يعكس الموقف التركي المزيد من الابتعاد عن السياسة الأمريكية في الملف الإيراني، والاقتراب أكثر من إيران وروسيا.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن سياسته الإيرانية تختلف عن سياسات العهد السابق في البيت الأبيض والأخطاء التي ارتكبت وقتها، والتي قادت إلى حوار غير مباشر بين واشنطن وطهران أطلق يد الأخيرة في التعامل مع العديد من الملفات الإقليمية بطابع مذهبي عرقي على حساب دول المنطقة وأمنها والتوازنات المعتمدة منذ عقود.
ترامب في الأشهر الأخيرة كان أكثر تشددا تجاه إيران، وهو أعلن أن لا خيار آخر أمام الإيرانيين سوى التخلي عن سياساتهم الإقليمية الحالية، وأنه لا مكان للحوار قبل إلزامهم بالتراجع عن استراتيجياتهم الراهنة، وأن الحديث عن حوار سابق لأوانه إذا لم نقل العكس، حيث تستعد واشنطن لتنفيذ المرحلة الثانية المقررة في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي يتوقع أن تكون أكثر صرامة وتشددا في موضوع فرض المزيد من العقوبات على إيران إذا لم تنه برنامجها النووي والصاروخي وتسحب مليشياتها من سوريا واليمن.
ترك قرار ترامب بشأن إيران أنقرة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما المضي وراء إيران وتجاهل سياساتها العدوانية التصعيدية، وإما العودة عن هذا القرار والالتحاق مجددا بما يقوله حليفها الاستراتيجي الأمريكي عن مخاطر السياسات الإيرانية وارتداداتها، فما الذي ستختاره القيادة السياسية التركية؟
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باختيار الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني لفرض الحزمة الأكثر إيلاما من العقوبات ضد إيران، قد يعني العلاقات الأمريكية الإيرانية بالدرجة الأولى، لكنه يعني حتما الكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين وفي مقدمتهم تركيا حتما.
يردد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبيكجي أن بلاده "ستواصل التجارة مع إيران قدر الإمكان، ولن تستجيب لأيٍّ كان بهذا الخصوص". الجميع يعرف أنه في العام 2012، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران 22 مليار دولار. لكن كثيرين هم من يعرفون أيضا أن هذه الأرقام سجّلت هبوطاً حادًّا إلى نحو 14 مليار دولار في العام 2017 بسبب العقوبات الأمريكية على إيران.
مصير مليارات الدولارات من التبادل التجاري بين تركيا وإيران يقلق أنقرة حتما، لكن هناك أيضا حقيقة التصعيد الخليجي الإقليمي ضد طهران، التي تفرض على تركيا مراجعة مواقفها وخياراتها، خاصة أن ترامب هو الذي يقول ذلك هذه المرة .
صحيح أن أنقرة تدعم حدوث خضّات سياسية في الداخل الإيراني، تضعف موقع إيران ودورها ونفوذها الإقليمي، وتدفعها إلى الشعور بحاجتها إليها في التعاطي مع الملفات الإقليمية، لكنها تنسى أن ذلك لا يكفي، وأن التمسك الأمريكي الخليجي بالقضاء على سياسات إيران التصعيدية سياسة لا يمكن التغافل عنها أو تجاهل ارتداداتها على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وبين أنقرة والعديد من العواصم العربية والأوروبية .
القيادة الإيرانية التي تدرك جيدا أنها تحتاج إلى شركاء وحلفاء يقفون إلى جانبها بعد أسبوعين، يهمها أن ترى أنقرة في خندق واحد معها، لكن القيادات السياسية التركية تدرك جيدا أن الاقتراب من طهران بعد هذه الساعة فيه الكثير من المغامرة والخطورة على موقف تركيا ووضعها الداخلي والخارجي.
ما قاله توم حرب مدير التحالف الأمريكي الشرق أوسطي لدعم ترامب: "إن تركيا تذهب إلى طهران لإبرام اتفاق معها، وهي مسؤولة عن زعزعة أمن المنطقة، وهو ما يشكل خطرا على العالم العربي ودول الخليج"، لا يمكن إبعاده عن حقيقة أن أنقرة هي اليوم بين خيار أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع واشنطن بسبب إيران وضرورة اتخاذ موقف من سلوك الأخيرة الإقليمي، وبين الاستعداد لتحمل ثمن إغضاب الإدارة الأمريكية ودفعها إلى التحرك ضدها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
تقديم البعض في تركيا لمقولة أن أمريكا تعد للتحرك ضد أنقرة بعد الانتهاء من الملف الإيراني، لا يبرر لأحد في تركيا قرار الاصطفاف إلى جانب النظام الإيراني في هذه المواجهة، خصوصا أن أنقرة ما زالت شريكا وحليفا أساسيا لأمريكا في حلف شمال الأطلسي .
ما لا يمكن التغاضي عنه تركيّا أيضا هو أن التوتر بسبب إيران قد لا يبقى محصورا بين تركيا وأمريكا فقط، فهناك الرفض العربي والإسلامي المتزايد لممارسات إيران في المنطقة. فما الذي ستفعله أنقرة إذا ما ذكرتها العواصم العربية بتعهداتها ومواقفها السابقة حيال التهديدات الإيرانية لأمن الخليج وسياستها في سوريا واليمن ولبنان؟ العديد من العواصم العربية والإسلامية لن تتردد إذا ما توحدت المواقف والقرارات ضد الأساليب الإيرانية أن تنبه أنقرة إلى خطورة وجودها في حافلة واحدة مع إيران تعبث بقواعد وأنظمة حركة السير والمرور في المنطقة .
لا يمكن لأنقرة الالتحاق بأي مشروع إيراني إقليمي ومصالحهما تتضارب وتتباعد في أكثر من ملف، ووسط كل هذا التصعيد الأمريكي والعربي والغربي ضد طهران وسلوكها القائم على التمدد والانتشار العرقي والمذهبي.
إيران هي بيت القصيد، لكن "حقائق الحياة" كما يقول العديد من القيادات السياسية الأوروبية تفرض على تركيا أن تكون حذرة في اتخاذ قراراتها وصعوبة إقناع الغرب بما لا يريد أن يقتنع به. أين ما كان يردده الأتراك قبل أعوام مثلا حول أن المشروع الإيراني مبني على الحسم العسكري والتمدد الجغرافي والوصول إلى شرق المتوسط، وأنه بات يشكّل خطورة على السياسة التركية الإقليمية؟
ناهيك عن الموقف التركي الذي سمعناه يتكرر دائما حول أنه من الخطأ الاعتقاد بأن تركيا متقبلة لفكرة وجود "إيران نووية"، فتركيا تتفق مع حلفائها الغربيين على أن إيران يجب ألا تمتلك السلاح النووي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بل يضر بطموحات تركيا للحفاظ على وضعها كقوة إقليمية .
يعكس الموقف التركي المزيد من الابتعاد عن السياسة الأمريكية في الملف الإيراني، والاقتراب أكثر من إيران وروسيا، لكن معادلة تركيا المستحيلة بعد الآن هي رغبتها في أن تكون حليفة لطهران ولواشنطن على السواء .
ترك قرار ترامب بشأن إيران أنقرةَ أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما المضي وراء إيران وتجاهل سياساتها العدوانية التصعيدية، وإما العودة عن هذا القرار والالتحاق مجددا بما يقوله حليفها الاستراتيجي الأمريكي عن مخاطر السياسات الإيرانية وارتداداتها، فما الذي ستختاره القيادة السياسية التركية؟ أنقرة لن يفوتها حتما أن ترامب يقول أكثر من ذلك: "القرار الأمريكي لا يعني إيران وحدها، بل أيضا من يقف إلى جانبها ويدعمها ". فهل تتمسك أنقرة بموقفها من رفض الالتحاق بالرزمة الجديدة من قرارات العقوبات الأمريكية ضد إيران؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة