إخوان موريتانيا.. انحسار وانشقاقات تلي نضوب التمويل الخارجي
أزمة كبيرة يواجهها إخوان موريتانيا بشكل أعمق مما يضفو على السطح، مع قرارات رسمية تضيق الخناق على تمويل الإرهاب.
قد يبدو مفاجئا لكثيرين مستوى الوهن الذي يبدو عليه تنظيم إخوان موريتانيا، لدرجة أن حملة بدأتها السلطات قبل أقل من 6 أشهر فقط (سبتمبر 2018) ضد مؤسسات التنظيم، كانت كافية لإظهار أن بيت الجماعة السياسي (حزب تواصل) أوهن من بيت العنكبوت.
الأزمة تجلت مؤخرا، وبكل وضوح، من خلال حرب التصريحات بين قياديي التنظيم الإخواني في موريتانيا ضد بعضهم البعض، واتساع هوة الخلافات التي أدت إلى تزايد الانشقاقات حتى من الصفوف الأمامية للتنظيم، إضافة إلى سقوط خطاب الجماعة في وبروز "الأنانية" والجهوية والعرقية، والتنكر حتى للشركاء والحلفاء السياسيين الأقربين في المعارضة الموريتانية.
هذه الانشقاقات التي شهدها حزب التنظيم (تواصل) طالت مختلف المستويات من قادة مؤسسين إلى أعضاء مكتب تنفيذي ومجلس شورى ثم الكتل الشعبية، فرجال الأعمال في نزيف متواصل يؤكد واقع الانحسار والتراجع الذي يعاني منه التنظيم ويهدد ما تبقى من وحدته وتماسكه.
خروج الأزمة عن السيطرة
التراشق بين القياديين داخل التنظيم خرج عن طوق المعالجات السرية التي تحسم الخلافات عادة داخل مثل هذه التنظيمات وبرزت إلى العلن في شكل اتهامات متبادلة، كانت أكثر وضوحا وإثارة بين شخصيات كالأمين العام المساعد للحزب ونائب الرئيس، وبين نواب الحزب، بل وحتى طالت الرئيس والرئيس السابق لحزب التنظيم من خلال اتهام الأول بفرض تشكيلة قيادية جديدة على مجلس "الشورى" تلبي طموح السيطرة على الحزب، والرفض المبطن الذي يبديه الرئيس السابق لقرارات خلفه، ومحاولة كل طرف كسب مؤيدين لمواقفه داخل الحزب على حساب الطرف في استعداد حثيث لما تبدو في الأفق معركة "كبرى" داخل التنظيم باتت قاب قوسين أو أدنى.
والواقع أن أزمة إخوان موريتانيا الحالية أعمق مما يضفو على السطح، فمارد الصراع خرج من قمقمه، وها هو التنظيم يجنى على نفسه، ويحصد ثمار تصرفاته، عندما لعب على وتر الحساسيات العرقية، واستثمر في التباينات الطبقية في مجتمع تقليدي، كالمجتمع الموريتاني لتكون النتيجة في النهاية الخيبة والصراعات الداخلية.
أولى مظاهر الخلاف التي ضربت التنظيم كانت بسبب انكشاف الخطاب السياسي الذي يحاول الاستئثار بالمشترك (الدين) وتوظيفه لصالح مآرب سياسية ومصالح انتخابية، فكان السقوط المدوي خلال الانتخابات الأخيرة بعد سنوات من استثمار النشاطات "الخيرية" في الدعاية الانتخابية، لتكون نتيجة تلك المحاولة اليائسة هزيمة انتخابية مدوية خلال انتخابات سبتمبر 2018 النيابية والمحلية التي فرضت على الجماعة التراجع حتى عن نتائجها الهزيلة خلال استحقاقات 2013.
هزائم التنظيم الانتخابية الأخيرة كانت من خلال تراجع حصيلته البرلمانية إلى ما دون الـ14 نائبا فقط من أصل 157 نائبا هو العدد الكلي لأعضاء البرلمان الموريتاني، وفشله في كسب الوصول إلى مناصب قيادة المجالس الجهوية إلى التراجع الكبير في نتيجته على صعيد تسيير البلديات عن نتيجة السابقة خلال انتخابات 2013.
هذه الهزائم الانتخابية للتنظيم لا تكشف فقط سقوط الدعاية الانتخابية بل تبرز أيضا زيف ادعاءات حملة انتساب حزب التنظيم التي نظمت قبل الانتخابات الأخيرة حيث تظهر نتيجة هذه الانتخابات تناقضا صارخا مع النتيجة المزورة لعدد المنتسبين، وبين الواقع في الساحة السياسية والانتخابية.
ولم تكشف تلك الانتخابات عن حقيقة الخطاب الدعائي الزائف، فحسب بل كشف كذلك عن خفايا حدة التنافس بين القادة على المناصب الانتخابية، استخدمت خلالها خطابات الكراهية والتمييز من طرف بعض القادة ضد بعضهم البعض، من أجل تصدر لوائح الانتخابية، وانعكست تلك الأزمة في بعض الانشقاقات طالت حتى بعض مرشحي حزب الجماعة أثناء سير تلك الانتخابات.
وجاءت الإشكالات العرقية والطبقية التي شكلت مادة دسمة للصراع بين قادة الجماعة ومنظريها، لتبرز تلك الأزمة، كيف عملت المنظمات العنصرية التي رعاها التنظيم وسقى غرسها على مدى سنوات، كخنجر مسموم لم يسلم منه التنظيم ذاته، ناهيك عن خطرها ضد وحدة المجتمع ومستقبل التعايش الأهلي بين مكوناته.
انهيار قواعد التنظيم
لم تقتصر تجليات الخلاف ومظاهر الصراع والتنافس دخل التنظيم على الأبعاد السياسية المرتبطة بالتباين بين الهويات والخلفيات السياسية والاجتماعية للقياديين بل وصل منطقة الخطر المتمثلة في الصراع الجهوي الذي يوشك أن يكون القشة التي تقضي ما تبقى من مظاهر الانسجام داخل صفوف الإخوان.
فلم يسلم الصراع بين قياديي الإخوان الذي بات بارزا للعيان، من التأثر بالخلفيات والانتماءات الجهوية للمتصارعين داخل التنظيم، وتحديدا بين تياري (إخوان الغرب)، الذين ينتمي إليهم رئيس الحزب السابق و(إخوان الشرق) الذي يمثلهم رئيسه الحالي.
وشهدت حرب التصريحات بين القادة مثلا حول الموقف من الترشيح لرئاسيات 2019 تمايزا جهويا وصل إلى حد اتهام رئيس الحزب حاليا من طرف بعض زملائه في التنظيم بمحاولة "التفرد" بالقرار، وفق ما ظهر مؤخرا من تصريحات تلفزيونية، وسجالات على مواقع التواصل الاجتماعي بين هؤلاء القياديين والمنظرين.
الصراع الجهوي المتفاقم داخل التنظيم لا يؤدي إلى خلخلة في البنية الهيكلية القيادية فحسب بل يضرب قواعد التنظيم في الصميم، نظرا لتأثير هذا الخلاف على تماسك القواعد، وما يؤدي إليه من تفشي للنعرات الداخلية تبعا للجهات والمناطق، بل ويكذّب زيف الادعاءات حول دور الانتماء الإيديولوجي المزعوم في خلق هذه القواعد، كما يكشف ارتداد سياسة التنظيم الاستثمار في الخلافات السياسية بين المناطق لصالح توجهاته الإيديولوجية، وهي محاولة تصطدم دائما بالرفض الشعبي لأجندة التنظيم وتنتهي دائما بنزيف من الانسحابات التي تكشف ضعف هذه القواعد.
ومن شأن هذه الصراعات المتفاقمة ذات الطابع الجهوي داخل التنظيم أن تزيد الوعي من خطورة الرهان على مثل هذه التنظيمات التي تذكي النعرات وتشجع الخلافات بدل القيام بدور وحدوي جامع داخل الوطن الواحد، كما هي عادة وظيفة الحركات، وهذا ما يعكس أيضا بعض مظاهر الفشل والارتباك التي يعاني منها التنظيم، والذي يؤدي إلى تعرية الإخوان من لبوس الديمقراطية والعمل السياسي المدني ويظهرهم في ثوب الحركات السرية التي تعمل فقط وفق الأساليب المافوية التي تخدم قادتها ومنظريها أكثر ما تخدم مصالح الشعوب.
انتفاضة ضد التنظيم
ورغم ما جنته سياسات الإخوان وخطابات قادتهم على التنظيم من انشقاقات وصراعات، فإن ما يزيد من الضغوط أكثر هو تلك اليقظة المتنامية لدى صانعي القرار الموريتاني على أعلى مستوياته، بشأن خطورة ترك الحبل على الغارب لهذا التنظيم الذي يعمل في الخفاء ما يجعل من فضح سياسته وأساليبه عاملا مهما لنجاح الحرب ضده.
وكان للحملة الأمنية التي بدأتها السلطات الموريتانية منذ سبتمبر 2018 أثرها الفعّال في فضح التنظيم وتعريته من أي مشروعية سياسية يحاول التستر خلفها لتنفيذ أجنداته، وهنا تبرز أهمية تصريحات الرئيس الموريتاني المتكررة وفي أكثر من مناسبة حول خطورة أعمال "التخريب" التي قامت بها الجهات المرتبطة بالجماعة عدة بلدان وعربية.
الضربات المتكررة التي سددتها السلطات ضد التنظيم من خلال حملة إغلاق مؤسساته، ووقف مصادر تمويله الخارجية أدت أيضا دورها الأساسي في كشف ضعف الإخوان واعتمادهم على العامل الخارجي أكثر من ارتباطهم بمصالح المواطن، وهو ما يكشف أيضا لعبة الخداع التي يمارس التنظيم واستغلال العمل الإنساني لخدمة الأجندات السياسية وتمرير المخططات الخارجية التي لا تتعدى مخاطرها الحيز المحلي فحسب، بل تطال مصلحة الأمة نتيجة الخطر المحدق على الجميع الذي يشكله التنظيم الدولي للإخوان المدعوم ماليا وإعلاميا من قطر وتركيا.
خطر أجندات التنظيم الدولي للإخوان عبر وكيله المحلي الموريتاني (تواصل) تمثل أيضا عاملا منفرا للمواطن الموريتاني العاد منه الذي خدعته لسنوات دعاية "وطنية" هذا الحزب الزائفة، التي لم تصمد أمام مظاهر الارتباط والارتهان بالتنظيم الدولي ومموليه، وكان لهذا العامل دوره الأساسي في نزيف الانسحابات والانشقاقات التي شهدها حزب التنظيم خلال الفترة الأخيرة.
مواجهة التنظيم من طرف السلطات الموريتانية طالت أيضا المجال التشريعي، من خلال اعتماد قوانين ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأخرى لتجريم خطاب التطرف والكراهية، وهي قوانين في نظر المراقبين، إنما تستهدف خصيصا الأعمال العدائية لتنظيم الإخوان ضد البلد، وتوقف استغلال التمويلات الخارجية المشبوهة في تعزيز حضور التنظيم وفكره المتطرف على المستوى المحلي.
أزمات عميقة يعاني منها تنظيم إخوان موريتانيا، تظهر الصورة القاتمة لواقعه الحالي، كانت نتيجتها الحتمية الانحسار والتصدع من الداخل، وترجمتها الحرفية تلك النتائج الهزيلة لاستحقاقات سبتمبر النيابية الأخيرة، لكن انعكاساته الأبرز ستكون من خلال الانتخابات الرئاسية، المنتظرة شهر يونيو المقبل، التي ستعمق أزمة التنظيم أكثر، وهو ما بدأت بوادره تتجلى قبل أيام في نزيف الانشقاقات والانسحابات من طرف شخصيات وكتل وازنة في التنظيم أخذت طريقها باتجاه دعم مرشح الأغلبية في موريتانيا والمرشح الأوفر حظا في رئاسيات يونيو 2019 وزير الدفاع محمد ولد الشيخ محمد أحمد.
aXA6IDE4LjIxOS4xNzYuMjE1IA==
جزيرة ام اند امز