أمن الطاقة في أوروبا.. هروب من عباءة موسكو إلى قبضة واشنطن (تحليل)
أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا تنشيط التحالف الأمني والاقتصادي والطاقوي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يضم معظم الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية.
الأسبوع الماضي، شددت الولايات المتحدة على ضرورة قيام الحلفاء بتكثيف الاستثمارات في الغاز لضمان ألا يصبح التحالف مرة أخرى رهينة إمدادات الطاقة الروسية.
في حديثه في اجتماع وزراء مجموعة السبع حول المناخ والطاقة والبيئة في اليابان، سلط مساعد وزير الطاقة الأمريكي أندرو لايت الضوء على الحاجة إلى استثمارات مستمرة من قبل الحلفاء في إمدادات الغاز الجديدة.
وشدد على أن إمدادات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية تظل بالغة الأهمية لأمن الطاقة الأوروبي، حيث تواصل تقليص اعتمادها على الغاز الروسي.
وأضاف أن الولايات المتحدة ليست قلقة من استمرار قدرة روسيا على بيع نفطها وغازها رغم العقوبات، لأنها تسمح للدول بشراء الطاقة بأسعار أقل.
يغذي هذا الفكرة القائلة بأن سقف أسعار مبيعات الطاقة الروسية هو أيضا جزء من سياسة الولايات المتحدة الأوسع نطاقا، للإبقاء على أسعار النفط والغاز منخفضة.
وفقا لـ"سيمون واتكينز"، تاجر وبائع فوركس سابق ومحلل مالي، تؤمن الولايات المتحدة أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى ارتفاع التضخم، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار الفائدة المستخدمة لمكافحته، وزيادة احتمالية حدوث ركود في العديد من الدول.
تتطلع الولايات المتحدة والحلفاء في أوروبا إلى تنويع سلاسل التوريد للمواد التي طالما هيمنت عليها الصين، فواشنطن لا تريد أن تكون تحت رحمة الصين وأن تكون في نفس الموقف تجاه بقية العالم كما كانت روسيا مع أوروبا.
قبل الحرب، كانت موجة النشاط الحقيقية الوحيدة من قبل أي مجموعة داخل الاتحاد الأوروبي تهدف إلى ضمان عدم توقف روسيا عن إمداد الدول الأعضاء فيها بالنفط أو الغاز، بسبب عدم قدرتها على الدفع بالطريقة التي تفضلها موسكو.
جاء ذلك في أعقاب مرسوم 31 مارس/آذار 2022 الذي وقعه الرئيس فلاديمير بوتين، والذي يطلب من المشترين في الاتحاد الأوروبي الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي عبر آلية جديدة لتحويل العملات أو المخاطرة بتعليق الإمدادات.
وفقا لوثيقة رسمية تم إرسالها إلى جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة في 21 أبريل/نيسان من قبل فرعها التنفيذي، المفوضية الأوروبية: "يبدو أنه من الممكن دفع ثمن الغاز الروسي بعد اعتماد المرسوم الجديد دون التضارب مع قانون الاتحاد الأوروبي، ويمكن لشركات الاتحاد الأوروبي أن تطلب من نظيراتها الروسية الوفاء بالتزاماتها التعاقدية بنفس الطريقة التي كانت عليها قبل اعتماد المرسوم، أي بإيداع المبلغ المستحق باليورو أو بالدولار".
وفقا لـ"oil price" أضافت المفوضية الأوروبية أن عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية ضد روسيا أيضا لم تحظر التعامل مع غازبروم أو غازبرومبانك الروسيين فيما يتجاوز حظر إعادة التمويل المتعلق بالبنك.
أوضحت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنها ستستخدم حق النقض ضد أي اقتراح من الاتحاد الأوروبي لحظر واردات الغاز أو النفط الروسية، ويجب على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 التصويت لصالح مثل هذا الحظر حتى يدخل حيز التنفيذ.
ومع ذلك، في ظل "التشجيع" الكبير من الولايات المتحدة، أجرت ألمانيا تحولاً بمقدار 180 درجة في موقفها القوي المؤيد لروسيا سابقا في مجال الطاقة، والذي عززته في المقام الأول بصفقة -بقيادة الولايات المتحدة- للغاز الطبيعي المسال.
يظل الغاز الطبيعي المسال الشكل الأكثر مرونة للغاز بالنسبة للمشترين، حيث يتوفر بسهولة في الأسواق الفورية ويمكن نقله بسرعة كبيرة إلى أي مكان مطلوب، على عكس الغاز المرسل عبر خطوط الأنابيب.
على عكس الغاز عبر الأنابيب أيضا لا تتطلب حركة الغاز الطبيعي المسال بناء كثيفا للوقت والمال من مساحات شاسعة من خطوط الأنابيب عبر تضاريس متنوعة، وما يرتبط بها من بنية تحتية ثقيلة تدعمها.
في جوهرها، فإن إمدادات الغاز الطبيعي المسال هي "إمدادات الغاز المتأرجح" في أي حالة طوارئ عالمية لإمدادات الغاز، كما كان الحال في ذلك الوقت في النصف الأول من عام 2022.
لذلك بدأت الشركات الأوروبية في توقيع اتفاقيات بشأن التعاون في مجال الطاقة وتحديدا الغاز الطبيعي المسال.
تم الاعتراف بالأهمية الأوسع لهذه الصفقات بين الشركات الأوروبية وموردي الغاز.
بالنسبة للولايات المتحدة، يبقى العبء على ضمان إمدادات وفيرة وبأسعار معقولة من الغاز الطبيعي المسال.
توقعت إدارة معلومات الطاقة (EIA) في مارس/آذار أن صادرات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة ستبلغ متوسط 12.1 مليار قدم مكعب في اليوم في عام 2023، بزيادة قدرها 14% (1.5 مليار قدم مكعب/يوم)، مقارنة بالعام الماضي.
وتتوقع الوكالة أيضا زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 5% إضافية (0.7 مليار قدم مكعب في اليوم) العام المقبل، تستند هذه التوقعات بشكل حصري تقريبا إلى استمرار ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال لإزاحة صادرات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا.