هل يقود مجلس النواب الليبي جهود حلحلة الأزمة في البلاد؟
مجلس النواب الليبي يعتبر فاعلا رئيسيا ومهما يمكن التعويل عليه من جانب الأطراف الدولية، خاصةً عبر الدفع بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
استضافت القاهرة منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عددا كبيرا من أعضاء مجلس النواب الليبي، وقد تمَّ الاتفاق خلال الاجتماع على تشكيل لجنة للتواصل مع البعثة الأممية، وعقد جلسة للبرلمان في إحدى المدن الليبية للعمل على مناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية.
- مستشار رئيس البرلمان الليبي يستبعد تسوية سياسية مع السراج
- الغرب الليبي يرفض منح البرلمان "الموازي" أي شرعية
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طالب رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، في مذكرة رسمية أرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، بضرورة حماية أموال الليبيين من تسخيرها من جانب حكومة الوفاق غير الشرعية لصالح الجماعات الإرهابية في طرابلس.
كما جدَّد صالح مطالبته مجلس الأمن بضرورة إعادة النظر في استمرار ترؤس فايز السراج لحكومة الوفاق.
مقومات واعدة
يملك مجلس النواب الليبي مقومات عدة تُمكّنه من لعب دور أكثر فاعلية في الجهود المبذولة نحو حلحلة الأزمة الليبية، والتي يأتي على رأسها مشروعية موقفه.
ويعد مجلس النواب الليبي هو السلطة الوحيدة المنتخبة من جانب المواطنين الليبيين منذ عام 2014، كما أن غالبية النواب المُقدَّر عددهم بنحو 160 نائباً يحضرون جلساتهم في طبرق أقصى الشرق الليبي، في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العاصمة طرابلس المُسيطَر عليها من جانب بعض المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية المدعومة من جانب حكومة الوفاق.
كذلك فإن مجلس النواب يحظى بالاعتراف الدولي كونه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، وفي ظل كون هذا البرلمان هو نتاج ما تمخض عنه الاتفاق السياسي المُوقَّع في الصخيرات أواخر عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، وهو ما يمنح البرلمان الليبي الأحقية بأن يكون ممثل الشعب الليبي في أي ترتيبات دولية بما فيها مؤتمر برلين المزمع عقده أواخر العام الجاري.
وفي السياق ذاته، فإن الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر يعترف بمجلس النواب الليبي كونه جهة تشريعية منتخبة، وهو ما تجلّى مع إعلان القيادة العامة للقوات المسلحة في بيان في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن ترحيبها باجتماع أعضاء مجلس النواب في القاهرة، كما عبَّرت عن أملها بأن تُكلَّل مساعي النواب بالنجاح، والوصول إلى حلول ناجزة للأزمة الليبية، وبما يحقق مصالح الشعب الليبي.
وفي ظل انحصار الصراع الليبي في الوقت الحالي بين طرفين أساسيين هما الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على غالبية الأراضي الليبية، وحكومة الوفاق المعترف بها دولياً وبشكل خاص من جانب المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، فإن هناك فرصة أمام المجتمع الدولي من أجل تجاوزهما، والتعاون مع مجلس النواب الليبي كونه الكيان المنتخب من الشعب الليبي الذي يحظى بقبول واسع على المستوى الدولي.
كما يعبر البرلمان الليبي عن أطياف واسعة من الشعب الليبي ويمثل كافة المناطق الليبية باستثناء طرابلس في ظل انشقاق نوابها عنه، علاوةً على أنه غير منخرط في أعمال عسكرية على مدار السنوات الخمس الماضية.
نزع الشرعية عن حكومة الوفاق
تحركات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج بمعزلٍ عن البرلمان الليبي المنتخب تعتبر غير قانونية، وهو ما أكده رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، حيث اعتبر أن "السراج يترأس جسماً غير شرعي بالمخالفة للاتفاق السياسي، كما يباشر عمله دون تأدية اليمين القانونية".
ووفق اتفاق الصخيرات، فإن مدة ولاية حكومة الوفاق عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب، وفي حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها، يتم تجديد تلك الولاية تلقائياً لعام إضافي فقط، على أن تنتهي ولاية الحكومة مباشرة فور تشكيل السلطة التنفيذية بموجب الدستور أو انقضاء المدة المحددة لها، أيهما أقرب.
يذكر أن مجلس النواب الليبي رفض منح الثقة لحكومة الوفاق، وهو ما يعني أنها حكومة غير دستورية، كذلك فإن مجلس النواب الليبي قادر على سحب الثقة من حكومة الوفاق بموافقة 120 عضوا من أعضاء البرلمان، كذلك فإنه وفق المادة 13 من اتفاق الصخيرات فإن مجلس النواب المُنتخب له سلطة التشريع، ومنح الثقة أو سحبها لحكومة الوفاق، واعتماد الميزانية العامة، والرقابة على السلطة التنفيذية.
البرلمان الموازي
حاول نواب طرابلس تدشين كيان موازٍ لمجلس النواب الليبي، عبر عقد جلسات في طرابلس لعددٍ منهم لا يتجاوز 35 نائبا من أصل نحو 200 نائب، في محاولة من أجل الإيحاء بأن هناك برلمانين في ليبيا، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح" إلى إعلان إسقاط عضوية النواب المقاطعين للمجلس، وذلك في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، حيث اعتبر صالح أن وضعهم غير دستوري، خاصةً أن أي اجتماع خارج مقر مجلس النواب الرسمي يجب أن يكون بدعوة من رئيس المجلس نفسه.
وتأكيداً على وجود مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق بين أنقرة وحكومة الوفاق، قام بعض نواب طرابلس بزيارة أنقرة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كمحاولة من أجل تضمين نواب طرابلس في المشهد السياسي، والإيهام بانقسام مجلس النواب وعدم انفراد غالبيته الموجودة في الشرق بصناعة القرار، خاصةً مع اقتراب عقد مؤتمر برلين، حيث التقى نواب طرابلس مع بعض نواب مجلس الأمة التركي في حضور مبعوث الرئيس التركي إلى ليبيا "أمر الله إيشلر"، وقد أكد نواب طرابلس تقديرهم للدور التركي المتمثل في دعم حكومة الوفاق.
ومن ناحية أخرى، حاول المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، المنحاز بشكل كبير إلى جانب حكومة الوفاق، إضفاء درجة من الشرعية على نواب طرابلس، وهو ما تجلّى بلقاء سلامة مع بعض النواب المنشقين في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقد شهد اللقاء تناول العملية السياسية ومسار اجتماعات برلين، في حضور نائبة سلامة للشؤون السياسية "ستيفاني وليامز".
تغيُّر ماهية الصراع
مع التسليم بتحقيق الجيش الوطني الليبي نجاحات ميدانية بارزة على محاور العاصمة طرابلس، لا سيما في الأسابيع الأخيرة، إلا أنه يمكن القول إن الأزمة الليبية قد انتقلت من مرحلة "توزان الضعف" إلى مرحلة "صعوبة الحسم"، خاصةً في ظل إدراك الجيش الوطني لصعوبات اقتحام العاصمة طرابلس خوفاً على المدنيين فيها.
وهو ما أكده المشير خليفة حفتر في حوار صحفيّ له منتصف أكتوبر/تشرين الأول، حيث أكد أنه "بإمكاننا أن ننهي هذه الحرب خلال يوم أو يومين عن طريق اجتياح كاسح بالأسلحة الثقيلة من جميع المحاور، لكن ذلك سيؤدي إلى دمار المدينة وخسارة كبيرة في صفوف المدنيين من سكانها، نحن نضع سلامة المواطنين ومرافق الدولة فوق كل اعتبار".
ويعني هذا بالضرورة أن الحسم العسكري أمر مستبعد في الوقت الحالي، بما يرفع سقف التوقعات حول النتائج المتوقعة من مؤتمر برلين المزمع عقده، بيد أن أغلب التقارير تشير إلى مشاركة فاعلين دوليين فيه دون مشاركة أطراف ليبية.
وهو مسعى تحاول من خلاله برلين التأكيد على حيادية المؤتمر وعدم انحيازه لأحد طرفيّ الصراع، وهو مسعى مقبول نظرياً، لكن واقعياً لا يمكن بأي حال من الأحوال الوصول إلى حلول ناجزة دون مشاركة أطراف الأزمة أنفسهم، حتى في المراحل الأولية والتحضيرية للمؤتمر.
ومن أجل تجاوز تلك المعضلة، فإن مجلس النواب الليبي يعتبر فاعلا رئيسيا ومهما يمكن التعويل عليه من جانب الأطراف الدولية خاصةً عبر الدفع بتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق ما نصّ عليه اتفاق الصخيرات كخطوة أولى نحو التوصل إلى اتفاق شامل لحلحلة الأزمة الليبية.
ومن شأن عدم وجود إرادة دولية حقيقية نحو التخلُّص من المليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس، استمرار الوضع المتدهور في العاصمة، وهو هدف من المحتمل تجاوزه في ظل الحديث عن مشاركة تركيا في المؤتمر، وهي التي تقدم كافة أوجه الدعم الممكنة لتلك المليشيات من أجل إفشال مساعي الجيش الوطني في دخول طرابلس.
وفي المجمل، فإن مجلس النواب الليبي يظل هو الطرف الأبرز في الداخل الليبي، ولديه من المشروعية والمقبولية الداخلية والإقليمية والدولية، ما يكفي كي يكون هو المُعبِّر الحقيقي عن إرادة المواطنين الليبيين، ولذا فإن أي ترتيبات سياسية تتجاوز مجلس النواب لا يمكن التعويل عليها في المرحلة المقبلة، ولا يمكن التوصل إلى اتفاق ناجح دون أن يكون مجلس النواب الليبي طرفا أساسيا فيه.
aXA6IDMuMTI5LjQyLjE5OCA= جزيرة ام اند امز