في معظم البلدان، وليس جميعها، يتصارع القديم والحديث، وعادة ما يتجاور الاثنان.. نكهة الماضي ومذاق المستقبل.
لكن الإمارات تختلف عن بلدان كثيرة في هذا، بفضل التطور العمراني الضخم الذي تشهدها، عكس بلدان ما زالت تبحث عن هويتها أو حائرة بين القديم والحديث.
في الإمارات لا يخشى كثيرون وسط التطور العمراني الفائق على مستقبل البراجيل، أيقونة دبي الخالدة، فهي تمثل معلمًا معماريًا وأيقونة ورمزًا وشاهدًا مميزًا للسكن الإماراتي.
ويتجلى ذلك في المباني القديمة التي ما زال بعضها موجودًا إلى الآن في منطقة الفهيدي والسوق القديمة والبستكية والشندغة وغيرها.
"البراجيل" رمزٌ لما يمثله البناء القديم، من حيث الشكل والتصميم والوظيفة، وهو ما يميّز دولة الإمارات عن غيرها.
ولا يختلف اثنان على أن تأثير التراث العمراني في دولة الإمارات امتد إلى الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الحالية، حيث تجد العمران وأوجه الحياة الحديثة كل ربوع الدولة. واستعانت دبي مثلا بالمعماريين العالميين أمثال: فرانك جيهري، تادو أندو، زها حديد، جان نوفيل، نورمان فوستر، وغيرهم من عمالقة المعمار العالميين الذين أسهموا في تصميم العديد من المشروعات المبتكرة، وهذا ما جعلها على قمة الحداثة في مجال الأعمال المعمارية المبتكرة، التي تتمتع بتوازن وانسجام جماليين، وبيئة غنية لجميع الحقول والميادين التي يتنافس عليها العالم، لذلك ذهبت إلى إنشاء المتاحف الفنية الحديثة: أسواق بطراز معماري فريد.. معارض ومؤتمرات ومنتجعات سياحية وفنادق فخمة.. وأوبرا ومتحف الفن الحديث، وغيرها من شبكات واسعة وعملاقة قلّ نظيرها في العالم.
يذكرنا التاريخ بأن دبي كمثال إماراتي شهدت على الدوام تاريخًا تجاريًا حافلًا، وكانت بمثابة نقطة عبور للقوافل التجارية السالكة للطريق التجاري الذي يمتد من العراق إلى عُمان براً، ومرفأ استراتيجي لكل السفن التي تنتقل بين الهند وشرقي أفريقيا وشمالي الخليج العربي، ما جعلها مركزًا تجاريًا عالميًا، تمتزج فيه الثقافات والحضارات، حيث انعكس ذلك على جميع ملامح المدينة وطريقة عيشها، وانصهرت فيها فنون الأمم الأخرى لتُغني الحياة وتجعلها أكثر ثراءً، مع تنوع فنون آسيا وأوروبا والاحتفاظ بطابع الأصالة العربية والهوية الإماراتية.
ترمي حزمة من المشاريع الاستراتيجية الوطنية في الخمسين سنة المقبلة إلى تأسيس مرحلة جديدة من النمو للإمارات في الداخل والخارج، تعتمد فيها على التقنيات الجديدة والطاقة الجديدة والاستدامة والمناخ وغيرها من مشاغل العالم الكونية، لذلك فهي جزء من المشروع العالمي الحداثي، الذي يعمّ بخيراته وازدهاره على الجميع، مواطنين ومقيمين في هذا البلد.
لو قلبنا مفردات المشاريع الإماراتية نراها تقنية وتكنولوجية وافتراضية تتماشى مع العصر، الذي نعيشه، مثل حقول "اتصالات" و"حديد الإمارات" وشركة "الطاقة النظيفة"، وغيرها من مشاريع الاستدامة العملاقة.
لا ترضى الإمارات بأن تصبح خارج السرب في عملية التطوير لآفاق المستقبل، فهي أكثر حرصًا على تنفيذ بنودها لكي لا تتخلّف عن الركب العالمي، ولردم الهوة التي تتسع يومًا بعد آخر بين العالمين، العربي والغربي عمومًا، فالبُلدان التي لا تطور شعوبها، حسب ما تقتضيه المتغيرات الدولية، تقترف خطأً كبيرًا في حقها وعيشها الرغيد، أو أنها تكون غير واعية بما يتنبأ به المستقبل والعصر.
وبالتوازي مع المتغيرات العالمية، لا تهمل الإمارات أي شاردة أو واردة من التراث، فهي الأكثر تركيزًا عليه.. تحتفي بكل موقع أثري يوجد في باطن أرضها الخيّرة المعطاءة، بالتعاون مع الجهات الدولية المختصة كـ"اليونسكو"، وذلك من أجل توثيقه وتسجيله في صالح الوطن والأمة والعالم.. كذلك في جميع المجالات الأخرى: الثقافة، التراث، الفنون، وغيرها من الممتلكات الروحية التاريخية لشعب الإمارات.
بعد خمسين عامًا من البناء، تسعى الإمارات للحفاظ على التراث بكل أنواعه، فنجد مشاريع الترميم: بيت الشيخ سعيد ومدرسة الأحمدية وقلعة الفهيدي والسوق الكبير، إلى جانب الأبراج التاريخية.
إنها الرؤية المستقبلية، التي تتمتع بها الإمارات، وسط المتغيرات السريعة والهائلة، التي يشهدها العالم، فمن يتخلّف عن الركب لا يكون له مكان في خريطة المستقبل الافتراضية والرقمية والفضائية، جوهر معنى الحياة والعصر الذي نعيشه.
لا ترفض الإمارات الحداثة، وفي الوقت ذاته لا تتخلى عن تراثها وهويتها.. بل ركزت على تقاليدها العريقة في المجالات كافة، لذلك حققت النجاحات الباهرة في الخمسين سنة الماضية، وهي تمضي إلى الخمسين المقبلة بخطة واثقة وأكيدة لا غبار عليها.
الإماراتي يعيش بين مجد الماضي وازدهار المستقبل، ويخطط الآن للخمسين عامًا مقبلة، بعد أن ودع إنجازات الخمسين الأولى ليصنع غيرها أكبر وأخلد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة