مصرفي ليبي يفصح لـ"العين الإخبارية" عن آلام الاقتصاد وروشتة العلاج
قال هيثم العبيدي الخبير المالي والمصرفي الليبي إن وضع بلاده الاقتصادي عانى كثيرا من الانقسام السياسي والمؤسساتي ووجود حكومتين متوازيتين.
وأشار العبيدي في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أن السوق الليبي سوق استهلاكي صرف، والناتج المحلي الإجمالي مبني على 90 % من النفط وأن قطاعي الخدمات والرسوم السيادية يمثلان نسبة صغيرة جدا في الناتج المحلي.
وأكد أن عدم الترشيد الحكومي في النفقات كان أحد أسباب تدهور الوضع الاقتصادي إذ إن الميزانيات المعتمدة خلال الأعوام الماضية من عام 2015 تقريبا ممولة بالدين العام وتعتمد أكثر من 70 من الإنفاق الحكومي (تمويل استهلاكي) ونحو 30 % موزعة على أبواب الميزانية الأخرى، والجانب التنموي لم يتعد 5% منها.
وأضاف أن قطاع التجارة مسيطر على الاقتصاد الليبي متمثل في رقابته عبر مؤشر أسعار المستهلك، وقطاع مديونية الأفراد وهو مرتبط بالنظام المالي المصرفي وقطاع الائتمان المعطل منذ 5 سنوات لعدة أسباب أبرزها قانون رقم 1 لسنة 2013 الخاص بتحريم المعاملات الربوية وهو ما شل قطاع الائتمان في ليبيا وأثر علي القطاع المالي المصرفي الذي أصبح يعتمد على أرباحه من رسوم على الخدمات المصرفية وبيع العملة الأجنبية.
وتابع قائلا: إنه لم تكن هناك سياسة واضحة في البنك المركزي هل سيتم التوجه نحو اقتصاد إسلامي صرف أو التوجه لخدمات مالية مصرفية تقليدية، وشهدت ربكة كبيرة في البنوك خاصة مع الانقسام السياسي وانقسام المصرف المركزي، مع مشاكل أمنية واقتصادية ومالية وسياسية مختلفة، وابتعد المصرف المركزي عن مهامه الرئيسية في المحافظة على مستوى العام للأسعار وتنظيم الائتمان ومراقبة سعر الصرف.
توحيد سعر الصرف
ونوه إلى أن تحديد سعر صرف الدولار نهاية عام 2020 كان ملحا للعمل على التوازن السعري واستقرار المستوى العام للأسعار، وهو من أهم وظائف البنك المركزي للحفاظ كأحد أدوات السياسة النقدية، وسد الفجوة السعرية بين سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار في المصارف والسوق السوداء.
وأضاف أن هذا الإجراء تم بسهولة وارتياح بعد تشكيل لجنتين من المصرفين المركزيين البيضاء وطرابلس، ووضعوا سعر صرف جديد نهاية 2020 وكان له دور كبير في القضاء على السعر الموازي بالسوق السوداء وتحقيق التوازن، وهو أمر صعب الآن مع عودة الانقسام.
التشخيص المالي
ونوه إلى أن التشخيص العام للوضع المالي والاقتصادي في ليبيا خلال الأعوام الماضية تشخيص مؤقت مبني على متغيرات سياسية وأمنية مؤثرة على مجريات ما يحدث في الموانئ النفطية.
وأردف: أن تعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة ساعد في رفع مستوى إنتاجات النفط وطمأنة الشركات الأجنبية للدخول والتنقيب عن النفط الليبي.
وأوضح أن المالية العامة مشوهة والإنفاق غير رشيد مبني على المراجعة اللاحقة وهو لم يقف سدا أمام الفساد، والنائب العام لديه ملفات للعديد من قضايا الفساد الحكومي أو المصرفي.
وأضاف أن الوضع الحالي يمس المستقبل خاصة مع ارتفاع الدين العام وهو ما يثقل كاهل الأجيال القادمة، مع عدم وجود بنية تنموية واستثمارية وسوق منظم سيدفع تكلفتها الأجيال القادمة، والبلاد منذ عشر سنوات تتعرض لتدمير البنية التحتية اقتصادية ومالية وتشريعية.
توحيد المصرف
ويقول العبيدي إن مسار توحيد فرعي المصرف المركزي متوقف منذ نحو شهرين، معربا عن أمله أن يستمر هذا المسار ولا يتوقف لأن ذلك في صالح الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي في ليبيا، وأن توقفه وتشظي الانقسام سيعود بالآثار السلبية فيما يتعلق بتنامي الفساد في القطاع المالي المصرفي وينعكس على إدارة النفقات المالية لقطاع الأفراد وزيادة الدفع نحو ارتفاع مؤشر المديونية لمواجهة النفقات الأساسية.
وأشار العبيدي إلى أن عملية توحيد المصرف المركزي بدأت وفقا لقرارات دولية لتوحيد المصرف المركزي من مجلس الأمن، وتم تكليف مكتب مراجعة دولية وديلويت Deloitte وتشكيل لجنتين من المصرفيين وعقدت عدة اجتماعات بين المصرفيين.
وحول ما تم التوصل له في عملية التوحيد يرى العبيدي أنه لا أثر واضح وصريح على سياسة التوحيد مع اختلاف وجهات النظر والآراء بين فرعي المصرف المركزي وقد أعدت الشركة تقريرها عن عملية الفحص ولم يعلن عنه وتم التحفظ عن نشره.
وشدد على ضرورة نشر هذا التقرير، قائلا: فالإفصاح مهم للشعب الليبي والاختلافات كثيرة من أهمها فتح المقاصة بين المصارف وخارطة توحيد إدارات المصرف.
نجاحات مركزي البيضاء
وأشار إلى أن البنك المركزي فرع البيضاء متمسك بالنجاحات التي حققها منذ عام 2015 إلى عام 2020 ومن بينها جانب الشمول المالي والاستقرار المالي والمعهد المصرفي في مدينة شحات ومكتب الإصدار في طبرق ومقر الاستقرار المالي في البيضاء والإدارة العامة في بنغازي والمركز الليبي للتثقيف المالي والاستراتيجية الوطنية للشمول المالي والتعليم والتثقيف المالي واستراتيجية إصلاح وتحديث وتطوير القطاع المالي المصرفي والعديد من المشاريع التي أقيمت في المصرف، في حين أن المركزي طرابلس لديه نقاط يتمسك بها ورؤية أخرى.
نقاط مضيئة
ويرى العبيدي أن الجانب المضيء في الاقتصاد الليبي أن المراكز البحثية وضعت إمكاناتها العلمية للإعداد والتجهيز مشاريع خطط البناء الحقيقي للدولة الليبية وقد أعدت وجهزت لذلك في حال استقرت الدولة سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
وأضاف أن المركزي البيضاء عمل على تطوير ذاته وتم توقيع اتفاقية مع البنك المركزي المصري لتطوير القطاع المصرفي وستنطلق العملية في العام القادم.
إضافة إلى اتفاقية مع البنك المركزي العراقي في تحديث مؤشرات سلامة الاستقرار المالي ومؤشرات الإنذار المركزي واتفاقية مع البنك المركزي المغربي والمؤسسة المغربية للثقافة المالية حول تعزيز الشمول المالي في الدولة الليبية.
كما لدى المركزي عضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD "، ومذكرة تفاهم مع منظمة أفلاطون الدولية للتربية المالية، وعدة تعاونات مع مراكز بحثية ومختصة محلية وإقليمية ودولية أخرى فيما يتعلق بالمستقبل.
الحلول
ويؤكد المصرفي الليبي أن البيئة الاقتصادية في بلاده متنوعة بالثروات البكر مثل السياحة والزراعة والثروة البحرية والمعادن الثمينة مثل الذهب والفوسفات والبيئة الصحراوية التي يمكن أن تعتمد على الطاقة النظيفة وبها تنوع بيئي ممتاز وبيئة استثمارية جيدة مع موقعها كبوابة إفريقيا على المتوسط، ومقابلة سواحل أوروبا، والبيئة التشجيعية التحفيزية الاستثمارية.
مردفا أن ما يعرقل ذلك عدم الاستقرار السياسي وعدم توحيد البلاد وعدم وجود دستور دائم وحكومة موحدة وارتفاع مؤشرات الفساد وتدهور مؤشر التعليم.
وأضاف أن ليبيا لديها جهود مبعثرة محلية تحتاج الى تنظيم وتحديد المسؤوليات وهي أمور تحتاج إلى دستور وحكومة موحدة ومجلس تشريعي موحد.
وأكد أنه هناك حاجة ملحة إلى رؤية جديدة وبرنامج إصلاح اقتصادي وسياسي واجتماعي ومصالحة وطنية شاملة وعادلة لتحقيق النمو في الجوانب المذكورة والاستقرار، في ظل فساد مستشري في القطاعات الخدمية والقطاع المالي وأيضا مجتمعي كثقافة راسخة سيكون المعرقل الأساسي في الاستقرار والنمو.
وناشد العبيدي فرعي المصرف المركزي لاستئناف عملية التوحيد ومجلسي النواب والدولة للإسراع في تعيين المناصب السيادية قد تكون خطوة في توحيد المؤسسات وستحتاج إلى إرادة وطنية حقيقية ولملمة الوطن وإيقاف الحرب وتحقيق الاستقرار ومحاربة الفساد وهي مهمة جدا لرؤية ليبيا للأعوام القادمة.