أسبوع موريتانيا.. تقارب بين الأغلبية والمعارضة يطيح بالإخوان
تقارب بين الأغلبية والمعارضة على هامش مهرجان "شنقيط" التراثي يقصي الإخوان، ومعارضة الجماعة لقانون الصيدلة تكشف تمويلاتها المشبوهة
أحداث سياسية عديدة ميزت أسبوع موريتانيا هيمنت عليها اللقاءات بين الرئيس محمد ولد الغزواني وقادة المعارضة على هامش الافتتاح الرسمي لمهرجان "شنقيط" التراثي السنوي الذي انطلق، الأحد الماضي، التي اعتبرها مراقبون "تطبيعا" سياسيا يطيح بالإخوان.
- الصدام والتطرف يفضحان إخوان موريتانيا ويعمقان عزلتهم
- "لصوص النضال".. أزمة تسجيل طلاب الجامعات تفضح إخوان موريتانيا
ورغم حضور رئيس مؤسسة المعارضة (هيئة دستورية) المحسوب على "تواصل" الإخواني، فإن مشاركة الزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه، مثّل برأي مراقبين، ضربة لهذه الزعامة الشكلية للإخوان نظرا لما ترمز إليه مشاركة ولد داداه من دلالات سياسية حول مستوى الانفتاح بين المعارضة والموالاة.
وولد داداه الأخ غير الشقيق للرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه، سياسي مخضرم حمل في وقت سابق حقائب وزارية كما ترأس البنك المركزي وسبق له الترشح للرئاسة 4 مرات.
اللقاءات السياسية في "شنقيط" تزامنت مع تصريحات للمرشح الرئاسي السابق بيرام ولد الداه أعبيد في نواكشوط جدد فيها الدعوة إلى مزيد من التقارب في العلاقات بين الأغلبية والمعارضة.
أسبوع موريتانيا شهد أيضا تصاعدا في حدة الانتقادات لموقف قيادي إخواني عارض قانون الصيدلة وهي خطوة أثارت استياء عارما في أوساط الرأي العام، وشبهات حول علاقة الموضوع بالتمويلات المشبوهة للإخوان.
السياسة على مائدة التراث
وشكّل الحضور القوي لزعماء المشهد السياسي المعارض في مقدمة صفوف الاحتفالية الافتتاحية لمهرجان المدن القديمة التراثي في موريتانيا، برأي مراقبين، محطة تطبيع سياسي أراد لها المنظمون للمهرجان الثقافي والفني والتراثي أن تكون حلقة من حلقات الحوار السياسي بين فرقاء مشهد.
ويرى المراقبون أن "اللقاء الودي على هامش افتتاح المهرجان بين الغزواني والزعيم التاريخي المعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه يمثل إشارات بالغة الوضوح إلى رغبة الرئيس في فتح صفحة جديدة مع الفرقاء السياسيين ترنو إلى المزيد من الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع المعارضين باعتبارهم شركاء في الشأن العام لا باعتبارهم خصوما ومنافسين".
الرسائل السياسية لمهرجان المدن القديمة التراثي والثقافي تعد كذلك، بحسب المراقبين، خطوة مكملة لمسار التشاور بين الرئيس والمعارضة الذي تلا مباشرة استلامه السلطة مطلع أغسطس/آب الماضي، وميزته سلسلة من اللقاءات الثنائية مع المرشحين المعارضين وقادة الأحزاب المعارضة.
واعتبر البعض أن "هذه اللقاءات الجديدة في شنقيط تمثل تجسيدا فعليا من طرف الرئيس لالتزامه بتطبيع المشهد السياسي كاعتراف بمظلة الوطن الجامع الذي يحتضن الكل وكإرساء لسنة التشاور بين مختلف الفرقاء السياسيين في البلد".
لكن الخطوة وما ترمز إليه من انفتاح سياسي تمثل كذلك في جانب منها سحبا للبساط من تحت الزعامة الشكلية، رغم حضور رئيس هذه التنظيم كمشارك في المهرجان، ذلك أن وجود مخاطبين أو عناوين للمعارضة أكثر شهرة، مثل الزعيم التاريخي ولد داداه ممن لا يزالون يحظون بالتقدير من طرف الرئيس الغزواني ومختلف الطيف السياسي الموالي منه والمعارض يعني أن أي رئاسة أخرى للمؤسسة الدستورية كالتي يحتلها الإخوان أمر شكلي لا وجود له في الواقع السياسي الميداني المعاش.
الزعامة الشرعية للمعارضة
الكاتب والمحلل السياسي سيدي محمد معي، نائب مدير الوكالة الرسمية الموريتانية للأنباء، اعتبر أن "الإجماع السياسي الذي عبرت عنه لقاءات شنقيط يمثل جوا مفعما بالأمل والاطمئنان وبناء جسور الثقة بين أبناء البلد الواحد".
وثمن ولد معي خطوة احتضان زعيم المعارض التاريخي ولد داداه والاحتفاء به من طرف الرئيس، مشيرا إلى أن للتاريخ شرعيته وللتضحية ثمنها من الشهرة والعلمية، في إشارة إلى مكانة ولد داداه في المشهد الموريتاني.
وأضاف أن "هذه المكانة تثبت أن للشعب منطقا آخر يختلف عن لغة المؤسسات الحزبية حديثة النشأة"، في إشارة إلى زعامة الإخوان المعارضة.
واعتبر ولد معي أن "نضال ولد داداه التاريخي في موريتانيا أعطاه شرعية لتزعم المعارضة بلا منازع"، لافتا إلى أن هذه الزعامة لا يمكن القفز عليها من طرف كان.
بدوره، اعتبر أحمد سالم مايابى القانوني والمحامي الذي يشغل منصب مستشار للوزير الأول أن "المناخ السياسي الهادئ الذي بشر به الرئيس عبر لقاءات شنقيط وما قبلها، هي إنجاز تستحق عليه موريتانيا التهنئة لما يمثله من انفتاح للنظام على المعارض، واستعداد الجميع لما دعاه الانسجام والتنسيق خدمة للمصلحة العليا للبلد".
تصريحات داعمة من بيرام
خطوات التقارب التي عبرت عنها اللقاءات السياسية على مائد شنقيط التراثية والثقافية بين الرئيس وقادة المعارضة دعمتها بشكل متزامن تصريحات في نواكشوط للناشط الحقوقي والمرشح المعارض الأبرز بيرام ولد الداه أعبيد الذي اعتبر خلالها أن "أول خطوة نحو ديمقراطية منصفة وحقيقية هي تطبيع الحياة السياسية بين الموالية والمعارضة".
ولد أعبيدي الذي كان يتحدث في مقابلة بثتها قناة الموريتانية (التلفزيون الرسمي)، في الساعات الأولى من صباح الخميس، أوضح أن "هناك تعهدات رسمية، تصب في اتجاه تطبيع العلاقة مع المعارضة"، مطالبا بأن تتجسد هذه الإرادة الجديدة في عمل ملموس على أرض الواقع.
الإخوان يعارضون الإصلاح
وبعيدا عن الانفتاح السياسي كشفت حملة التضامن مع تطبيق قانون الصيدلة الجديد في موريتانيا موقف تنظيم الإخوان الإرهابي ونواياه ضد محاربة الفساد، حيث يرفضه التنظيم بشدة، في الوقت الذي يكشف فيه القانون التمويل المشبوه في البلاد.
وأثار موقف القيادي الإخوان الموريتاني شيخاني بيبه ضد بنود قانون الصيدلة خلال الأسبوع الماضي، استياء الرأي العام في البلاد، واعتبره البعض وقوفا في وجه الإصلاحات التي تنفذها وزارة الصحة لمواجهة ظاهرة تهريب الأدوية المزورة وفوضى ممارسة النشاط الطبي.
حجم الانتقاد لموقف القيادي الإخوان والنائب البرلماني دفع الكتلة البرلمانية لحزب التنظيم "تواصل" لإلغاء مشاركة تدوينة النائب حول الموضوع وإعلان البراءة منها، لتزامن هذا الموقف "النشاز" مع حملة تضامن واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي لمؤازرة إصلاحات الوزير.
وبموازاة موقف القيادي الإخواني من إصلاحات قطاع الصحة غاب قادة ونشطاء التنظيم البارزون عن وقفة جماهيرية داعمة للوزير، ضد من يوصفون بـ"تجار السموم"، في إشارة إلى موردي الأدوية المهربة والمزورة وغير الخاضعة للشروط التنظيمية.
وبدأت السلطات الموريتانية منذ أسبوع حملة ضد الصيدليات والعيادات الطبية الخاصة غير المطابقة لقانون الصيدلة الجديد في موريتانيا، وسط تضامن واسع مع الحملة في أوساط الرأي العام، وعبر منصات التواصل الاجتماعي في البلاد.
وربط البعض بين وقوف بعض قادة ونشطاء التنظيم إلى جانب موردي الأدوية، وضلوع العديد من التجار المحسوبين على الجماعة في ظاهرة الاتجار بالأدوية المزورة وإغراق الصيدليات في البلاد بهذه الأدوية المشبوهة، كجزء من وسائل تمويل أنشطة الجماعة.
كما تجسدت معارضة بعض نشطاء وقادة التنظيم لهذه الحملة في لجوء بعض كتّابهم وقادتهم إلى إثارة مواضيع تمس الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، لإشغال الرأي العام عن التضامن مع هذه الحملة، وإظهار الدعم اللازم لها في وجه من يوصفون بـ"أباطرة الدواء المزور".
وعكست الحملة التضامن وظهور أصوات إخوانية معارضة للإصلاح، أيضا وفق المراقبين، حالة التصدع والتفكك التي يواجهها التنظيم بسبب حجم الاستياء حتى من قبل بعض نشطاء التنظيم، من وقوف بعض القادة في وجه الإصلاح.