من دون المعنى لا حياة، إن غاب المعنى غاب الأمل، وإن غاب الأمل غاب الإنسان.
لا يوجد إنسان على وجه الأرض يستسيغ فكرة عبثية الحياة، فَعِوضاً عن أنها فكرة مرعبة فإن الدلائل المتعددة تنفيها تماماً، على الأقل كما أجمع العقلاء في الماضي والحاضر، فيستحيل أن تكون الحياة عبثية وبلا معنى، هكذا يُسلِّم العقل وهكذا يميل الوجدان، فالحياة لها معنى، وهذا المعنى لا نجده سوى في الدين.
الحياة في ذاتها وأحداثها وما يرتبط بها من واجبات يجب أن يخضع الإنسان لها ويقوم بها بدءاً من ولادته وحتى موته (تربية وتعليم، أمراض وأدوية، زواج وأبناء، لقاء وفراق، وفاء وخيانة، موت ورحيل...إلخ) جميعها روتين ممل وقاتل، ولولا المعنى لَحُكِم على البشرية بالانهيار والدمار والانقراض في نهاية المطاف.
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) معنى، (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) معنى آخر، وهذا المعنى الوارد في تلك الآيات القرآنية كفيل بحماية الإنسان من الأزمات الوجودية عندما يتدبر تلك الآيات ويقتنع بها تماماً لتكون بعد ذلك اعتقاداً راسخاً في عقله وحقيقة يطمئن بها وجدانه.
إن الإنسان في نظري أشبه ما يكون بالروبوت، ولكنه "روبوت إلهي"، له لغة برمجة خاصة تمت بواسطة "النفخة الإلهية"، فكما أن "الروبوت البشري" خاضع لسيطرة الإنسان ويحتاج إلى صيانته، وتفقده من حين لآخر، فكذلك الإنسان بالنسبة لله، وعند حدوث أي خلل في برمجة هذا الروبوت، فإنه سيختل بكامله، وربما يتعطل نهائياً، ويتوقف عن العمل، والله جل جلاله يتفقد الإنسان من خلال: شعوره بأنه بحاجة لله، أو يشعر بدافع قوي للسجود لله، وتسبيحه وتعظيمه، أو تأنيب الضمير عند الإخلال بأحد أركان الدين.
وهذه البرمجة يتم تدعيمها، وتقويتها، وصيانتها من خلال أساسيات الدين والروحانيات: (الصلاة، الصدقة، قراءة القرآن، ذكر الله) وبها سيشعر الإنسان بالانتظام، وحضور المعنى، والوضوح مع ذاته، ومع من حوله ومع الحياة، وسيكون مُنتجاً، وفعَّالاً، ونافعاً، لنفسه وأسرته ومجتمعه، أمّا إن حاول الإنسان أن يعبث في برمجته، فسيكون مصيره التخبط والضياع، نجد مثلاً العالم سيجموند فرويد؛ حيث أراد أن يجعل من الدين وهماً، وألَّف في هذا كتاباً أسماه (مستقبل الوهم)، ويقصد به الدين، وكانت النتيجة أن اختلَّ نظامه البرمجي، فجعل من الكوكايين بديلاً للدين، وأصبح مدمناً عليه حتى وفاته.
إن قضية المعنى لا تتضح ولا تُفهم ولا تكون أصلاً سوى في الدين (كنشاط ذهني تقوم به وعقيدة تؤمن بها وطقوس تمارسها).
من دون المعنى لا حياة، إن غاب المعنى غاب الأمل، وإن غاب الأمل غاب الإنسان.
الحياة في ذاتها وأحداثها وما يرتبط بها من واجبات يجب أن يخضع الإنسان لها ويقوم بها بدءاً من ولادته حتى موته (تربية وتعليم، أمراض وأدوية، زواج وأبناء، لقاء وفراق، وفاء وخيانة، موت ورحيل.. إلخ) جميعها روتين ممل وقاتل، ولولا المعنى لَحُكِم على البشرية بالانهيار والدمار والانقراض في نهاية المطاف.
إلا أنه وفي ظني أن هذا المعنى لا يُحدِث تأثيراً ولا يستشعره الإنسان إلا عندما يكون الدين للوجدان، لا أن نجعل من الدين دستوراً سياسياً أو نظاماً اقتصادياً أو علاجاً لأمراضنا الجسدية والنفسية، فأعيدوا الدين للوجدان ليعود الإيمان والمعنى للإنسان.
يقول الطبيب والعالم فيكتور فرانكل بعد خوضه تجربة مريرة في السجون النازية: "كانت تجرى معاملتنا كأشياء لا وجود لها على الإطلاق، أي ككيانات من العدم، أما الوعي بالقيمة الداخلية للفرد فقد صار يعلو في أشياء أسمى وأكثر روحية، ولا يمكن أن تهزها حياة المعسكر. ولكن كم من الأشخاص الأحرار ولندع المسجونين جانباً يمتلك ذلك الوعي؟".
وعن حديثه عن الذين كانوا يتعرضون للتعذيب: "فالطريقة التي تحملوا بها آلامهم تمثل إنجازاً داخلياً أصلاً، تلك هي الحرية الروحية، وهي التي لا يمكن سلبها من الإنسان، وهي التي تجعل الحياة ذات معنى وذات هدف".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة