الجنوب الليبي.. سيل من الأزمات والمخاطر تحاصر "المثلث الملتهب"
إجراءات ليبية لحماية الجنوب ولسد فوهة البركان الذي يلفظ حممه مهددا وحدة ومصير البلد الأفريقي والجوار عبر "المثلث الملتهب".
فمنذ أشهر، بات الجنوب الليبي يتسيد المشهد الخلفي، بعد الانتخابات التي كان الطريق إليها متعثرًا في كل مراحله، وبعد إرجاء الاستحقاق الدستوري، عاد ليتصدر ثانية وخاصة بعد إعلان الجيش الليبي بدء حملة عسكرية واسعة وشاملة لفرض الأمن فيه، تبعها إعلان إغلاق المنفذ الحدودي مع دولتي السودان وتشاد.
إلا أن تلك الإجراءات المعلنة، استدعت طرح عناوين عريضة لسيل الأزمات المتراكمة في الجنوب الليبي، وما إذا كانت ستكون بمثابة حلول "سحرية" و"جذرية" لتلك الأزمات، أم أنها غير كافية لبسط الأمن.
فما هي مشكلات الجنوب الليبي؟ وما التهديدات التي يمثلها انفلات الأمن في تلك المنطقة على دول الجوار؟ وهل هناك تعاون مشترك لحلحلتها؟ الإجابة تستعرضها "العين الإخبارية" في تقريرها التالي:
تهريب الوقود
إحدى وأهم الأزمات التي يعاني منها الجنوب الليبي هي نشاط تهريب الوقود، والذي يتخذ "الإرهابيون" والعصابات المسلحة من تلك المنطقة نقطة انطلاق ثمينة لترويج نشاطهم، حتى بات النفط الليبي "حراما" على أهل تلك المنطقة، "حلالا للطير من كل جنس".
اجتماع أمني لحل أزمات الوقود جنوب ليبيا
فبحسب مصادر أكدت في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، أن عصابات متخصصة في تهريب الوقود إلى دول الجوار تنشط بقوة في مناطق بني وليد والقريات والشويرف والشاطئ وسبها وما بعدها.
وأكدت المصادر أن تهريب الوقود يمر عبر مراحل أولها من منطقة القريات نقطة الاستلام حتى الوصول لمحطات الاتجار غير الشرعية في وادي الشاطئ، ومنها إلى مدينة سبها عن طريق منطقة زلاف الرملية التي تقع بين وادي الشاطئ وسبها.
آثار سلبية
وأدت عمليات التهريب تلك إلى ارتفاع أسعار المحروقات، بسبب سيطرة تجار السوق السوداء الذين تحولوا من التجارة إلى تنظيم مسلح له نشاطات متعددة تصلح للسطو وقطع الطريق أمام شحنات الوقود المدعومة من الحكومة الليبية، لإتاحتها للمرتزقة التشاديين المنقبين عن الذهب في مناطق العوينات ومناطق حوض مرزق في أقصى الجنوب الشرقي والغربي من البلاد.
ليبيا تلاحق 103 من مهربي الوقود.. القائمة تضم مديري محطات
تلك العمليات ألحقت بالاقتصاد الليبي خسائر كبيرة، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط التي قدرت في وقت سابق، خسائر التهريب المنظم للوقود بأكثر من 750 مليون دولار سنويا.
وفي محاولة لحصار تلك الظاهرة، أصدرت السلطات القضائية أوامر بالقبض على مئات من مهربي الوقود، بالإضافة إلى إعلان الجيش الليبي، شروع القوات المسلحة في عمليات لتأمين وصول كافة الإمدادات التموينية والمحروقات لتلك المناطق.
وفي ديسمبر/كانون الأول المنصرم، تعهد آمر عمليات الجنوب اللواء المبروك سحبان وآمر منطقة سبها العسكرية اللواء فوزي المنصوري، بالقضاء على التهريب، وتشكيل لجنة من الشركات لمراقبة ومتابعة المحطات، في إجراءات آتت أكلها بعض الشيء، إلا أنها لم تقطع حتى اللحظة دابر تلك العناصر التي تقتات على الوقود الليبي.
تهريب الأسلحة والبشر
إحدى الأزمات "الخطيرة" التي يعاني منها الجنوب الليبي، والتي لا تؤثر فقط على البلد الأفريقي أو جيرانه، بل إنها تمتد إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، باعتبار ليبيا إحدى النقاط "المشتعلة" التي يخرج منها المهاجرون غير الشرعيين.
فبحسب تقرير سابق لمركز كارنيغي للأبحاث، فإن عجز ليبيا عن السيطرة على حدودها يتسبب بمشاكل كبيرة بالنسبة إلى جميع جيرانها، مشيرًا إلى أن تهريب الأسلحة والبشر الذي يعبر الأراضي الليبية، يتدفق بحرية إلى حد ما من جميع أنحاء المغرب العربي، بفضل الجماعات العرقية وعلاقاتها الوثيقة بشبكات الإجرام المنظَم، والتي تعمل على ربط المنطقة بعضها ببعض.
الحدود مع تشاد والسودان.. "مثلث ملتهب" في ليبيا
ويعد الجنوب ممرا "هامًا" لتهريب الأسلحة وتجارة البشر، كما أنه بات أحد أهم منافذ توريد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ إذ تعمل عصابات منظمة على جلب المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقية، وإيصالهم إلى منافذ بحرية عدة بطرابلس وزوارة، وتاجوراء، ما يهدد أمن واستقرار القارة العجوز.
زيارة مفاجئة
إلا أن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش أجرت زيارة مفاجئة إلى مدينة سبها في الجنوب الليبي، في مايو/أيار الماضي، تعهدت فيها بأن ليبيا لن تكون قاعدة خلفية لا رسمياً ولا فعلياً، لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
تلك الزيارة وما تلاها من عقد مؤتمر برلين 2، في يونيو/حزيران الماضي، والمحاولات الأخيرة لزعزعة الأمن والاستقرار في مدينة سبها، أعادت الجنوب الليبي مجددًا إلى بؤرة الاهتمام.
اهتمام سياسي، تزامن مع إجراءات صارمة للجيش الليبي، لمحاربة بؤر تهريب الأسلحة والاتجار بالبشر في المنطقة، تمكن خلالها من تحييد بعض العصابات فيما تعهد بإعادة الأمن والأمان لتلك المنطقة.
وأعلن اللواء مبروك سحبان، بدء حملة عسكرية واسعة وشاملة لفرض الأمن في جنوب البلاد، مؤكدًا في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الأجهزة الأمنية والعسكرية تستهدف تجارة المخدرات والتهريب والهجرة غير الشرعية وانتشار المجموعات المسلحة.
ملاذ الإرهابيين
ساهمت المساحة الشاسعة للجنوب الليبي والأحداث المختلفة التي مر بها البلد الأفريقي، إلى جعل تلك المنطقة ملاذًا للإرهابيين، الذين وجدوا ضالتهم فيها.
وانتشرت تنظيمات إرهابية في الجنوب الليبي، مثل تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وعناصر من "بوكو حرام" الذين تم نقلهم لليبيا للحصول على تدريبات لنشر الفوضى في منطقة الساحل الإفريقي، بالإضافة إلى المتمردين التشاديين.
وفي محاولة من تلك التنظيمات الإرهابية لمقاومة ضربات الجيش الليبي، بدأت مؤخرًا في تنفيذ بعض العمليات الإرهابية ومحاولة زعزعة استقرار المنطقة، حتى لا تفقد الملاذ الآمن لها.
الخطة الشاملة.. الجيش الليبي يفرض الأمن بالقوة جنوبا
إلا أن الجيش الليبي كان لتلك المحاولات بالمرصاد، وحاول بشتى الطرق تجفيف منابع والتصدي للجماعات المتطرفة، التي تريد جعل الجنوب ملاذا آمنا لها؛ فوجه في يونيو/حزيران الماضي، وحدات من كتائب المشاة لدعم غرفة عمليات تحرير الجنوب الغربي في الاتجاه الاستراتيجي، ولتعقب الإرهابيين وطرد العصابات المرتزقة الأفارقة التي تهدد الأمن والاستقرار وتمارس النهب والسرقة والتخريب والتهريب بأنواعه.
تحييد الإرهابيين
ومنذ ذلك الحين، يعلن الجيش الليبي عن عملية هنا وأخرى هناك، لتحييد "إرهابيين" وبسط الأمن في المنطقة، كان أحدثها إعلان كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة للجيش في مدينة الكفرة إغلاق المنفذ الحدودي مع دولتي السودان وتشاد، نتيجة انتشار عصابات مسلحة تمتهن النصب والحرابة والاعتداء على الليبيين.
وفي تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أكد اللواء مبروك سحبان، أن الجيش الليبي واجه التنظيمات الإرهابية في كل ليبيا بحزم كبير، مشيرًا إلى أن تلك العناصر تظهر بين الحين والآخر مستغلة المساحة الواسعة للجنوب الليبي الذي يربطها بـ3 دول أفريقية.
ورغم ذلك، إلا أن المسؤول العسكري الليبي، أكد أن تلك العصابات بدأت تنتهي تدريجيًا، مشيرًا إلى أن هناك أعمالا فردية فقط، فيما أصبحت المجموعات الكبيرة التي كانت تسيطر على الجنوب الليبي بشكل شبه كامل غير موجودة.
وأشار إلى أن الجيش يسعى لإخراج المجموعات الأجنبية والدخيلة المسلحة، طوعا أو عن طريق القانون عبر اتخاذ الإجراءات بشأنهم.
وفيما يبدو أن خطط ومساعي الجيش الليبي، في ذلك الإطار باتت تؤتي أكلها، أعلن كينجابي أوغوزيمي دي تابول، المتحدث باسم جبهة التناوب والوفاق التشادية المتمردة، الأسبوع الماضي، أن الكثير من المتمردين التشاديين في ليبيا، يريدون العودة إلى بلادهم.
عودة المرتزقة
وفي إشارة للمسلحين التشاديين المتواجدين في ليبيا، قال دي تابول في تصريحات صحفية: «هم يدركون ضرورة العودة (..) في الماضي، كنا في ليبيا لمحاربة داعش، لكن اليوم نعرف أنه لابد أن نعود».
تلك التصريحات جاءت بعد قرابة شهرين، من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بممثلي دول السودان وتشاد والنيجر، في مصر، لغرض التشاور ووضع آلية للتواصل والتنسيق، بشأن خطة عمل لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية.
وبحسب البيان الصادر في ذلك الوقت، فإن ممثلي دول السودان وتشاد والنيجر أبدوا استعدادهم التام للتنسيق والتعاون الذي يكفل خروج كافة المقاتلين الذين يتبعون لدولهم وبكافة تصنيفاتهم من الأراضي الليبية، وضمان استقبال هذه الدول لمواطنيها والتنسيق لضمان عدم عودتهم مجددًا إلى الأراضي الليبية وعدم زعزعة استقرار أي من دول الجوار.
إجراءات عديدة، اتخذتها السلطات المحلية لبسط سيطرتها على تلك المنطقة الهامة في البلاد، إلا أن مراقبين قالوا إنها ليست كافية لتحييد ذلك الخطر الذي يهدد البلد بأكمله، مطالبين بتعاون أكبر بين دول الجوار وليبيا من جانب، وأوروبا وطرابلس من جانب آخر، لضمان القضاء على تلك المخاطر التي لن تستثني أحدًا، إذا ما خرجت عن السيطرة.
aXA6IDMuMTQxLjcuMTY1IA== جزيرة ام اند امز