رغم التقدم العلمي الكبير في مجالات الطب والوقاية، لا تزال بعض الشائعات تجد طريقها إلى الرأي العام، من أبرزها الادعاء بوجود علاقة بين اللقاحات وإصابة الأطفال باضطراب طيف التوحد.
الجدل حول هذا الموضوع تجدد عام 2018، حينما صرّح عضو الكونغرس الأميركي المنتخب آنذاك، كارك غرين، وهو طبيب أيضًا، بأن المواد الحافظة المستخدمة في اللقاحات قد تكون سببًا في تزايد حالات التوحد. إلا أن هذه المزاعم افتقرت إلى أي دليل علمي موثق، وسرعان ما نفاها خبراء الصحة حول العالم.
وتعود جذور هذه الشائعة إلى عام 1998، عندما نشر طبيب بريطاني دراسة زعم فيها وجود صلة بين لقاح الحصبة الألمانية والتوحد. غير أن التحقيقات أثبتت لاحقًا أن البحث يفتقر إلى النزاهة العلمية والمنهجية الدقيقة، ما أدى إلى سحبه رسميًا، بل وحرمان صاحبه من ممارسة المهنة. ورغم ذلك، تركت تلك الدراسة أثرًا كبيرًا غذّى الشكوك لدى بعض الأهالي وأعطى دفعة قوية لحركات مناهضة اللقاحات.
وعلى مر السنين، ارتبط اضطراب التوحد بخرافات متعددة، فالبعض أرجعه إلى صدمات نفسية أو ضغوط أسرية، فيما نسبه آخرون إلى حوادث مثل سقوط الطفل على رأسه. ويعود ذلك إلى أن التوحد لم يكن مفهومًا بشكل واضح قبل ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان يُصنّف أحيانًا كتخلف عقلي أو فصام.
اليوم تؤكد مئات المراجعات والدراسات الطبية أن اللقاحات آمنة وفعالة في الوقاية من أمراض قاتلة، ولا علاقة لها بالتوحد. وتشير الأدلة العلمية إلى أن هذا الاضطراب العصبي التنموي معقد ومتعدد الأسباب، تشمل العوامل الوراثية والبيئية، بعيدًا عن أي صلة بالتطعيم.
ويجمع الخبراء على أن مواجهة هذه الشائعات تتطلب الرجوع إلى البحوث الموثوقة، واستشارة الأطباء المختصين، لضمان حماية الأطفال من الأمراض، وتجنب الانسياق وراء مخاوف لا أساس لها من العلم.