"الناتو" يغازل موريتانيا على شاطئ الأطلسي.. ما علاقة أوكرانيا؟
في يونيو/حزيران 2021، شدد وفد من حلف شمال الأطلسي "الناتو" زار موريتانيا على أن الأخيرة شريك مهم، للحلف العسكري بالساحل الأفريقي.
كان ذلك فيما يبدو بداية تنسيق أوثق مع الدولة العربية الواقعة على شاطئ المحيط الأطلسي بشمال أفريقيا، التي تشكل بموقعها الجغرافي، همزة وصل بين القارة السمراء وجارتها الأوروبية، والعضو الفاعل في دول الساحل الخمس، حيث تحتضن مقر المجموعة التي تحارب الإرهاب في المنطقة.
وقبل زيارة وفد "الناتو" الذي ضم مدنيين وعسكريين، كان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في بروكسل، بعد أشهر من تسلمه السلطة في البلاد، كقائد في مجموعة الساحل G5، التي تكافح الإرهاب في المنطقة.
"غزل سياسي"
وخاطبه وقتها الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ بلغة عاطفية، قريبة من "الغزل السياسي"، قائلا: "أرحب بمساهمات موريتانيا المهمة في الأمن الإقليمي. أنت قائد في مجموعة الساحل، وقواتك في خط المواجهة، وتكافح الإرهاب هناك".
ووعد ينس ستولتنبرغ في تلك المناسبة، بتعاون أكبر بين الناتو وموريتانيا، بما في ذلك أمن الحدود ومكافحة الإرهاب.
ربما كان ذلك الوفد الذي جدد حرص "الناتو" على تطوير شراكته طويلة الأمد مع موريتانيا وتوسيع نطاق حوارهما السياسي وتعاونهما العملي، يستحضر في الواقع أهمية نواكشوط في الأيام القليلة الماضية، بعد أن أصبحت دولة مالي خارج دائرة فرنسا والدول الغربية، ممثلة في حلف شمال الأطلسي.
هذا التطور حدا بـ"الناتو" وبعد عام وشهر واحد من زيارة وفده إلى نواكشوط، إلى التأكيد على توجهه نحو اعتبار موريتانيا شريكا استراتيجيا، حيث كانت ممثلة للمجموعة الأفريقية في قمة الحلف بمدريد في يوليو/ تموز الماضي.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي الموريتاني المتابع للشأن الأفريقي والأوروبي سيد المختار سيدي، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن حلف شمال الأطلسي يسعى لمواجهة خطر التمدد الروسي في الدول الهشة وخاصة دول الساحل التي دخلتها روسيا من بوابة مالي".
ويضيف: "من هذا المنطلق تعتبر موريتانيا بلدا استراتيجيا لأنها نقطة الربط بين الساحل الأفريقي والمغرب العربي، وهي الدولة المؤسسة لتحالف دول الخمس في الساحل وتتمتع بوضعية أمنية مستقرة عكس باقي الدول. كل هذه العوامل تجعل الناتو يركز على الشراكة مع موريتانيا؛ من ناحية لدعم استقرارها الأمني مع تدهور الوضع في مالي مع دخول عناصر فاجنر الذي تضررت منها موريتانيا فعلا، ومن ناحية أخرى لمواجهة أي تمدد محتمل لروسيا في المنطقة".
تواصل موريتاني-أوكراني
وربط محللون بين التقارب الجديد بين "الناتو" وموريتانيا، وبرقية بعثها الرئيس ولد الشيخ الغزواني إلى نظيره الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، بمناسبة استقلال كييف هن الاتحاد السوفيتي قبل 31 عاما.
وقد عبر الرئيس غزواني لزيلنسكي، في البرقية التي نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) "عن كامل استعداد موريتانيا للعمل على تطوير علاقات التعاون القائمة بين بلدينا خدمة لمصالح شعبينا الصديقين".
ويصعب فصل البرقية الرئاسية "النادرة" عن سياق انحياز موريتانيا لقطب الدول الغربية في مواجهة موسكو، خصوصا وأن التهنئة بالاستقلال تأتي بعد ستة أشهر من العملية الروسية، التي أدت إلى استقطاب دولي حادّ.
لكن ولد سيدي يرى أن "موريتانيا كبلد ليست في وارد أخذ موقف حدي مما يجري في أوكرانيا، وتدرك أن عليها ضبط موقفها في حدود الأمل بتوقف الحرب كما أنها لن تدخل في مواجهة مباشرة لمنع توسع روسيا في منطقة الساحل".
سقف التعاون بين موريتانيا و"الناتو"
ولطالما كانت موريتانيا دولة شريكة للناتو، حيث بدأ التعاون بين الجانبين منذ عام 1995، كما أن نواكشوط طرف في "الحوار المتوسطي"، وقد ساعد الحلف موريتانيا على بناء مستودعات آمنة للذخائر وتدمير الذخائر العتيقة وتدريب الأفراد العسكريين.
لكن الجديد هو التوجه لشراكة استراتيجية تجمع الناتو وموريتانيا، ويعوض بها الحلف غياب فرنسا عن مالي، ويستثمر في إحدى دول الساحل، التي تتمتع باستقرار أمني، وعلاقات ممتازة في أفريقيا.
ولم تشهد البلاد من عام 2011 عملية إرهابية، وكانت الوحيدة التي أبقت على علاقة بمالي، حين قاطعتها الدولة الأفريقية إثر الانقلاب العسكري، ما يجعل لانواكشوط تأثيرا كبيرا على سلطات هذا البلد، الذي أصبح في حيز النفوذ الروسي.
غير أن حدود التقارب بين "الناتو" وموريتانيا، قد لا تكون عالية السقف، وسط مبدأ موريتانيا الدائم باقتصار تدخل جيشها داخل الحدود، وتأمين الحوزة الترابية، إلا في حالات الضرورة القصوى، كما حدث مؤخرا حين قتل رعايا موريتانيون شمال مالي، وسيرت القوات العسكرية دوريات مشتركة داخل البلد المجاور.