"كوماندوز" الإسعاف الليبي.. مهام انتحارية وسط المعارك
تحت صوت الرصاص وبين دانات المدافع، يتحرك المئات من الجنود المجهولين في ليبيا، والهدف واحد "إنقاذ أرواح الأبرياء".
جنود ليبيون من نوع خاص لا ينتمون لأي من طرفي النزاع.. سلاحهم أدوات طبية محدودة علها توقف نزيف آلاف الأبرياء من فظائع الاشتباكات المسلحة.
لم تكن ليلة الخميس الماضي ككل ليالي الليبيين؛ إذ عاشت العاصمة طرابلس ساعات من الرعب المتواصل بعد اندلاع اشتباكات وسط الأحياء السكنية، علق على أثرها العديد من الأسر والنساء داخل القاعات والأسواق وعلى أطراف الطرق يبحثون عن مفر ولكن دون جدوى.
ليلة دامية شهدتها طرابلس ربما ليست الأولى، لكنها أسقطت هذه المرة 16 شخصا و52 مصابا، بعد وقوع أضرار جسيمة في المنازل والأسواق والمحال التجارية والطرقات، وربما كانوا لا يزالون أحياء لو ترك لأطقم الإسعاف والهلال الأحمر الليبي فرصة للقيام بمهامهم.
مهام تحت التهديد
موجة العنف الجديدة في طرابلس ومصراتة أعادت للأذهان محاولات المليشيات الليبية في "كتم" صوت الإسعاف باعتباره نداء الإنقاذ الأخير للملايين من أبناء هذا البلد.
لم تتوقف وعود متطوعي الهلال الأحمر الليبي وهم يردون على المستنجدين بهم عقب اندلاع الاشتباكات، لكن هذه الوعود قطعتها أطراف النزاع المسلح ولم ينصت أي طرف لدعوات وقف إطلاق النار.
طرقات ضيقة وشوارع غير مؤهلة تحاصرها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لا يجد جنود الإسعاف "المجهولون" سواها في الوصول إلى المدنيين العالقين لشدة الاشتباكات.
حنان السعيطي مدير المكتب الإعلامي بالأمانة العامة للهلال الأحمر الليبي تحدثت عن الليلة الدامية في طرابلس قائلة: "كنا نتواصل مع المدنيين والنساء عبر الهواتف والإنترنت.. نقدم لهم بعض الإرشادات التي قد تساعد في الحفاظ على أرواحهم إلى حين دخول الفرق وإخراجهم".
وأضافت السعيطي لـ"العين الإخبارية": "كنا نعمل على تهدئة المواطنين عبر الهاتف، وطلبنا منهم عدم الاقتراب من النوافذ والأبواب والابتعاد عن السيارات لحين الاتفاق مع أطراف النزاع لإخراج المدنيين وفقا لإطار الوصول الآمن الخاص بالهلال الأحمر الليبي".
وينص هذا الإطار على حماية المتطوعين والمواد والأدوات والمدنيين في أثناء الاستجابة للبلاغات، لضمان حماية سلامة الفرق والمدنيين في الهلال الأحمر.
هدنة مؤقتة
أسلحة ثقيلة وأخرى متوسطة وخفيفة استخدمتها المليشيات وسط الأحياء السكنية معرضة حياة المدنيين وممتلكاتهم للخطر دون توقف، ورغم ذلك خاطر متطوعو الهلال الأحمر بحياتهم لإخراج العائلات والنساء العالقين داخل شارع النواعم.
ويضم شارع النواعم في طرابلس عددا كبيرا من قاعات المناسبات، والتي علقت داخلها العديد من النساء، فيما سعت فرق الهلال الأحمر للوصول إلى أقرب نقطة آمنة من تلك القاعات لإخراج المدنيين وتسيير حركة المرور على الطريق العام.
مشاهد مأساوية أزاحت حنان السعيطي الستار عنها، مؤكدة أنه وبعد ساعات طويلة من الاشتباك استطاع الهلال الأحمر أن يتوصل لاتفاق هدنة مع أطراف النزاع؛ حيث عملت الفرق خلال فترة وقف إطلاق النار (الهدنة) بآلياتها ومعداتها على الاستجابة للبلاغات التي وردت بالمئات من منطقة مشروع الموز بطرابلس تحديدا، والتي كانت أكثر المواقع تضررا.
وقالت: "استطاعت الفرق إخراج أكثر من 122 عائلة عالقة داخل مشروع الموز خلال هدنة وقف إطلاق النار.. كان مشهدا مأساويا".
مشاهد مأساوية
نساء تصرخ وأطفال يبكون وظلام يخيم على المكان.. مشاهد لن تستطيع (سلوى التاجوري - 28 عاما من عين زارة) أن تنساها، فقد كانت رفقة أمها وأخواتها الثلاثة عالقين داخل إحدى قاعات الأفراح وسط الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في طرابلس.
تروي سلوى لـ"العين الإخبارية": "كنا نحتفل داخل إحدى القاعات.. وفجأة بدأنا في سماع صوت القذائف والطلقات تقترب منا ولكن لم ندرك أننا في مرحلة خطرة إلا عندما سقطت قذيقة عشوائية على القسم الشرقي من القاعة".
"حينها بدأت النساء بالصراخ والأطفال بالبكاء، وحاولت كل السيدات الخروج ولكن لم نستطع.. كانت ليلة سوداء".. هكذا مضت التاجوري في وصف ما شاهدته.
وتقص كذلك: "تواصلنا مع فرق الإسعاف وفرق الطوارئ ومع الهلال الأحمر ولكن لم تستطع أي جهة مساعدتنا فالضرب كان عشوائيا ومرعبا".
وتضيف: "حتى الساعة 3:00 صباحا عندما توقفت الاشتباكات ودخلت فرق الهلال الأحمر بشارتها الحمراء وأخرجتنا.. لن أنسى ذلك الرعب ولا تلك السعادة التي غمرتني عندما صعدت على متن إحدى الحافلات التابعة للهلال رفقة أمي وإخوتي".
مهام وقت الحروب
ويضطلع متطوعو الهلال الأحمر في كل أرجاء ليبيا بعملهم الإنساني بتفان وشجاعة رائعين رغم المخاطر التي يتعرضون لها.
مدير مكتب الإعلام بفرع الهلال الأحمر بطرابلس كريم دياب أكد لـ"العين الإخبارية" أن فرقهم عملت خلال اشتباكات طرالبس الأخيرة على إخراج الأسر العالقة من عدة مناطق منها منطقة طريق المشتل، والسبعة، ومنطقة مشروع الموز، وقامت بإيصالهم إلى ذويهم.
وحول عمل فرق الهلال الأحمر الليبي خلال الحروب والاشتباكات، قال دياب: إن الفرق عملت على آلية الإخلاء والتأمين الإسعافي بالإضافة للمساندة اللوجستية المتمثلة في توزيع المساعدات الإنسانية والطبية، والتوعية أيضا بمخاطر المخلفات من الحروب.
ولفت إلى أنه في حال الحروب التي تتسبب في تهجير عدد كبير من العائلات والمدنيين، تقدم فرق (الدعم النفسي) واللوجستي لتلك الأسر التي تهجرت بسبب الحرب.
والهلال الأحمر الليبي جمعية أهلية تطوعية تسعى لمساعدة السلطات العامة في مجال العمل الإنساني ولها شخصيتها الاعتبارية المستقلة، تأسست في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1957، ووقع الاعتراف بها من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 9 ديسمبر/كانون الأول 1958، ويوجد مقر أمانتها العامة ببنغازي.