الشمال خارج استفتاء مالي.. مسمار أخير بنعش اتفاق السلام؟
حركات مسلحة في شمالي مالي تؤكد أن المناطق الخاضعة لها لم تشهد تصويتا على الاستفتاء الدستوري في حسم يرفع منسوب المخاوف من تجدد القتال.
تأكيد يحسم جدلا واسعا بهذا الشأن خصوصا بعد إعلان الهيئة المستقلة للانتخابات إجراء التصويت في كيدال، وهو ما دفع الحركات المسلحة إلى إصدار بيان لتفنيد السلطات.
- "أحداث مورا".. أزمة مينوسما وعسكر مالي تصل القضاء
- كارت أحمر بوجه "مينوسما" في مالي.. نهاية بعثة أم بداية أزمة؟
وهذه المجموعات المنضوية ضمن ما يسمى بـ"الإطار الاستراتيجي الدائم"، موقعة على اتفاق للسلام مع حكومة مالي في 2015، لكنها أعلنت تعليق مشاركتها بالوثيقة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
والأحد، أدلى الماليون بأصواتهم في إطار استفتاء على دستور جديد في أول اقتراع حول مستقبل بلدهم المأزوم منذ وصول العسكريين إلى السلطة قبل 3 سنوات.
ودعي نحو 8.4 ملايين مالي للإدلاء بأصواتهم حول دستور صاغه المجلس العسكري الذي يتولى السلطة منذ 2020 ويعزز سلطات الرئيس، لكنه لا يحظى بموافقة تيارات المعارضة المختلفة ولا سيما المنظمات المعارضة للدولة المدنية.
خارج الاستفتاء
وفي ضوء المد والجزر والجدل المحتدم ومعارضة حركات سياسية ومدنية للاستفتاء، أصدرت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام بيانا قالت فيه إنه "في المناطق التي تسيطر عليها لا سيما منطقة كيدال وتقريباً جميع المحليات في مناطق الشمال، لم تشهد إجراء تصويت".
ومنعت الحركات المسلحة إجراء التصويت بمناطق سيطرتها، ولتبرير ذلك، ذكرت بمعارضتها لنص تقول إنه لا يأخذ في الاعتبار بشكل كاف اتفاق السلام، واستحالة التوصل إلى توافق في الآراء مع السلطات الانتقالية قبل الاقتراع.
وبحسب البيان، فإنه فقط "عواصم المناطق والدوائر" في غاو وتمبكتو ومدينة ميناكا، هي التي شاركت بالاقتراع، مشيرا إلى أن الصناديق في تلك المناطق "كانت محشوة دون تصويت"، في اتهام لم ترد عليه السلطات بعد.
وغداة الاستفتاء، أكدت هيئة الانتخابات المالية أن الاقتراع جرى بالفعل في منطقة كيدال، لكنها لم تقدم أي أرقام بشأن نسبة المشاركة بهذه المدينة التي تعد معقل الحركات المسلحة في الشمال.
لكن تقارير إعلامية قالت إن الحركات المسلحة رفضت السماح بتسليم مستلزمات الاستفتاء على مشروع دستور لا يدعم الاتفاقية التي وقعتها في عام 2015.
وأفاد مسؤولون في منطقة ميناكا بشمال شرقي مالي التي ينشط فيها تنظيم داعش منذ شهور، أن الاستفتاء اقتصر على العاصمة الإقليمية بسبب انعدام الأمن.
وبغض النظر عن الجدل المستعر حول الموضوع، فإن الإشكال الحقيقي يكمن، وفق مراقبين، في مدى مصداقية الاقتراع، خصوصا أن المادتين 26 و118 من الدستور المالي، تنصان على أن الاستفتاء الدستوري لا يكون سليما إلا إذا تم إجراؤه في جميع أنحاء البلاد.
نعش السلام؟
وتعد هي النقطة الأكثر حساسية في المسألة برمتها، فعدم إجراء الاقتراع بالشمال يعني أن التوافق الهش بين باماكو والمجموعات المسلحة تلاشى بشكل نهائي، وأن المهلة الضمنية التي منحتها التنظيمات للحكومة قد تنتهي في كل لحظة.
فما يحدث هو أن الوضع بصدد العودة تدريجيا نحو المربع الأول، وذلك بتوسع الهوة بين الحكومة والحركات المسلحة التي باتت على يقين بأن التوافق صعب خصوصا عقب طرح مسودة دستور تتضمن بنودا تعارضها بشكل كامل.
الأسوأ من ذلك بالنسبة لهذا البلد الفقير، أن الرحيل المرتقب للبعثة الأممية (مينوسما) عقب طردها من قبل الحكومة، سيزيد من الثغرات الأمنية وبالتالي سعبد الطريق لعودة القتال، ليس فقط مع المجموعات الموقعة على اتفاق السلام، لكن قد تجد باماكو نفسها بمواجهة تنظيمات أخرى أكثر راديكالية.
وهذا ما أعربت عنه الجماعات المسلحة نفسها، بالتعبير في بيانها عن قلقها بشأن رحيل مينوسما، محذرة من أن انسحاب البعثة الأممية سيكون "ضربة قاتلة تستهدف بشكل متعمد اتفاقية" السلام الموقعة قبل سنوات بالجزائر.
ومن بين التعديلات التي تقترحها المجموعة العسكرية الحاكمة على دستور العام 1992، تعزيز سلطات الرئيس الذي يقود بلدا يواجه توسعا للنشاط الإرهابي وأزمة متعددة الأبعاد، أمنية وسياسية واقتصادية وإنسانية.
وتعتبر الموافقة على تعزيز صلاحيات الرئيس أحد رهانات الاقتراع، فيما يرى المعارضون أن المشروع صيغ بهدف إبقاء العسكريين في الحكم بعد موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير/شباط 2024 رغم التعهد بإعادة الحكم إلى المدنيين إبان الانتخابات.
aXA6IDMuMTQuMjQ5LjEyNCA= جزيرة ام اند امز