يلجأ النظام القطري على الدوام لشراء الذمم والنفوس المريضة بغية التلاعب بالحقيقة.
يتجلى دور الإعلام في مواجهة التحدي وفضح أعمال العنف والبحث عن الحقيقة وإيصالها بكل أمانة وصدق، وهذا الدور مطلب أساسي لحرية الصحافة والإعلام، وإنكار الحقيقة تضليل، والتضليل مرفوض أيا كان مصدره ولا بد من النقد والتصويب في كل المجالات السياسية والاقتصادية.
كثر الكلام عن الإرهاب وأشكاله وأنواعه، ومن خلال المتابعات الميدانية لأشكال الإرهاب يمكن عرض تصانيف عديدة، فهو بالإضافة إلى الوجه التقليدي نرى أنواعاً منها الإرهاب العسكري والإرهاب الأمني والاقتصادي والفكري والإعلامي ويشكل هذا الأخير نقطة مهمة، فالإرهاب الإعلامي منهج قادر على تغيير الحقيقة في عقل المتلقي إما عن طريق حجبها عنه وإما إعادة ضخها لتصبح ملكاً لقلة لا نعرف ما هي بالأساس، بمعنى مَن منا متأكد من حقيقة ما يقرأ أو ما يشاهد في حال كانت المعلومات متناقضة مع الوقائع وما هو موقع الإعلام منها..؟
كيف يمكن لقناة مثل الجزيرة أن تقدم تغطية إعلامية لبعض القادة الإرهابيين دون أن تعرّي الإرهاب والإرهابيين أمام الرأي العام العالمي؟ والإرهابي مجرم يبحث عن الأضواء وتحاول المجموعات الإرهابية أن تقدم نفسها كقوة وحيدة قادرة على إنجاز المهام السياسية والاقتصادية
ويبدو الآن أن الإعلام الغربي يحاول صناعة ذلك بدقة، حيث تزين الدول الغربية سياستها بدعاية التحدي والنفاق وقد رفعت من شأن الإرهاب إلى مستوى السياسة الرسمية، وقبل عدة عقود قال روبرت كنيدي: إنه من المستحيل إتمام صناعة دعائية جيدة من مادة سياسية سيئة.
وضمن هذا السياق يلجأ النظام القطري على الدوام لشراء الذمم والنفوس المريضة بغية التلاعب بالحقيقة، وذلك من خلال المشاركة في أسهم بعض الوسائل الإعلامية في الدول الغربية وما أكثرها! وسبق أن اشترت قطر صحيفة الجارديان المفلسة، وذلك لطبيعة ملكيتها فهي الجزء الأساسي من أعمال مجموعة جارديان الإعلامية التي تعود ملكيتها لمجلس أمناء "سكوت ترست" المحدودة وهي بمثابة وقف، والهدف من ذلك هو ضمان الاستقلال المالي والتحريري للجارديان فكان لا بد من المساهمة بالوقف بنحو 60 بالمائة من ثمنه في صفقة بمليار جنيه إسترليني، وذلك لإسكات جميع الصحفيين والمديرين بالجريدة، لأنهم يعرفون مثالب وعيوب بعض الشخصيات القطرية في بريطانيا، وتم الشراء باسم تميم بن حمد، وقد قام أيضاً بشراء 20 بالمائة عام 2008م والـ20 بالمائة الأخيرة في أيلول عام 2013م.
وأشارت مجلة بوليتيكو إلى أن قطر تتطلع للمشاركة بحصة في قناة نيوز ماكس الأمريكية ومالكها كريس ودي وهو الشخص القريب من الرئيس ترامب، ويرتبط معه بعلاقة صداقة، والحصة تبلغ مائة مليون دولار وعلى زعم قطر أنها تريد توسيعها وتطوير أدائها الإعلامي.
أي إخفاق للمعلومة يعد انتقاصاً لمبدأ شفافية المصدر، ورقابة الضمير، وشرف المهنة هي الميزان الأول والأخير لتبني المواضيع وطرحها، فالمعلومات تتعرض لعملية انتقائية سواء من قبل مُصدّر المعلومة أو من قبل ناقلها أو المعلق عليها، وهذا عيب كبير وخلل مستطير لمن يصدر المعلومات، وغالباً ما يخلط المعلومة برأيه الشخصي وأحياناً يسخّر المعلومة لرأيه الخاص، وهي تغدو بحد ذاتها عندئذ جريمة كبرى بحق تلك المهنة المقدسة؛ لأنها بشكل أو بآخر تضحك على عقول الناس وتجعلهم يعيشون على أفكار ليست مقبولة.
وهنا الحرية لم تعد فكرةً مجردة بل أصبحت حقاً قانونياً محدداً، وأصبح يمكن المطالبة بها، بل يمكن الاحتكام فيها وإليها وإلى نصوص الدساتير والمواثيق، فالحرية لا يصنعها الدستور بل إن الدستور يعلن الحريات، والقانون هو الذي يعرّفها، ولذلك فإن المعلومة الكاملة أهم وأصوب من المعلومة المبتورة أو المحجوبة.
الاستلاب الإعلامي وفقدان المصداقية على مستوى تكنولوجيا الاتصال والإعلام الجماهيري برز ما يسمى في الأدبيات الاجتماعية والسياسية المختصة بالاستلاب الإعلامي أو الاستلاب التكنولوجي، ويقوم هذا النمط الجديد من الاستلاب، في ظروف العولمة الجديدة بشكل خاص، على التضليل، بمعنى إعادة قص وتفصيل عقول الأفراد والجماعات على مقاس المصالح الأنانية الضيقة للأطقم والأنظمة الحاكمة مالكة وسائل تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
إننا نعيش حالة خطر إعلامي، نعيش انتصار صحافة المضاربة والاستعراض المسيء لوسائل الإعلام، وبدل من أن تقوم وبسرعة قصوى بالإصلاح وإشادة آخر متراس لها يحميها من هذا الانحراف، فإن العديد من وسائل الإعلام كادت أن تسهم بسبب تراخيها وبسبب أسلوبها البوليسي في التقصي في فقدان اعتبار وقيمة ما كان يسمى "السلطة الرابعة" وبذلك يتطلب من الإعلام العمل على تصحيح مفاهيم المجتمع الخاطئة أو المعادية والاستناد إلى تراثه الحضاري وقيمه الاجتماعية دون أن يغفل الإيجابيات التي أدت إلى تقدم الثقافات الأخرى، والإحساس العميق بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية.
ثمة سؤال يمكن عرضه ألا وهو كيف يمكن لقناة مثل الجزيرة أن تقدم تغطية إعلامية لبعض القادة الإرهابيين دون أن تعرّي الإرهاب والإرهابيين أمام الرأي العام العالمي؟ والإرهابي مجرم يبحث عن الأضواء وتحاول المجموعات الإرهابية أن تقدم نفسها كقوة وحيدة قادرة على إنجاز المهام السياسية والاقتصادية، ذلك ما يشجعها على القيام بأعمال التدمير والقتل المجاني للأبرياء، لذلك توجد استراتيجية إعلامية للإرهاب والقول "الإرهاب لوحده لا شيء ونشره عبر وسائل الإعلام هو كل شيء.."، والتنسيق مع بعض الوسائل الإعلامية عربية كانت أو أجنبية استلاب للمجتمعات البشرية بكل المناحي الحياتية.
واستناداً إلى ما تم إيضاحه، تجاوزت قناة الجزيرة الاعتبارات الوطنية في سعيها إلى الإثارة الإخبارية، ومن غير المنطقي وجود حاجة فعلية لاستضافة مسؤولين إسرائيليين، خصوصاً حين ينحصر دور هؤلاء المسؤولين في كيل الاتهامات والشتائم لبعض العرب والفلسطينيين، وينبغي امتلاك وإقامة الحد الأدنى من الحرص على إقامة علاقات صحيحة مع المتلقي ليجد نفسه شغوفاً لمتابعة إشباع حاجة المتلقي لمعرفة وإدراك ما يحدث، وما قد يحدث في مجتمعه حاضراً ومستقبلاً وعدم إحداث فجوة مع المتلقي قد تصل إلى حد القطيعة.
ذلك ما تسوقه قناة الجزيرة من مفاهيم مغلوطة عن بعض الدول العربية تحت مسميات وعناوين وحوارات براقة غايتها تمزيق الصف العربي واستهدافه من خلال حملاتها التحريضية ضد دول المنطقة، وبث أكاذيب عن الدول العربية وغايتها تنفيذ ما يرسم لها من غايات وأهداف مشبوهة لزرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد خدمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير المعد للمنطقة والهادف إلى تمكين الكيان الصهيوني من الهيمنة على مقدرات المنطقة العربية، ويحضرني البيت الشعري الآتي:
جراحات السنان لها التئام.. ولا يلتام ما جرح اللسان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة