تركيا تروج لسحب مرتزقة من ليبيا.. مناورة جديدة أم خطوة نحو الحل؟
حراك دولي حول ليبيا، تسارعت وتيرته في الفترة الأخيرة، في محاولة لإنقاذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات المقبلة، في موعدها.
فمن مؤتمرات دولية للقاءات مسؤولين ليبيين مع نظرائهم في مصر وألمانيا، إلى مؤتمر فرنسي تعتزم باريس تنظيمه الشهر المقبل، خطوات كانت كفيلة بإحداث اختراق في الأزمة الليبية التي لم تراوح مكانها منذ قرابة عشر سنوات.
آخر تلك الاختراقات التي أحدثها ذلك الحراك الدولي حول ليبيا، ما كشف عنه المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، بترويج المخابرات التركية لقرار بشأن ترحيل ألفي مرتزق سوري من الأراضي الليبية إلى سوريا، مؤكدًا صدور تعليمات إلى تلك العناصر بحزم أمتعتهم.
تمرد واستياء
وقال المرصد السوري، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إن ألفي مرتزق من بين 7 آلاف عنصر بليبيا، صدرت لهم أوامر بإعادتهم إلى سوريا، بالتوازي مع سير العملية السياسية في ليبيا.
وأكد أن القرار التركي بترحيل المرتزقة، جاء بعد ما شهدته الأيام الأخيرة من تمرد في صفوفهم و"سرقة رواتبهم" وتخفيض جزء منها من قبل القيادات المسؤولة عنهم، إلا أنه تساءل عن إن كانت عملية الانسحاب الجديدة وهمية على غرار العملية السابقة التي كانت مقررة في مارس/آذار الماضي؟
إلا أن القرار التركي، يتزامن مع محادثات بين أنقرة والقاهرة حول تطبيع العلاقات بين البلدين، كان أحد المحاور فيها ترحيل المرتزقة، وهو ما أكدت عليه العاصمة المصرية أمس، في لقاء جمع وزير الخارجية سامح شكري ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، مشيرة إلى ضرورة إخراج المرتزقة كسبيل وحيد لاستعادة سيادة ليبيا.
ورغم ذلك إلا أن ما روجته تركيا بشأن سحب ألفي مرتزق من ليبيا لم تُكشف الأسباب الحقيقية خلفه بعد، ولم يتضح ما إذا كان مناورة من أنقرة أم أنه خطوة جاءت بعد تصريحات مصرية ودولية، بضرورة إخراج تلك العناصر.
وإلى ذلك، استطلعت "العين الإخبارية" آراء محليين ليبيين حول تلك الخطوة وأسبابها وسر توقيتها، وما السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، وكيفية تأثير ذلك على العملية الانتخابية المقبلة.
مناورات تركية
المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش قال، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن مسألة خروج المرتزقة السوريين من ليبيا أصبحت قصة مكررة وبسيناريوهات متعددة.
وأضاف أن "الأمر لا يتعلق بعملية خروج حقيقية، وإنما مناورات تركية هدفها الفرقعة الإعلامية وامتصاص الغضب الدولي من مواقف أردوغان "المتعنتة والرافضة" لاستقرار وتسوية الأزمة الليبية.
وأوضح أن "الأنباء تتواتر منذ أشهر حول سحب تركيا للمرتزقة السوريين من مناطق شمال غرب ليبيا، لكن الواقع غير ذلك فما يزال هناك آلاف المرتزقة من مصراتة مرورا بالهمس وطرابلس والزاوية وحتى قاعدة الوطية على الحدود الليبية التونسية".
وأشار إلى أنه "لا توجد نية لتركيا لإخراجهم من ليبيا، فالمرتزقة السوريون أصبحوا أداة أنقرة للحروب وزعزعة الاستقرار في مناطق النزاع في أفريقيا والشرق الأوسط، مستغلة حالة الفقر والحاجة للشباب السوري الذين ساهمت أنقرة في تدمير بلادهم".
وحول ما إذا كان للموقف المصري دور في إمكانية سحب المرتزقة، قال المرعاش إن "ملف الوجود التركي والمرتزقة السوريين كان حاضرا على طاولة المحادثات التركية-المصرية الهادفة لتطبيع العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أنه يمثل نقطة خلاف رئيسية بين تركيا التي ترفض مناقشته، ومصر التي تصر على التوصل لاتفاق حوله".
تهديد مباشر
المحلل السياسي الليبي أوضح أن القاهرة ترى أن الوجود العسكري التركي في ليبيا واعتماده بشكل أساسي على تنظيمات "إرهابية متطرفة" من المرتزقة السوريين، يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري.
ولفت إلى أن القاهرة تصر على جلاء كل القوات الأجنبية وقبل تنظيم الانتخابات، لخشيتها من تأثير مباشر للوجود التركي على نتائج الاستحقاق الدستوري، أو قبول بعض الأطراف لنتائجها بسبب الوجود التركي.
وأكد المرعاش أنه من الخطأ الحديث عن موقف المجتمع الدولي إلا إذا اعتبرنا أن الدول الفاعلة في الملف الليبي تمثل المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن مسألة اتخاذ خطوات عملية لإخراج المرتزقة والوجود العسكري الأجنبي في ليبيا مختلف عليها بين هذه الدول.
عجز دولي
وشدد المحلل السياسي الليبي على أن عجز المجتمع الدولي عن طرح آليات محددة لإخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، سيكون له تداعيات خطيرة على تنظيم الانتخابات والقبول بنتائجها.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي محمد يسري إن ما أثير بشأن سحب تركيا بعضا من مرتزقتها في ليبيا، يأتي بعد التدخل الأمريكي في ليبيا وإقرار قانون استقرار ليبيا من قبل الكونغرس الأمريكي، مشيرا إلى أن واشنطن حسمت موقفها ما من شأنه أن يساهم في إعادة الاستقرار إلى البلد الأفريقي.
وأوضح المحلل الليبي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن التحركات الأمريكية، خاصة الزيارة الأخيرة لقائد القوات الأمريكية في أفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند إلى طرابلس كانت بمثابة التحذير لكل الدول المتداخلة بشكل سلبي في السياسة الليبية خاصة تركيا، والتي تتخوف من تبعات تطبيق "قانون الاستقرار" القاضي بفرض عقوبات وإبعاد لكل الشخصيات المعرقلة للتسوية السياسية والانتخابات، وهو ما تخشاه أنقرة.
الموقف المصري
وأشار إلى أن اللقاءات القادمة للمجتمع الدولي بشأن ليبيا قد تدفع تركيا لتطبيق مزيد من الإجراءات الخاصة بليبيا والتي من شأنها أن تحد وتقلل من فرص تدخلها في ليبيا وربما مغادرتها بشكل كامل للأراضي الليبية
لم تكن الخطوات الأمريكية تجاه ليبيا وحدها من كانت السبب في تغيير مواقف تركيا وإن كان تغييرًا نسبيًا، إلا أن الدور المصري كان له تأثير كبير، بعد وضع الكثير من الخطوط العريضة للأزمة الليبية، حسب المحلل السياسي الليبي، الذي قال إن مصر طالبت تركيا في المحادثات الأخيرة بينهما بضرورة إنهاء وجود المرتزقة في ليبيا كون أنقرة أصبحت تشكل خطرا على المنطقة ككل.
وأوضح يسري أن لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي الأخير مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يدعم سياسة القاهرة تجاه ليبيا، والرامية لضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وأكد المحلل السياسي الليبي أن الأحداث على الأرض تشير إلى أن تركيا بدأت تستجيب للمطالب المصرية، فضلا عن الضغط الدولي المتزايد بضرورة إخراج المرتزقة وإنهاء الوجود العسكري في ليبيا.
الأحداث تتسارع
رؤية يسري تجاه الخطوات التركية توافقت مع رؤية المحلل السياسي الليبي خالد الترجمان تجاه تلك التطورات، فيما أكد الأخير أن الأحداث تتسارع في ليبيا للحاق بموعد ضربته الدول العظمى للانتخابات في ليبيا.
وأوضح الترجمان أن زيارة لقائد القوات الأمريكية في أفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند إلى مطار معيتيقة، والذي سيطرت عليه قوات أمريكية، بديلا عن المرتزقة السوريين، بالإضافة إلى عقد اللجنة العسكرية الليبية المشتركة اجتماعا في طرابلس للمرة الأولى، أحداثا تجعل من المسؤول عن تأمين إجرائها قادرا على دفع تركيا لترحيل مرتزقتها من سوريا.
وتوقع المحلل السياسي الليبي أن تتسارع الخطى نحو نزع المليشيات في ليبيا سلاحها الثقيل، معبرا عن تفاؤله بإمكانية مشاركة تلك العناصر، بعد نزع سلاحها، الجيش الليبي في تأمين الجنوب الليبي.
aXA6IDMuMTM4LjEyNC4yOCA= جزيرة ام اند امز