فوز ماكرون.. أوروبا تنجو من سيناريو الكابوس
انتصار ماكرون يمثل فسحة لالتقاط الأنفاس بالنسبة لأوروبا والقيم الديمقراطية الليبرالية التي ظلت ترمز لها لأكثر من نصف قرن.
استقبلت المؤسسة السياسية في أوروبا عام 2017 وحالة من الذعر تعتريها، فالناخبون في بريطانيا اختاروا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبل ستة أشهر وانتخب الأمريكيون رئيسا معاديا لمشروع وحدتهم المهيب وما يمثله من قيم.
ويمثل انتصار ماكرون فسحة لالتقاط الأنفاس بالنسبة لأوروبا والقيم الديمقراطية الليبرالية التي ظلت ترمز لها لأكثر من نصف قرن.
وكانت القوى نفسها التي وقفت وراء انفصال بريطانيا واختيار دونالد ترامب، تهدد بمزيد من الأزمات للقارة في عام تشهد فيه أكبر دولها انتخابات.
وكان آخر خطر يحدق بفرنسا، ذات الاقتصاد المتعثر، وجود مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في وضع يؤهلها للاستفادة من مخاوف الناخبين.
غير أن لوبان منيت يوم الأحد بهزيمة ثقيلة على يدي إيمانويل ماكرون (39 عاما) المستقل الذي خاض الانتخابات ببرنامج يقوم على تأييد أوروبا صراحة.
وطالب ماكرون الفرنسيين باحتضان فكرة العولمة بدلا من رفضها وتعهد بالعمل مع ألمانيا لتحقيق انطلاقة جديدة للاتحاد الأوروبي الذي يمثل مشروعا يعتبر منذ فترة طويلة ضمانة للسلام والازدهار لكنه بات يبحث عن علة وجوده بعد أزمته المستمرة منذ سنوات.
لم تتحقق السيناريوهات الكابوسية التي ترددت همسا في العواصم الأوروبية في أوائل 2017. وحصلت أوروبا على فرصة ثانية. وهذه هي الرسائل الرئيسية من انتصار ماكرون وقد انعكست في ردود الفعل الواردة من أوروبا يوم الأحد.
فعلى تويتر أطلق رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني تغريدته "مرحبا بالرئيس ماكرون. ثمة أمل لأوروبا."
ووصف المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فوز ماكرون بأنه انتصار "لأوروبا متحدة قوية" وللصداقة الألمانية الفرنسية.
غير أن تصويت الناخبين في فرنسا يمثل تحذيرا أيضا. فقد حصلت الجبهة الوطنية اليمينية على 35 في المئة من الأصوات ما يؤهلها إلى تكوين "جبهة جمهورية" عريضة القاعدة.
ويواجه ماكرون وزملاؤه من القادة الأوروبيين تحديا هائلا خلال السنوات الخمس القادمة للحيلولة دون حدوث ذلك.
ومن جانبه يتعين على ماكرون العمل على توحيد بلاده المنقسمة بشدة وإنجاز ما وعد به من بث حياة جديدة في الاقتصاد المتعثر بتوفير فرص عمل للشباب وأمل للمهاجرين في أحياء الطبقة العاملة في مختلف المدن الكبرى بفرنسا.
ويمثل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي أيد ماكرون صراحة، قصة تحذر مما قد يحدث عندما لا تتحقق بعض الوعود.
وقال مسؤول ألماني كبير طلب عدم نشر اسمه "ماكرون أمامه من 12 إلى 15 شهرا لاتخاذ القرارات الضرورية حتى تتضح الفوائد قبل نهاية فترة ولايته".
فعلى المستوى الأوروبي يتعين عليه إقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يتوقع أن تفوز في الانتخابات في سبتمبر أيلول المقبل بعد أداء قوي للمحافظين بزعامتها في انتخابات إقليمية يوم الأحد، بتطوير رؤية موحدة لدفع أوروبا للأمام.
ومن المرجح أن يلقى ماكرون وميركل قادة آخرين يفكرون على نفس المنوال للعمل معهم. فقد استطاع مارك روته رئيس الوزراء الليبرالي في هولندا صد التحدي الذي واجهه من خيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في الانتخابات في مارس آذار الماضي.
وربما يشهد العام المقبل عودة قيادي آخر من الوسطيين المؤيدين لأوروبا هو ماتيو رينتسي الذي اضطر للاستقالة من رئاسة الوزراء في إيطاليا في ديسمبر/كانون الأول لكن يبدو الآن أنه يسير في طريق العودة بعد استرداده زعامة الحزب الديمقراطي في انتخابات أولية الأسبوع الماضي.
وقال نيكولاس فيرون الاقتصادي في مؤسسة بروجيل للأبحاث في بروكسل "مهما قلنا فلن نستطيع تأكيد مدى التغيير الذي سيحدثه ذلك للتطورات في الاتحاد الأوروبي."
ومع ذلك فمن المستبعد أن تختفي موجة معاداة المؤسسة السياسية في القريب العاجل. ففي بولندا والمجر حكومات يمينية تهزأ بقواعد الاتحاد.
كما أن ساسة معارضين من أمثال لوبان وفيلدرز كسبوا منصة قوية للترويج لأفكارهم. وربما يتعلمون دروسا من هزائمهم الأخيرة.