المتابع للتسريبات التي ظهرت قبل سنوات بين القذافي وأمير قطر من جهة، وبين القذافي ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم من جهة أخرى، يدرك أن علاقة حميمة كانت تربط الطرفين
المتابع للتسريبات التي ظهرت قبل سنوات بين القذافي وأمير قطر من جهة، وبين القذافي ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم من جهة أخرى، يدرك أن علاقة حميمة كانت تربط الطرفين، وأن العدو المشترك للطرفين لم يكن سوى المملكة العربية السعودية.
وحسب الشهود، تعمقت هذه العلاقة بعد التلاسن الذي حدث خلال قمة القاهرة سنة 2003 بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والقذافي.. بعدها أصر القذافي على ما أصر عليه وبيّت النية وتوطدت علاقته مع قطر، وكان ما كان..
حلف الشيخ حمد بالطلاق أن دورهم هو فقط مساعدة الشعب الليبي، وأنهم لا يدعمون أية جماعات متشددة، إلا أنه امتدح رجال هذه الحركات وقال إنهم مقاتلون أشداء يمكن الاستعانة بهم
لم تكن علاقة القذافي مع قطر علاقة عادية فقد ساعدت الأخيرة على الخروج من العزلة الدولية؛ وكان دورها محوريا في قضية الإفراج عن الطبيبات البلغاريات المتهمات بحقن 426 طفلا ليبيا بدم ملوث بفيروس الإيدز؛ حيث أعلن عن صندوق بنغازي لجبر الضرر الذي لحق بالأطفال الضحايا وصلت قيمته 600 مليون دولار أعلن حينها أن دولا من الاتحاد الأوروبي وأمريكا ساعدت في هذا الصندوق؛ لكن الحقيقة خلاف ذلك؛ فقطر من دفع المبلغ كله، حيث سلم الشيك السفير القطري في باريس في ذلك الوقت.
هذه المعلومة التي ظلت لبعض الوقت في خانة "سري للغاية"، كشفها وزير سابق في حكومة القذافي مع دليل مادي هو نسخة من الشيك القطري.
بديهي أن قطر لم تصرف بالمرة هذه الأموال الطائلة لأجل عيون القذافي، ولم تكن من أجل تعميق مصلحة البلدين اقتصاديا أو سياسيا، تماما كما لم تكن لأجل ربط أواصر الأخوة بين الشعبين القطري والليبي كما يعلن دائما أمام الإعلام؛ والدليل على ذلك أن أمير قطر انقلب على صديقه الحميم القذافي.
هل كان أمير قطر يسعى لدفن أسرار اللعب الخبيث والدسائس والمغامرات خصوصا تجاه المملكة العربية السعودية ومصر؟ ربما.
القذافي الذي لم يستوعب موقف قطر منه، استطاع تسريب جزء من تلك الدسائس؛ حيث أرسل تلك التسريبات للمملكة العربية السعودية وربما لم يسعفه الوقت لتسريب قضايا أكثر من ذلك؛ حيث عملت قطر بكامل قوتها وقوة حلفائها على الإسراع بإسقاط نظامه، وبعد سقوط العاصمة طرابلس توجهت الكتائب المتشددة الحليفة لقطر بقيادة عبدالحكيم بالحاج لجميع المكاتب التي يتوقع أن تحتوي على وثائق تتعلق بأسرار نظام القذافي ووضعت يدها على جميع تلك الوثائق التي لم تستطع أي حكومة ليبية الوصول إليها حتى الآن، ولا يستبعد البعض نقلها لكعبة المضيوم.
انقلبت قطر على الصديق القذافي منذ الساعات الأولى للحراك الليبي، وقد أبلغني المستشار مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، أنه بعد ساعات من إعلان انشقاقه عن نظام معمر القذافي تلقى اتصالا من شخص قطري عرف نفسه على أنه من الديوان الأميري، وكان يحمل رسالة شفهية من الأمير حمد تفيد بأن قطر تهنئه على الانشقاق عن نظام القذافي وتريد أن تعرف مطالبه لمساندة الثورة.. كان رد المستشار أنه لا يطلب أي شيء فالقضية وما فيها أنه انحاز لثورة شعبه ضد نظام معمر القذافي خصوصا بعد تغليب النظام للحل العسكري، كما أنه يرى هذا موقفا داخليا لا شأن لأحد فيه.. في اليوم الثاني رن الهاتف وإذا بالشخص نفسه الذي تحدث معه أمس يقول له: الأمير حمد يريد أن يتحدث معك.. بعد السلام قال الشيخ حمد: "أريد أن أبلغك أن قطر كلها تحت تصرفكم وتحت تصرف مطالب الشعب الليبي".
يبدو أن القذافي صديق الأمس حانت لحظة استبداله.. فما سر هذا الانقلاب العجيب السريع في المواقف؟ في الواقع لا سر في الأمر فهو واضح جلي؛ قطر التي دعمت الإخوان في مصر وتونس كان لا بد لها من بلد غني مجاور يدعم تمكين حكم الإخوان ماديا واستراتيجيا في الدولتين المجاورتين، وعندما يذكر الإخوان يتساقط جميع الأصدقاء بالنسبة لقطر.
بذلت قطر الغالي والنفيس في مساعدة الثوار في ليبيا، لكنها انتهجت استراتيجية خاصة بها حيث وجهت جميع دعمها للحركات المتشددة التي ينتمي أغلب مقاتليها لتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية، وتفادت في الوقت نفسه التعامل مع الجيش الليبي بقيادة المرحوم عبدالفتاح يونس.
هذا التوجه استغربته بعض الشخصيات الليبرالية في ليبيا والذين كان ينتمي بعضهم للمكتب التنفيذي في ذلك الوقت، وأذكر هنا ما روى لي مصطفى عبدالجليل أيضا حول الدور القطري؛ حيث تلقى اتصالا في الشهر السادس من 2011 أي بعد انطلاق الثورة بأربعة أشهر تقريبا، من بعض الشخصيات النافذة في المكتب التنفيذي، وأبلغوه شكوكهم حول الدعم القطري للثورة الليبية، واقترحوا تنظيم لقاء مع أمير قطر الشيخ حمد في باريس ليبلغه بهذه الشكوك؛ وفعلا اجتمع المستشار مصطفى عبدالجليل بأمير قطر الشيخ حمد في باريس، بحضور أحد أبناء الأمير وأبلغه المستشار بملاحظاتهم وشكوكهم حول الدعم الذي تقدمه قطر للثورة الليبية.
حلف الشيخ حمد بالطلاق أن دورهم هو فقط مساعدة الشعب الليبي، وأنهم لا يدعمون أية جماعات متشددة، وليس لديهم نية من وراء ذلك، إلا أنه امتدح رجال هذه الحركات وقال إنهم مقاتلون أشداء يمكن الاستعانة بهم في ميادين القتال.
ليس غريبا أن يصوم فقهاء التحريض على إراقة الدم عن القول بحنث الشيخ حمد في يمينه.. أجل حنث حنثا عظيما بدليل المعلومات السرية الخطيرة التي تسربت عن الدور القطري القذر في ليبيا، ذلك الدور الذي يدفع الليبيون ثمنه دما وفوضى لا تلوح في المستقبل المنظور نهاية لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة