اللافت في الجلسة الافتتاحية لحوار المنامة والتي حملت عنوان "إعادة ترتيب الشرق الأوسط" أن الخطر الإيراني كان محل إجماع المتحدثين.
انطلقت، أمس، في العاصمة البحرينية المنامة أعمال أهم قمة أمنية وسياسية غير رسمية في الشرق الأوسط، وهي "قمة الأمن الإقليمي" في دورتها الرابعة عشرة، والمعروفة اختصاراً بـ"حوار المنامة"، وهي التظاهرة البارزة التي تنظمها سنوياً وزارة الخارجية البحرينية بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وذلك بمشاركة عالمية واسعة من 25 دولة يمثلها نحو 50 وزيراً ومسؤولاً سياسياً وأمنياً من أبرزهم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، ووزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون، ووزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل، وكعادة الدورات الثلاث الأخيرة كانت التهديدات الإيرانية لأمن واستقرار المنطقة هي الموضوع الأول على جدول أعمال القمة والشغل الشاغل لمعظم المشاركين فيها، فعلى الرغم من عدم وجود أي تمثيل إيراني في القمة فإن مشروعها التوسعي كان حاضراً وبقوة منذ البداية، حيث شهدت الجلسة الافتتاحية للقمة بحث مصادر التهديد الدولي وسبل مواجهتها، وجاءت التهديدات والتدخلات الإيرانية في شؤون جيرانها على رأس تلك القضايا.
كان جلياً منذ الوهلة الأولى لبدء أعمال حوار المنامة أن هناك إجماعاً خليجياً وعربياً وأمريكياً على خطورة المشروع الإيراني، وأنه لا مجال لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط دون الالتفات لهذا المشروع باعتباره أكبر تهديد للمنطقة وأكبر عائق أمام إعادة ترتيب ملفاتها نحو مستقبل أفضل.
اللافت في الجلسة الافتتاحية لحوار المنامة والتي حملت عنوان "إعادة ترتيب الشرق الأوسط" أن الخطر الإيراني كان محل إجماع المتحدثين الرئيسيين رغم اختلاف المناطق الجغرافية التي ينحدرون منها والمصالح التي يدافعون عنها والسياسات التي ينتمون إليها، فمن يمثل المصالح العربية بحكم منصبه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية حذر من التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، فأكد أحمد أبو الغيط أن لإيران دوراً كبيراً في المآسي التي تواجه الشرق الأوسط في سوريا واليمن وغيرهما، مشيراً إلى أن حرب اليمن كانت حرب ضرورة لأنه لم يكن ممكناً ترك بلد عربي لمليشيات مدعومة من إيران، وهو تقريباً نفس ما ذهب إليه من مثّل وجهة النظر الأمريكية في الجسلة الافتتاحية، الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، القائد السابق للقيادة المركزية بالجيش الأمريكي والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حين أشار إلى حالات أخرى لتدخل إيران في شؤون دول المنطقة، وكان أكثر تركيزاً على الدور الإيراني المدمر في العراق وسوريا ولبنان واستمرار تدخلها في غزة، محذراً من أن إيران تسعى إلى "لبننة سوريا" على غرار ما فعلت في لبنان من خلال حزب الله، كذلك أشار إلى استخدام إيران المليشيات الشيعية في العراق للإضرار بالتحالف الأمريكي والقوى الأمنية العراقية.
الأهم في حديث بتريوس هو الإشارات التي أطلقها حيال سياسة بلاده تجاه إيران، وتأكيده جدية واشنطن في مواجهة المشروع الإيراني، ومدى إصرارها على خوض طريق المواجهة مع طهران إلى نهايته دون تراجع في المنتصف، موجهاً رسالة إلى قادة إيران مفادها أن إدارة ترامب لن تقدم تسويات من أجل التفاوض معهم، كما حمّل طهران بسلوكها مسؤولية إفشال الاتفاق النووي الذي تم إبرامه بينها وبين الدول الخمس دائمة الأعضاء في مجلس الأمن، وقال إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت مترددة بشأن الاستمرار في هذا الاتفاق من البداية نظراً لسلوك إيران في المنطقة، لذلك قررت فرض عقوبات على طهران شملت قطاعات النفط والغاز والطاقة والعمليات المالية، وأعاد بتريوس هنا التذكير بقائمة المطالب الـ12 التي وضعتها إدارة ترامب واشترطت على إيران الالتزام بها وتنفيذها كشرط لتطبيع العلاقات معها.
وأكد أنه لا تراجع عن هذه المطالب التي كان اللافت فيها أن البرنامج النووي لإيران لم يستحوذ سوى على 3 بنود منها فقط، تعلقت بوقف تخصيب اليورانيوم وتقديم تقرير لوكالة الطاقة الذرية حول البعد العسكري للبرنامج، ومنح مفتشي الوكالة إمكانية الوصول إلى كل المواقع في البلاد، فيما ركزت 9 بنود على سلوك إيران المزعزع لأمن واستقرار المنطقة ودورها في تأجيج صراعات الشرق الأوسط وتهديد أمن واستقرار دول الجوار، وبرنامجها للصواريخ الباليستية، ما يعني أن الإدارة الأمريكية أصبحت لديها أخيراً رؤية شاملة لطبيعة الخطر الإيراني تتجاوز موضوع الملف النووي إلى جميع تجليات السلوك الإيراني العدائي في المنطقة كتدخله في شؤون دول المنطقة وتهديده لأمن الحلفاء التقليديين لواشنطن ودعمه لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية.
رسائل بتريوس لم تكن موجهة فقط لإيران، لكن كان للأطراف الدولية والأوروبية تحديداً، التي من شأنها إضعاف الاستراتيجية الأمريكية حيال إيران نصيب منها، بعد أن استمع ممثلو هذه الدول في حوار المنامة إلى تحذير مباشر وصريح من بتريوس بشأن أي خطوات قد يقدمون عليها وتمثل مخرجاً لإيران من مأزق العقوبات، فأكد أن الإدارة الأمريكية الحالية جدية جداً في عقوباتها على طهران، وأن على الشركات الأجنبية أن تختار إما التعامل مع إيران وإما التعامل مع الاقتصاد رقم واحد في العالم، في إشارة إلى الاقتصاد الأمريكي، أما بالنسبة للصين والهند فقد توقع بتريوس أن تخفف الدولتان من استيرادهما للنفط الإيراني تجنباً للعقوبات الأمريكية.
وجهة النظر الخليجية كانت حاضرة أيضاً في الجلسة الافتتاحية عبر كلمة الباحث السياسي السعودي ورئيس مركز الخليج العربي للدراسات عبدالعزيز بن صقر، التي أكد فيها أن "سياسة ترامب نحو إيران تتوافق مع سياسات دول الخليج" لأن "المنطقة عانت من سياسة إدارة أوباما على مدار 8 سنوات والتي أدت إلى الاندفاع نحو إيران، حيث استطاعت إيران أن تتوسع في المنطقة من خلال الاتفاق النووي"، مطالباً بسياسة أمريكية واضحة تجاه إيران من خلال قائمة المطالب الـ12 التي تطرحها واشنطن.
مختتماً بتأكيد حقيقة أن دول الخليج العربية لا تريد حرباً مع إيران لأنها سئمت من الحروب، وأن جل ما تريده هو أن تغير طهران من سلوكها وتتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة.
إذن كان جلياً منذ الوهلة الأولى لبدء أعمال حوار المنامة أن هناك إجماعاً خليجياً وعربياً وأمريكياً على خطورة المشروع الإيراني، وأنه لا مجال لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط دون الالتفات لهذا المشروع باعتباره أكبر تهديد للمنطقة وأكبر عائق أمام إعادة ترتيب ملفاتها نحو مستقبل أفضل، كان هذا خلاصة جلسة نقاش واحدة من جلسات أهم مؤتمر أمني في منطقة الشرق الأوسط، في انتظار ما ستحمله بقية الجلسات وكلمات بقية المشاركين التي ستكون إيران هي الحاضر الأكبر فيها بكل تأكيد، لا سيما كلمة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس التي ستكمل عناصر الرؤية الأمريكية حيال الخطر الإيراني، خصوصاً أنه لم يعد يفصلنا سوى أيام قليلة على دخول السلة الثانية من العقوبات الأمريكية "الأكثر إيلاماً" على إيران حيز التنفيذ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة