا إلى التشويش على سياقات الحل في ليبيا من خلال نشر الشائعات وتكثيف الخطابات التي تدعو إلى الكراهية.
الفازع تؤكد أن قيادات الإخوان في تونس لعبت دورا سلبيا سنة 2012 بدعم الميليشيات المسلحة تحت غطاء تركي وقطري، مشيرة إلى أن حركة النهضة تعد عملية تحرير طرابلس إعلانا غير مباشر عن سقوطها في تونس.
دعم إعلامي للإرهاب
الباحث السياسي عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، قال إن قناة "الجزيرة" القطرية تقدم دعما إعلاميا كبيرا للكثير من الأطراف المتطرفة والمتشددة لنشر وجهة نظرها، وإقناع الرأي العام بأفكار تلك التنظيمات والأطراف الإرهابية.
وفيما يتعلق بالدور التركي التخريبي في ليبيا، قال عقيل، في تصريحات سابقة، إن تركيا بالرغم من أنها دولة علمانية كبيرة فإن حزبها الحاكم "العدالة والتنمية" يعد أحد أهم أذرع التنظيم الدولي للإخوان، والمتورط في دعم التطرف والإرهاب في ليبيا.
وأوضح أن الحزب الحاكم التركي يعمل من خلال علاقات معينة مع بعض الأطراف الإقليمية وعلى رأسها قطر بالتخطيط للعمليات الإرهابية ونشر التطرف في ليبيا وعدد آخر من دول المنطقة، فيما تقوم الدوحة بتمويل تلك العمليات".
استنزاف الدم والمال الليبي
وأكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن عمليات تهريب السلاح والذخيرة من جانب تركيا إلى الدولة الليبية "لن تكون الأخيرة"، مشيرين إلى أن "النظام التركي ومعه إمارة قطر لن يتخليا أبداً عن سياسة دعم الإرهاب وتأجيج النزاع المسلح".
المحلل السياسي في الشأن الليبي عثمان بركة، في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، قال إن تركيا شريك أساسي في التآمر على استقرار ليبيا منذ عام 2011، و"هذا الخبر ليس مفاجئاً أو غريباً".
ويقول بركة إن "تركيا دولة مساهمة بشكل يومي في استنزاف الدم والمال الليبي"، مضيفاً أن "الدولة التركية حكومة ورئيس تعد حاضنة آمنة لكل قيادات تنظيم الإخوان وقيادات الجماعة الإرهابية"، مستنكراً توجيه الدعوة بالأساس إلى أنقرة في مؤتمر باليرمو، "لأنها ليست دولة جوار، لكنها شريك فقط في سرقة ثروة الشعب الليبي".
سفن الموت
وفي ديسمبر/ كانون أول الماضي، ضبط الأمن الليبي في ميناء الخمس البحري الواقع بين طرابلس (العاصمة) ومصراتة (غرب)، حاويتين تضم كل منهما 40 قدمًا محملة بالأسلحة والذخيرة، كانت على متن سفينة قادمة من ميناء مرسين التركي، رغم أن الحمولة كانت تشير بياناتها إلى أنّها مواد بناء.
وقبلها بأسبوع، ضبطت الجمارك الليبية كذلك شحنة من الأسلحة التركية تتضمن مسدسات من طراز 9 ملم مع مئات الآلاف من طلقات الذخيرة الخاصة بهذه المسدسات، وهي تركية المنشأ ومُصنّعة من قبل شركة "zoraki" التركية للصناعات الحربية.
وأثارت الحادثة تنديدا واستنكارا واسعين، رافقتها مطالب بإدانة تركيا بتهمة خرقها قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر بيع ونقل الأسلحة إلى ليبيا، وفتح تحقيق لمعرفة دورها في تأجيج الفوضى وتعطيل التسوية السياسية.
وسبق أن قرر مجلس الأمن الدولي عام 2011، حظرا بموجب القرار رقم 1970 على توريد الأسلحة إلى ليبيا، وأهاب بجميع الدول الأعضاء تفتيش السفن المتجهة إليها، ومصادرة كل ما يحظر توريده وإتلافه.