قمم مكة لم تتوقف عند حدود فرض مزيد من العزلة على إيران بل وصلت حتى إلى المجتمع الدولي.
إن الخطوة التي سعت إيران إلى الإقدام عليها عبر اقتراح توقيع معاهدة "عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة" هي خطوة لا يمكن النظر إليها على أنها ورقة حسن نية من قبل النظام الإيراني، فهذه المعاهدة الإيرانية المقترحة لا تغير من الواقع ولن تضع حدا للممارسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، خصوصا أن إيران منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية عام 1988 وهي تعتمد بشكل رئيسي على وكلائها وأذرعها، وتتجنب المواجهة المباشرة وتعتمد على حروب الوكالة.
النجاح الذي حققته قمم مكة بالخروج بموقف سياسي عربي وإسلامي تجاه إيران له أهمية كبيرة أيضا في حال ما ذهبت الأمور إلى مفاوضات أمريكية- إيرانية، فهذا الضغط السياسي العربي والإسلامي لن يقتصر على إيران وحدها فقط، بل سيشكل أيضاً ضغطا على الإدارة الأمريكية
ولذلك فإن "معاهدة عدم الاعتداء" لا تعكس حدوث تغيير في السياسات الإيرانية، ولا فائدة منها بل لا يمكن قراءتها والنظر إليها بعيدا عن توقيت طرحها، الذي يأتي ما بعد دعوة المملكة العربية السعودية إلى قمتين خليجية وعربية طارئتين بالتزامن مع القمة الإسلامية الاعتيادية، ولذلك فهي محاولة إيرانية يراد عبرها تحقيق أهداف ومكاسب سياسية في محاولة لامتصاص الغضب العربي وإرسال رسائل حسن نوايا مزيفة، فنجد أن الإيرانيين يعولون على نجاح هذه المعاهدة المقترحة في خلق انقسام في الموقف العربي للحيلولة دون نجاح قمة مكة في تحقيق أهدافها بفرض مزيد من العزلة على الإيرانيين.
لكن برز فشل هذا الرهان الإيراني في التجاهل الخليجي والعربي لهذه المعاهدة الإيرانية المقترحة، وفي نجاح القمة الخليجية والعربية. وحتى القمة الإسلامية وإن كانت "قمة اعتيادية" إلا أن مخرجاتها جاءت متطابقة تماماً مع مخرجات القمتين الخليجية والعربية الطارئتين، بإدانة الإرهاب والسياسات الإيرانية، وممارسة المزيد من الضغط السياسي على النظام الإيراني.
ولذلك فإننا أمام إجماع خليجي وعربي وإسلامي تجاه إيران، وعزل إيران خليجيا وعربيا وإقليميا. في ظل حالة التفاعل الدولي مع قمة مكة المكرمة، نجد أنها لا تعد فقط نجاحا للدبلوماسية السعودية، بل استطاعت خلال فترة قصيرة استضافة ثلاث قمم، ولذلك فإن هذا النجاح لقمم مكة الثلاث وللدبلوماسية السعودية، هو بالتالي زيادة لرصيد الفشل السياسي الإيراني الذي كانت إيران تعول على انقسام المواقف في هذا اللقاء، في محاولة لتوظيف ذلك الانقسام لمصلحتها في محاولة تأمل منها إيران تحقيق انفراجه في العزلة التي تعيشها.
بالنسبة إلى قمم مكة فهي لم تتوقف عند حدود فرض مزيد من العزلة على إيران، بل وصلت حتى إلى المجتمع الدولي وممارسة الضغط على الدول الأوروبية والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة)، للقيام بمسؤولياتها في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي الذي تحاول إيران العبث به عبر ما تقوم به من تهديد للملاحة البحرية وتهديد لحركة التجارة والاقتصاد العالمي.
كما أن النجاح الذي حققته قمم مكة بالخروج بموقف سياسي عربي وإسلامي تجاه إيران له أهمية كبيرة أيضا في حال ما ذهبت الأمور إلى مفاوضات أمريكية- إيرانية، فهذا الضغط السياسي العربي والإسلامي لن يقتصر على إيران وحدها فقط، بل أيضاً على الإدارة الأمريكية، وذلك لضمان ألا تكون مخرجات المفاوضات كما كانت في عهد الرئيس باراك أوباما التي ركزت فقط على الملف النووي وتجاهلت الأطماع التوسعية والمشاريع الفوضوية الإيرانية في المنطقة العربية، في محاولة من قبل إدارة أوباما "لصناعة إنجاز تاريخي فيما يخص الملف النووي" على حساب أمن واستقرار المنطقة، وهو ما سعت إيران إلى استغلاله بغض الطرف الأمريكي عن العبث الإيراني في المنطقة، وذهب لتوظيف الاتفاق النووي والانفراجة الحاصلة في وضعه الاقتصادي ما بعد رفع العقوبات الدولية في صالح دعم مخططاته ومشاريعه التوسعية والفوضوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة